قرار قضائي يُبطل التمديد لبرلمان كردستان العراق يعمق أزمة الإقليم

بغداد - قضت المحكمة الاتحادية أعلى هيئة قضائية في العراق، اليوم الثلاثاء بعدم دستورية القرار الصادر في عام 2022 بتمديد عمل برلمان كردستان لمدة عام، مشيرة إلى أنه يقوض الديمقراطية في البلاد.
ويأتي هذا القرار ردا على دعوى تقدّم بها نواب معارضون في برلمان الإقليم، فيما يأتي أيضا وسط خلافات بين حكومتي بغداد وأربيل حول تعديلات أدخلت على مشروع الموازنة العامة العراقية تتعلق بالإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي والذي يعيش على وقع أزمة مالية وأخرى سياسية رغم اتفاق مصالحة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين.
ومن شأن القرار أن يفاقم الأزمة السياسية في إقليم كردستان الذي يكابد لترميم الشروخ بين مكوناته الحزبية خاصة بين الحزبين الكرديين: الاتحاد الوطني الكردستاني الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وقال رئيس المحكمة القاضي جاسم محمد، إن جميع القرارات الصادرة عن برلمان إقليم كردستان في العراق اعتبارا من تاريخ تمديد ولايته في أكتوبر 2022 تعتبر "لاغية وباطلة".
وتابع في جلسة بثّتها القناة العراقية الرسمية أن المحكمة حكمت بالأكثرية "بعدم دستورية قانون استمرار الدورة الخامسة في برلمان كردستان العراق رقم 12 لسنة 2022 الصادر عن برلمان كردستان العراق".
وأكدّ كذلك أن "الدستور صاحب السلطة المجردة والدائمة والدستور وثيقة قانونية تفرض قواعدها على جميع السلطات"، مضيفا أن "الدستور نظم المبادئ الأساسية التي تستند عليها العملية السياسية ومن ضمنها سيادة القانون وأن الشعب مصدر السلطات".
وتابع رئيس المحكمة الاتحادية "الحفاظ على استمرار العملية الانتخابية أمر في غاية الأهمية لأن استمرارية الانتخابات دعامة للنظام الديمقراطي".
ويترتب على القرار القضائي "اعتبار مدة الدورة الخامسة لبرلمان إقليم كردستان العراق منتهية بانتهاء المدة القانونية المحددة لها واعتبار كل ما صدر من برلمان إقليم كردستان العراق بعد تلك المدة القانونية باطلا من الناحية الدستورية".
وفي أكتوبر الماضي مدّد برلمان الإقليم المكوّن من 111 مقعدا مدة دورته لعام إضافي، مؤجلا بذلك الانتخابات التي كان من المفترض أن تجري في الشهر نفسه والتي تأجلت إلى نوفمبر القادم.
وجاء قرار التمديد وسط خلافات بين الحزبين الكرديين الأساسيين: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، حول كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية، بينما يهيمن الحزبان المتنافسان على الحياة السياسية في الإقليم.
وفي منتصف مايو الحالي أنهى الاتحاد الوطني الكردستاني أحد أهم الأحزاب الكردية في شمال العراق مقاطعة استمرت شهورا لاجتماعات حكومة كردستان مع شريكه الرئيسي في الائتلاف، مما يخفف التوترات، لكنه لا ينهي خلافات عميقة بين فصيلين خاضا حربا أهلية في تسعينات القرن الماضي.
وكانت الخلافات مصدرا للقلق بالنسبة للدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة التي تقدم الدعم لكلا الفصيلين وتمثل أحدث هذا الدعم في جهود التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية.
وعاد الوزراء المنتمون لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني إلى اجتماعات حكومة كردستان العراق للمرة الأولى منذ حادث اغتيال نادر وقع في مدينة أربيل في أكتوبر من العام الماضي.
ويدور صراع على النفوذ منذ فترة طويلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم الذي ينتمي إليه رئيس حكومة كردستان العراق مسرور برزاني وبين شريكه الأصغر في ائتلاف الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل جلال طالباني. وتمكن الحزب الحاكم إلى حد كبير من احتواء انعدام الثقة منذ الحرب الأهلية.
ويملك الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان الذي قضت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستوريته، الأغلبية مع 45 مقعدا، يليه الاتحاد الوطني الكردستاني مع 21 مقعدا.
ولم يكن التمديد لبرلمان 2022 استثناء في خضم خصومات سياسية داخلية بلغت ذروتها في تسعينات القرن الماضي مع اشتعال اقتتال داخلي بين عائلتي بارزاني وطالباني. وقد تم التمديد له في أكثر من مناسبة آخرها في أكتوبر الماضي.
ومن شأن القرار القضائي أن يعق الأزمة على مستويين: أولا محليا فإذا تم الامتثال للحكم اذ يتوجب إلغاء جميع القرارات منذ تاريخ التمديد للبرلمان بينما يعيش الإقليم حالة شد وجذب سياسي وخلافات بين مكوناته السياسية.
ثانيا: من المتوقع أن يؤجج التوتر بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم إذا رفضت الأخيرة التجاوب مع القرار الصادر عن أعلى هيئة قضائية، في الوقت الذي تسود فيه توترات بين الطرفين آخرها حول التعديلات على الموازنة وقبلها خلافات على صادرات النفط من الإقليم.
والتعديلات على قانون الموازنة واحدة من القضايا الخلافية التي تشكل عقدة في العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. وحتى في حال الاتفاق فإن اربيل ملزمة بالذهاب بقانون الموازنة للبرلمان لإقرار موازنة الإقليم وهذا في حد ذاته يطرح إشكالا آخر إذ اعتبرت المحكمة الاتحادية العليا التمديد للبرلمان الحالي في كردستان باطل دستوريا.
ويأتي القرار القضائي أيضا بينما أكدت وزارة المالية والاقتصاد في حكومة الإقليم الثلاثاء، صعوبة دفع نسبة من الرواتب المدخرة للموظفين والعاملين في القطاع العام في الإقليم للسنوات الماضية.
وأوضح المتحدث باسم وزارة المالية هونر جمال في مؤتمر صحفي باربيل أنه "وفقا لقانون الموازنة، لن يتم إنفاق أي مبلغ من المال إذا لم يتم تخصيصه ولن يتم تحويل مبالغ للأموال من مكان إلى آخر ما لم يكن مدرجا في ضمن نص القانون".
وفي الغالب تختلف حكومة الإقليم مع الحكومة الاتحادية في بغداد بشأن حصة أربيل من الموازنة وإدارة الصادرات النفطية من الإقليم. كما تسود عادة خلافات بين الحزبين الكرديين الأساسيين في إقليم كردستان العراق حول توزيع مخصصات الموازنة.
ويتولى البرلمان في الإقليم منح الثقة للحكومة ورئيسها ويقرّ كذلك التشريعات المحلية.