قرار ترامب بشأن القدس يفتح شهية إسرائيل للمزيد: الجولان

من الصعب التكهنّ بالموقف الأميركي بخصوص ضمّ إسرائيل للجولان رسميا. والاعتراف الأميركي، وإن حصل، لن يغير على أرض الواقع أي شيء تقريبا، حيث تحتل إسرائيل الجولان بموجب اتفاق ضمني بينها وبين النظام السوري، ساري المفعول منذ عهد الرئيس حافظ الأسد وتواصل في عهد الرئيس بشار الأسد، وهي وإن تدفع نحو ضم الهضبة المحتلة رسميا إلى خارطة الأراضي التي تحتلها، لكن على المستوى العالمي سيكون ذلك نقلة كبرى تتجاوز تداعياتها المنطقة لتطال ميزان النظام العالمي.
واشنطن- بعد قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، لم يعد مستبعدا أن يوقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أي قرار آخر يمكن أن يثير الجدل والاحتقان ويخرق المواثيق والمعاهدات الدولية المعمول بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، من ذلك اعتراف الولايات المتحدة بضم هضبة الجولان المحتلة لإسرائيل.
في الفترة الأخيرة، تصاعدت التصريحات الإسرائيلية حول الجولان والتهديدات القادمة من سوريا. وطرح وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس فكرة الضغط على الإدارة الأميركية من أجل ضم الجولان نهائيا إلى إسرائيل. وخلال الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية عزّزت إسرائيل من انتشار الدبابات والمدفعية في الهضبة المحتلة. وضاعفت من تواجدها مؤخرا مستغلة معركة درعا وتوافد أعداد من النازحين من محافظة درعا إلى الشريط الحدودي.
ولم يعد خافيا أن اللوبي الإسرائيلي يعمل على دفع الولايات المتحدة إلى الاعتراف بمرتفعات الجولان المحتلة منذ عام 1967 على أنها أرض إسرائيلية. لكن، إذا وافقت الولايات المتحدة ستكون قد اعترفت بأراض مستولى عليها بالقوة العسكرية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
من القدس إلى الجولان
خلال الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، عندما كان مستشاروه يبحثون عن داعم مؤثر، لم يكن هناك اسم أهم من اختيارهم على شيلدون أديلسون، صاحب إمبراطورية الكازينوهات في لاس فيغاس، المعروف بتأييده المطلق لإسرائيل ودعمه حزب الليكود، الحزب الرئيسي في المشهد السياسي الإسرائيلي والذي يترأسه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
ويشير آدم إنتوس، في تقرير نشرته مجلة “نيويوركر الأميركية”، إلى أن نفوذ شيلدون أديسلون على السياسة الانتخابية في الولايات المتحدة لا يقل عن نفوذه في إسرائيل، فلا يستطيع أي مرشح جمهوري تجاهله بسهولة. وكان يعتبر باراك أوباما عدوا لإسرائيل. وقد تعهد بإنفاق “ما يتطلبه الأمر” لمنع أوباما من تأمين اتفاقية سلام حال كونه في السلطة.
ويملك أديلسون صحيفة شعبية في إسرائيل تدعى إسرائيل هايوم، ويرى أنّ “وجود دولة فلسطينية يعني نهاية إسرائيل”. وكان إيهود أولمرت أحد المستهدفين من صحيفته لجهوده في التفاوض على حل الدولتين.
على أرض الواقع لن يغير الاعتراف الأميركي برغبة إسرائيل حول الجولان أي شيء، لكن على المستوى العالمي سيكون ذلك نقلة كبرى لأن هذه المنطقة استولي عليها بالقوة
ويذكر آدم إنتوس أن أديلسون وافق على دعم ترامب لكنه اشترط مقابل ذلك أن يلتزم بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. وبعد فوز ترامب بدأ مستشاره السابق ستيف بانون في صياغة مشروع “اليوم الأول”، وكان على رأس قائمة الإجراءات التنفيذية التي ينوي ترامب اتخاذها فور أداء اليمين، الأمر التنفيذي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
ويقول إنتوس “بعد أن تلقى ترامب تحذيرات من وزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، بتوخي الحذر، قرر تأجيل هذه الخطوة. ومرت الأسابيع دون إعلان فبدأ أديلسون بالتذمر. وصرخ على الهاتف مع أحد المساعدين البارزين في البيت الأبيض “إنكم تجعلونني أبدو كأحمق”، وفي النهاية ضغط أديلسون وآخرون على ترامب” وتم نقل السفارة.
