قرية "دمو" في مصر مدرسة كبيرة لتدريب الخيول

ولع المصريين بالخيل قديم كما في بقية الدول العربية، لكن قرية في محافظة الفيوم تتميز بهذا الولع الذي حولته إلى مجال عمل استثماري من خلال تكوين المدربين وإنشاء مدراس التدريب على ركوب الخيل حتى أصبحت مزارا سياحيا يستقطب عشاق هذه الرياضة من الدول العربية والأجنبية.
القاهرة - عشق الخيول وتربيتها وتدريبها عدوى انتشرت في قرية دمو في محافظة الفيوم (130 كم جنوب غرب القاهرة)، حتى صارت أكبر مدرسة لتكوين المدربين وترويض الخيول وتهيئتها لاعتلاء بوديوم جمال الخيل، وصارت دمو تعرف بقرية الألف مدرب وتحظى اليوم بشهرة عربية وعالمية في هذا الاختصاص حيث يعمل أبناؤها في الدول العربية والأجنبية كالبحرين والإمارات والسعودية والكويت وبولندا وهولندا ودول أوروبية آخر ى.
ومنذ سبعينات القرن الماضي صارت القرية بمثابة واحة للخيول العربية خاصة، فلا يخلو منزل فيها من الخيول أو مدربيها حيث يقصدها مصريون وعرب لتدريب أطفالهم على الفروسية، كما صارت وجهة سياحية لمحبي ركوب الخيل من السياح.
وتوارث أهل القرية حب الخيل عن آبائهم وأجدادهم، لكن شهرة القرية في تدريب الخيول العربية بدأت منذ أواخر سبعينات القرن الماضي مع الازدهار السياحي الذي شهدته مصر، حيث بدأ بعض الشباب في تدريب الخيول بنزلة السمان، وهم عبدالمولى رشاد، وعبدالنبي اسم، وجمعة اسم، وهم أول ثلاثة من شباب القرية يدخلون مجال تدريب الخيول، وفتح نجاحهم في التدريب الفرصة أمام شباب القرية للعمل في التدريب، بحسب ما يرويه أهل دمو.
ليس التدريب وحده ما يشغل أهل القرية، فهناك تجارة رائجة لخيولهم التي عادة ما تستخدم في مسابقات الجمال المعنية باستعراض حسن الفرس، وخيول الأدب التي تستخدم للرقص في الأفراح، وخيول مسابقات الفروسية.
ممسكا بناصية إحداها، تحدث الثلاثيني محمد كمال، مدرب خيل، عن عشقه للخيول العربية الأصيلة منذ نعومة أظافره.
كمال، الذي يعمل في تدريب الخيول بدولة الكويت، دفعه حبه لمهنته، إلى إقامة مزرعة خيول بالقرية وقضاء إجازته فيها مستمتعا بفترة راحته، التي لا تزيد عن شهر.
وتشتهر قرية دمو، وفق كمال، بالخيول العربية الأصيلة الفريدة من نوعها، التي تتميز بنعومة الوجه، إضافة إلى وثائق نسبها الخاصة وشجرة العائلة، ونتيجة تحليل “دي.أن.آيه” الخاص بها، والختم الأصلي للخيل أسفل الرقبة.
يقول إن لكل حصان عربي أصيل شهادة نسب معتمدة من قبل الجهات المختصة في وزارة الزراعة، مشيرا إلى أنه يتم التأكد من نسب الحصان المولود حديثا بعد أن يقوم الطاقم الطبي بأخذ عينة من دم المهر ودم الأبوين وبالتالي إرسالها إلى مختبر ليتم تأكيد نسب الخيل من عدمه.
وتخضع مسابقات جمال الخيل إلى مقاييس وضوابط في الجسم والحركة تماما كمسابقات ملكات جمال النساء اللاتي يتدربن طويلا على الحركة والمشي وإظهار القوام الممشوق، يشير كمال إلى ضرورة تميز الحصان بعدة صفات أبرزها أن يكون ممشوق القوام، مستقيم الظهر، ورأسه مضبوط، وواسع العينين، وصغير الأذنين، أما أفضل الخيول وأعلاها سعرا فهي ذات اللون الأسود، والأشقر الأكثر جاذبية. وتتمثل مهمة مدربي الخيول لمسابقات الجمال في أن يعلموا الخيول الوقوف بالشكل الصحيح، فتكون قدماها الخلفيتان على شكل رقم 8 والأماميتان على شكل رقم 11 وتكون الرأس مرفوعة، كما يتولوا تدريبها على الوقوف والحركة.
ويضيف كمال أنّه لا يمكن امتطاء خيل الجمال، ويتم تأهيلها لدخول المسابقات فقط، كاشفا أنّ تدريبها يبدأ من عمر شهرين، ويعمل خلالها المدرب على إبراز عضلات الحصان، والاهتمام بالتغذية الجيدة، وممارسته الرياضة الخفيفة وتعليمه الإشارات والكلمات ليفهم أوامر مدربه.
