قسد تواجه حرب استنزاف في دير الزور

تثير الهجمات شبه اليومية في دير الزور مخاوف قوات سوريا الديمقراطية التي تخشى أن تكون مقدمة لحرب استنزاف طويلة تنهكها في منطقة شديدة الاضطراب، وهي محل أطماع إيران.
دير الزور (سوريا)- تتعرض قوات سوريا الديمقراطية في المناطق الخاضعة لسيطرتها بمحافظة دير الزور شرق سوريا في الآونة الأخيرة لهجمات متواترة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة تنسب إلى مسلحين محليين.
ويرجح كثيرون أن يكون مقاتلون من العشائر خلف الهجمات التي اتخذت مسارا تصاعديا، ما بات يثير قلق قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ”قسد” وداعميها من التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش.
وهاجم مسلحون الأحد عدة نقاط عسكرية تابعة لقسد في ريف دير الزور الشرقي. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان صحفي “شن مسلحون محليون هجوماً على نقطة مصفاة مياه البوبدران التي تتمركز فيها قوات سوريا الديمقراطية، ونقاط في بلدة السوسة في ريف دير الزور الشرقي”.
ووفق المرصد “شن المسلحون أيضا هجوماً على نقطتي الثابت ومنزل غازي في بلدة الطيانة ونقطة محطة البوعواد بريف دير الزور الشرقي، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين دون ورود معلومات عن خسائر بشرية حتى اللحظة”.
وأشار المرصد الذي مقره لندن إلى أن مسلحين محليين شنوا هجوما الأربعاء الماضي بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة استهدفوا خلاله عدة نقاط عسكرية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية ومنتشرة على السرير النهري في قرية الهرموشية بريف دير الزور الغربي.
ويرى متابعون أن ما يحصل في دير الزور تطور خطير يؤشر على أن مقاتلي العشائر انخرطوا في حرب استنزاف ضد قوات سوريا الديمقراطية، لافتين إلى أن إيران والنظام السوري يبدو أنهما نجحا في تجيير عدد مهم من أبناء العشائر في المنطقة. ويقول المتابعون إن قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردي تتحمل جانبا من المسؤولية حيال ما يجري جراء السياسات التي مارستها طيلة السنوات الماضية والتي لم تخل من تهميش للمكون العشائري، فضلا عما يتعرض له أبناؤه من ضغط أمني يتمثل في التجنيد الإجباري والاعتقالات التعسفية.
وشهدت العلاقة بين العشائر وقوات سوريا الديمقراطية في دير الزور خلال نهاية أغسطس الماضي توترا كبيرا تحول إلى مواجهات استمرت أكثر من أسبوع على خلفية اعتقال قسد قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل، الملقب بـ”أبوخولة”، واتجاهها بعد ذلك إلى شن حملة أمنية في المحافظة تحت عنوان “تعزيز الأمن”.
وقد اتهمت قوات سوريا الديمقراطية النظام السوري بالوقوف خلف تأجيج الأوضاع التي هدأت بعد تدخلات من التحالف الدولي وأيضا بعد أن تعهدت قيادة قسد بالنظر في مطالب العشائر.
لكن نشطاء في صفوف العشائر يؤكدون أن قسد لم تنفذ أي تعهد ومازالت تعتقل العديد من الشباب، الأمر الذي مكن النظام السوري ولاسيما إيران من استغلال غضب أبناء العشائر واستقطاب المزيد منهم.
وجاءت الهجمات المتتالية على مواقع لقوات سوريا الديمقراطية في دير الزور بعد مرور أقل من شهر على ظهور شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم الهفل في دمشق، بعدما اختفى عن مسرح الأحداث إثر اتفاق التهدئة بين العشائر وقسد.
وتعتبر قبيلة العكيدات إحدى أكبر العشائر في شرق سوريا، وكانت قد تصدرت المعارك مع قوات سوريا الديمقراطية، ويقول مراقبون إن وجود شيخها الهفل في دمشق يؤكد أن النظام السوري وإيران نجحا في استقطاب الهفل إلى صفيهما.
وذكر الناشط الإعلامي عمر البوكمالي في وقت سابق أن طهران نجحت تماما في سحب الهفل إليها عن طريق شخص يسمى هاشم السطام، وهو مسؤول التنسيب إلى الميليشيات التابعة لإيران شرق سوريا.
وقال إن الهفل موجود في دمشق بمضافة شخصية عشائرية عراقية مقربة من إيران هي فرحان المرسومي، الذي عن طريقه حاولت إيران أيضا استقطاب الهفل كشخصية عشائرية.
وأوضح البوكمالي أنه “حتى لو كانت إيران تكره إبراهيم الهفل، إلا أنها ومعها النظام لا يستطيعان أن يقفا ضده، لأنه يمثل بيت المشيخة في ذيبان”. ووفقاً للبوكمالي تريد قسد من خلال عمليات الإفراج الأخيرة تدارك خطورة الموقف بأن تكسب ود العشائر.
وتتقاسم قوات سوريا الديمقراطية والميليشيات الموالية لإيران السيطرة على محافظة دير الزور الإستراتيجية، الواقعة بالقرب من الحدود العراقية، وقد سعت إيران على مدار السنوات الماضية لاستقطاب أبناء العشائر إلى صفها مستغلة حالة الغضب في صفوف أبنائها تجاه ما يعتبرونه هيمنة كردية، فضلا عن تردي أوضاعهم المعيشية.
قوات سوريا الديمقراطية تتعرض في الآونة الأخيرة لهجمات متواترة تنسب إلى مسلحين محليين، في محافظة دير الزور
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير نشره الأحد إن إيران تعمل على استقطاب أهالي دير الزور عبر طرق وأساليب عدة باستغلال الواقع المعيشي الكارثي وشح فرص العمل والرواتب الشهرية القليلة قياساً بالأسعار المرتفعة، فتارة تقوم بحملات لتوزيع مساعدات إغاثية ومبالغ مالية وتارة أخرى تقوم بعرض رواتب شهرية متفاوتة وأكبر من تلك التي قد يحصل عليها الفرد في الوظائف لدى القطاعين العام والخاص.
وأفاد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن المركز الثقافي الإيراني في دير الزور فتح مؤخرا باب الانتساب أمام الشباب والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و25 عاماً، للعمل ضمن الفرق التابعة للميليشيات الإيرانية براتب شهري يتراوح بين 750 و850 ألف ليرة سورية، بالإضافة إلى سلة غذائية شهرية، على أن يتم فرز المقبولين في ثكنات خاصة بتلك الميليشيات في مناطق مختلفة بدير الزور.
ويشير المتابعون إلى أن خطر إيران في هذه الساحة يتعاظم، الأمر الذي يجبر قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي على إعادة النظر بشكل جدي في ما يحصل، حيث أن أي تهاون يصب بشكل مباشر في صالح طهران، التي تسعى لتحويل المنطقة إلى ما يشبه حقل ألغام ضد عناصر قسد والقوات الأميركية.