وكما تم نقل السفارة لا يستبعد أن يتخذ الرئيس الأميركي أي خطوة بخصوص الجولان المحتل مهما كانت مثيرة للجدل، بل إن متابعة التقارير الصادرة عن وسائل إعلام ومراكز تفكير وأبحاث أميركية ودولية محذرة ترامب من أي خطوة بخصوص الجولان المحتل، تشي بأن الرئيس الأميركي سيعاند مثلما فعل مع التحذيرات بخصوص نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس كما الانسحاب من الاتفاق النووي.
ذهبت أغلب التقارير والتصريحات في طريق التحذير في حين ذهب الرئيس الأميركي في الطريق المغاير تماما، فانسحب من الاتفاق النووي وأعلن القدس “عاصمة لإسرائيل” ويسعى في هذه الأيام إلى تمرير صفقة القرن. ويشير الكتاب اللبناني خيرالله خيرالله إلى أن “إسرائيل تقوم حاليا بعملية جس نبض لمعرفة إلى أي حدّ يمكن أن تذهب في استغلال الوضع الإقليمي من جهة ووجود دونالد ترامب في البيت الأبيض من جهة أخرى. وما يمكن أن يشجّع إسرائيل على التفاؤل في هذا المجال أمران. أولّهما أن إدارة ترامب أقدمت على خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من دون الإشارة إلى ضرورة أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة. تلت خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى المدينة المقدسّة”.
الأمر الآخر الذي يشجّع على طرح موضوع الجولان المحتل منذ 51 عاما، وفق خيرالله، هو “عدم الاهتمام السوري يوما باستعادة الهضبة المحتلة ذات الأهمّية الاستراتيجية. احتلت إسرائيل الجولان في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها غامضة. حدث ذلك في يونيو من العام 1967. وقتذاك، كان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع وكان يهيّئ نفسه لحكم سوريا ابتداء من نوفمبر 1970 حين أعلن عن قيام “الحركة التصحيحية”، ثم استخدام الجولان للتفرد بالسلطة في خريف العام 1970.
ويضيف خيرالله “لم يعد كافيا بالنسبة إلى إسرائيل الحصول على ضمانات بالنسبة إلى الجولان من بشّار الأسد. إسرائيل تعرف قبل غيرها أن بشّار الأسد لم يعد سوى صورة وأنّه لا يستطيع الاستجابة كلّيا لما يطلبه منه الجانب الروسي، بل عليه أن يراعي الإيراني أيضا”.
التبعات العالمية
بعد الحرب العالمية الأولى أعلنت قوى الحلفاء بأن الحصول على الأراضي عن طريق الغزو العسكري استعمال غير مشروع للقوة، ومنذ سنة 1945 رفض الإجماع الدولي هذا الشكل من امتلاك الأراضي مقابل إعلاء صوت المؤسسات الدولية وحكم القانون بدلا من الدبابات والبنادق. وشكلت هذه المقاربة جزءا كبيرا من البيئة الدولية للقرن العشرين، مما ساعد في كبح التنافس السوفييتي الأميركي حتى يقتصر على المعارك من أجل النفوذ بدلا من الأرض.
وبدا واضحا في رئاسة ترامب أن الولايات المتحدة تعيد بشكل سريع صياغة مقاربتها تجاه الكثير من المعايير الدولية الراسخة. انسحبت واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني، متحدية الانتظارات من كيفية تعامل البلدان مع مشاركتها في الاتفاقات الدولية. كما شرعت في فرض التعريفات الجمركية ليس ضد خصومها فقط بل وكذلك ضد حلفائها، وهو ما يعيد تأويل المعايير التجارية العالمية التي تهدف إلى تجميع الموارد الاقتصادية وتفادي الحروب.
والآن تفكر واشنطن في خرق جريء آخر للمعايير الدولية إذ يتردد في أروقة البيت الأبيض وفي مجالس المسؤولين الأميركيين الغاضبين من سياسات ترامب أنه بصدد التفكير في هذا التحرك لتلبية رغبة إسرائيل في تغيير صفة احتلالها للجولان. وفي صورة ما إذا قررت واشنطن الاعتراف بالمطالبة الإسرائيلية بالمنطقة المتنازع فيها، فذلك سيكون أول مرة منذ عام 1945 تعترف فيها الولايات المتحدة بأحقية أرض أخذت بالقوة العسكرية. وستكون لذلك تبعات كبرى على النظام العالمي الحالي.