والحصان العربي الأصيل الذي لا يصلح للجمال لعدم تناسق الوجه، والجسم، يدخل مرحلة أخرى وهي مرحلة “الأدب” التي تعني تعلم الرقص الشعبي لتقديم اللوحات الاستعراضية في الأفراح والمناسبات.
أمّا الحصان مرتفع القوام صاحب النفس الطويل فيتم تدريبه ليشارك في مسابقات السرعة والفروسية، وفق كمال الذي يؤكد أن الخيول التي يتم ركوبها تكون البلدي أو الإنكليزي.
ولفت إلى أنّه قبل المسابقة يتم تدريب “خيول الجمال” على الجري، والسير بطريقة صحيحة بحيث لا تتقدم قدم على الأخرى، وتتركز فترة التدريب على تقسيم جسم الحصان وإبراز عضلاته، في مرحلة أولى.
ثم تأتي مرحلة تدريب الخيول على الوقوف بثبات وبطريقة صحيحة، ثم يتم تدريب رقبتها لتكون ممشوقة، وتعليمها الاستجابة للمدرب ومد رقبتها وجذبها حسب حركة يد المدرب.
ويبيّن أنّ الخيول العربية تحتاج إلى رعاية خاصة فى الطعام والاستحمام ونظافة الإسطبل، ويتغذى الحصان على الشعير والذرة، وتكون مكافأته عندما يفوز في أي مسابقة، أو عند تنفيذ تعليمات المدرب بإطعامه السكر والبطاطا والجزر، وكما يكافئ المدرب الحصان قد يعاقبه بالضرب الخفيف أيضا دون عنف وذلك عندما لا يستجيب للأوامر والإشارات ويكون الضرب في المكان الذي يطلب فيه المدرب من الحصان تحريكه مثل قدمه الأمامية.
وتضم قرية دمو 6 مزارع كبرى نصفها للخيول العربية الأصيلة والنصف الآخر للخيول البلدي، إضافة إلى 7 مزارع أخرى للخيول العربية في محافظة الفيوم بشكل عام ويُشرف عليها شباب القرية أيضا.
وبعث مدربو الخيول المهرة في القرية مدارس لتعليم الأطفال والشباب والفتيات رياضة الفروسية وركوب الخيل، ويبدأ التعليم من 4 سنوات، كما أن بعضهم تخصص في تدريب ذوي الاحتياجات الخاصة، تحت شعار “تعالوا نتعلم فروسية ونركب الخيل”، لتربية جيل جديد على مبادئ وأخلاق الفروسية من صبر وجلد وعزة نفس وخلق وعي شيم الفارس العربي. ولا تتوقف مهمة هذه المدارس على تعليم الفروسية فقط بل تهتم بالجانب الترفيهي، فالإقامة بالمزارع واللعب مع الخيل، وتنظيم رحلات السفاري بصحبة الخيل يضفي كل ذلك نوعا من البهجة ويجدد طاقة المترددين عليها من الشباب والأطفال والعائلات، خاصة مع تنظيم احتفالات كبيرة تعرض فيها وصلات لرقص الخيول ومهارات الفرسان.
يقول حازم عبدالعليم صاحب مدرسة ديوان للفروسية بمزرعة وادي الخيول العربية إن “قرية دمو تستقبل الأجانب خاصة من الدول العربية لركوب الخيل والتدريب أيضا”، فالقرية تتميز بمناظرها الخلابة التي تتجلى في مظاهر تدرج أرضها حيث نجد فيها وادي دمو ثاني وادي بالفيوم بعد وادي النزلة.
وقد فتح شباب القرية نشاطا سياحيا من خلال جولات الخيول وتنظيم رحلات سفاري بالخيول وعربات الكارو إلى هرم هوارة الأثري.
ويأتي إلى القرية الكثير من الخليجيين المولعين بركوب الخيل، ومنهم من يشتري حصانا ويتركه عند المربي في القرية ليأتي إلى ركوبه مرة أو مرتين في السنة، لذلك أنشأ بعض الأهالي إسطبلات لمن يريد إيواء فرسه لفترات طويلة.
يقول صاحب مزرعة تنظم رحلات ركوب الخيل، إن الخليجيين يفضلون ركوب الخيول العربية الأصيلة لأنها تتميز بالسرعة والذكاء والجمال، في حين يفضل السياح الأجانب ركوب الخيول الهادئة.
أهالي القرية توسعوا في الاستثمار في الخيل فوفروا العلاج بركوب الخيل لتحسين الأداء الحركي والعقلي لمرضى الشلل الدماغي والجلطات والتوحد تحت إشراف أطباء وأخصائيين متخصصين في تعديل السلوك.
فركوب الخيل يحد من التوتر والغضب والانفعال وتؤدي رياضة ركوب الخيل داخل مجموعات إلى زيادة روح التعاون وإقامة العلاقات التي تبعث في الإنسان المشاعر الإيجابية.