لم يعد خافيا أن اللوبي الإسرائيلي يعمل على دفع الولايات المتحدة إلى الاعتراف بمرتفعات الجولان المحتلة منذ عام 1967 على أنها أرض إسرائيلية
ويذهب تقرير صدر عن مركز ستراتفور للدراسات الأمنية الاستخباراتية إلى أنه إذا قررت الولايات المتحدة الاعتراف بمطالبة إسرائيل بمرتفعات الجولان ستكون بصدد تغيير مسارها بشكل جذري. وسيكون لهذا القرار معنى مختلف عن القرار الدبلوماسي الأخير في إسرائيل المتمثل في نقل سفارتها إلى القدس. بالنسبة إلى إسرائيل جعل الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمة لها كان انتصارا رمزيا كبيرا، نظرا لوضعها كمكان مقدس، بيد أن إسرائيل أبقت هضبة الجولان تحت سيطرتها منذ سنة 1967 وضمتها في سنة 1981 وإلى حد الآن لديها ما يقارب من عشرين ألف مستوطنة هناك وجنود متحصنين جيدا.
من خلال تقويض المعيار المعترف به بشكل واسع المتمثل في عدم تزكية الأرض المنتزعة بالقوة، ستقوم الولايات المتحدة بخطوة أخرى في طريق الابتعاد عن الأعراف الدبلوماسية، ويمكن أن تكون لهذا التحرك تبعات كبرى ليس فقط بالنسبة إلى كيفية التعامل مع الأراضي المتنازع عليها، ولكن أيضا حول ماذا يمكن للبلدان انتظاره من بعضها البعض عند هذه المرحلة من التاريخ.
لن تعمَد كل الدول إلى تأويل الاعتراف الأميركي بمرتفعات الجولان على أنه بمثابة دعوة للعودة إلى زمن ما قبل معاهدة وستفاليا لسنة 1648 عندما كان الملوك والأباطرة يستولون على الأرض التي يقدرون عليها بحد السيف. لكن قرار واشنطن سيؤدي من دون شك إلى تعقيد النزاعات الحدودية القائمة الأخرى إذ تأمل روسيا في أن تتمكن من إضفاء الشرعية على احتلالها القرم من خلال مساومة دبلوماسية كبرى مع الغرب، وسترى بأن تلك المقاربة أقرب إلى النجاح إذا مضت الولايات المتحدة قدما في الاعتراف بمرتفعات الجولان. كما رفضت الصين الأحكام الدولية الصادرة ضد بنائها لجزر في بحر جنوب الصين، معللة ذلك بأن المؤسسات الدولية تخضع لتأثير قوى معادية لصعود الصين. وعند رؤيتها لتحول ملكية الجولان يمكن أن يشجعها ذلك على الاعتقاد بأنها إذا انتظرت مدة كافية في بحر جنوب الصين سيتم الاعتراف بمطالبها.
وستتشجع بعض البلدان على إجراء تحركات عسكرية أكثر عدوانية لأنها ستكون أقل تخوفا من تدخل الولايات المتحدة. والفرصة في تفادي التورط الأميركي تتمثل في مناشدة الزعماء الذين يعتقدون في قدرة القوة العسكرية على حل نزاعاتها أو الإلهاء عن المشاكل الداخلية.
ويؤكد خبراء ستراتفور أنه إذا استمرت الولايات المتحدة في تبني الموقف القائم على الانحياز من خلال الاعتراف بأن مرتفعات الجولان “أرض إسرائيلية”، ستعي بذلك أن الأرض يمكن بيعها ومقايضتها مثلما تقتضي الوضعية، وهذا يعني أن حرمة الحدود ليست مبدأ له عائد قوي كفاية. وكان من الممكن تجنب تداعيات مثل هذا الخرق للنظام العالمي للأوروبيين، لكن الصراعات الداخلية في الاتحاد الأوروبي توحي بأن القارة الأوروبية ليست قوية.
فشلت أوروبا في جهودها لوقف التعريفات الجمركية أو إجبار البلدان على الالتزام بالمعاهدات، وفي صورة تخلي الولايات المتحدة عن المعيار المقبول لرفض الاعتراف بالأرض المستولى عليها بالقوة، سيكون على أقوى الدول الأوروبية (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) أن تتصرف. لكن على الرغم من جهودها ربما لن تكون هذه الدول قوية بما يكفي لمنع بلدان أخرى من إعادة صياغة النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية.