قانون سلاسل التوريد لا يحد من عمالة الأطفال في أفريقيا لإنتاج الشوكولاتة الألمانية

800 ألف طفل من كوت ديفوار وغانا يعملون في مزارع الكاكاو.
الثلاثاء 2023/03/21
التكاليف الباهظة للعمالة تجبر المزارعين على تشغيل أبنائهم

أغبوفيل (كوت ديفوار) - كثيرا ما أثارت تقارير عن عمل الأطفال وإزالة الغابات في مزارع الكاكاو في أفريقيا فزع المستهلكين في ألمانيا. ومن المفترض الآن أن يساعد قانون سلاسل التوريد الألماني في القضاء على هذه الأحوال السيئة. فهل يمكن أن يمثل أداة ضبط فعالة أم يكون حبرا على ورق؟

وبعد مضي نحو شهرين على دخول القانون حيز التنفيذ توجه وزير العمل الألماني هوبرتوس هايل ووزيرة التنمية سفنيا شولتسه إلى كوت ديفوار وغانا للاستعلام عن الوضع هناك.

ويقول هايل إنه على الرغم من أن الدولتين تستأثران بـ65 في المئة من صادرات الكاكاو على مستوى العالم، فإن الكثير من الناس هناك يعيشون في “فقر مدقع”.

هوبرتوس هايل: ارتفاع سعر الكاكاو  حل للحد من عمالة الأطفال في المزارع
هوبرتوس هايل: ارتفاع سعر الكاكاو  حل للحد من عمالة الأطفال في المزارع

من جانبه، يوضح خبير التنمية الألماني فريدل هوتس - أدامز من معهد “زود فيند” في مدينة بون أن السبب الرئيسي في ذلك هو أن “السعر في السوق متدنّ بشكل زائد عن الحد”، مشيرا إلى أن سعر الكاكاو تراجع في العام الماضي بمقدار يقترب من النصف.

وفي المقابل ارتفعت تكاليف البنزين والأسمدة في غرب أفريقيا أيضا وبشكل حاد في بعض المناطق. وكشفت دراسة لمنظمة أوكسفام أن الدخل في غانا وحدها انخفض بنسبة تزيد على 16 في المئة في موسمي الحصاد 2019 - 2020 و2021 - 2022 وذلك رغم زيادات الأسعار التي فرضتها الحكومة.

ووفقا للأرقام الرسمية المنشورة، يضطلع نحو 800 ألف طفل بعمل شاق في مزارع الكاكاو في كوت ديفوار وغانا لأن أولياء أمورهم لا يستطيعون تحمل تكاليف توظيف عاملين لهذا العمل الشاق، ويعمل الأطفال باستخدام المنجل أو يرشون مبيدات أو يحملون أحمالا ثقيلة.

وتسري رائحة الكاكاو الخفيفة عبر المزرعة. ويُسمع حفيف الأوراق خلال سير الأقدام على طبقة كثيفة من أوراق الشجر التي تعلو التربة الصلبة شديدة الجفاف في كوت ديفوار في غرب أفريقيا حيث ينتج المزارع سوج موسى هنا كميات ضخمة من حبوب الكاكاو لشركات تصنيع الشوكولاتة العالمية، فثلثا الكاكاو في ألمانيا وحدها قادم من كوت ديفوار.

ولا يجلب موسى (50 عاما) أبناءه الأربعة للعمل في المزرعة. ويدرس ابنه الأكبر في الجامعة.

هل يتولى الابن أمور المزرعة ذات يوم؟ رد موسى نافيا “طالما لم تتحسن الأسعار، فإن هذا غير وارد”، وأردف أن ابنه يرغب في فعل شيء آخر على أي حال، وربما يصبح طبيبا.

ولا تخفي الحكومتان في كوت ديفوار وغانا المشاكل الموجودة، وقال وزير العمل الغاني صامويل أبو جينابور إن “المزارعين لا يتقاضون في الغالب ما يكفيهم”. وتتصارع كوت ديفوار وغانا مع التجار الدوليين الكبار من أجل بيع الكاكاو بأسعار معقولة غير أن قوة الحكومتين تعتبر محدودة في مواجهة الشركات. ولا تحصل العديد من العائلات على حد الكفاف الذي تعادل قيمته ما يزيد على 400 يورو في الشهر.

ولا تتهرب السلطات من الحديث عن تدمير الغابات، إذ يقول الكولونيل موموني لوجيه من هيئة الغابات في كوت ديفوار “تدمير غاباتنا متواصل”. ومنذ استقلال الدولة في عام 1960 تمت إزالة 80 في المئة من الغابات المطيرة التي تبقى منها 2.5 مليون هكتار.

وقال لوجيه إن “الهدف هو زيادة مساحة الغابة لتصل إلى 20 في المئة عن طريق إعادة التشجير”.

طفولة منهكة
طفولة منهكة

ورغم أن إنتاج الكاكاو على حساب الغابة الطبيعية غير مسموح به منذ فترة طويلة كما أن عمل الأطفال محظور في البلدين أيضا منذ فترة طويلة، فإن الظاهرتين مستمرتان. فما عسى أن تفعله القوانين الجديدة القادمة من أوروبا؟

يلزم قانون سلاسل التوريد الألماني الشركات التي يعمل لديها ما لا يقل عن 3000 شخص بألا تعتمد في منتجاتها على عمالة الأطفال أو انتهاكات خطيرة للبيئة، وفي عام 2024 ستنخفض العتبة لتشمل الشركات التي يبلغ عدد العاملين فيها 1000 شخص.

كما يلزم القانون هذه الشركات بإعداد تقارير عن ذلك وتعديل الأوضاع السيئة. ويجري حاليا على مستوى الاتحاد الأوروبي الإعداد لسن قانون لسلاسل التوريد سيكون أكثر صرامة على الأرجح.

وبالإضافة إلى ذلك سيصدر مرسوم للاتحاد الأوروبي سيحظر اعتبارا من عام 2024 الواردات القادمة من المناطق التي أزيلت فيها الغابات حديثا.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن مراقبة كل هذا مثلا في منطقة أغبوفيل في الغابة الإيفوارية الواقعة على مسافة تزيد عن 6000 كيلومتر عن ألمانيا؟ وعلى نحو لا يخلو من الدهشة، أكدت شولتسه وهايل أن الحكومة في كوت ديفوار تعتمد في ذلك على الرقمنة.

قانون سلاسل التوريد الألماني يلزم الشركات التي يعمل لديها ما لا يقل عن 3000 شخص بألا تعتمد في منتجاتها على عمالة الأطفال أو انتهاكات خطيرة للبيئة

ولدى المزارع موسى لهذا الغرض بطاقة بلاستيكية تشبه بطاقة السحب النقدي الإلكتروني بها رقاقة (شريحة) وبيانات ورمز الاستجابة السريع (كيو.آر).

وقال دادي إرسين من هيئة الرقابة على الكاكاو “نعتزم تزويد كل المنتجين ببطاقة بحلول نهاية موسم الحصاد 2023 - 2024، وعندئذ سنعرف بالضبط أي جوال كاكاو يأتي من أي قطعة أرض”، وعندئذ سيصبح من الممكن التحقق من الالتزام بالمتطلبات في سلاسل التوريد. ومن المنتظر أن يتاح الدفع للمزارعين عن طريق هذه البطاقة.

ويرى الخبير الألماني هوتس - أدامز في قانون سلاسل التوريد والقواعد المزمعة للاتحاد الأوروبي مدعاة للأمل، وقال “سيكون لهذه القوانين تأثيرات كبيرة في قطاع الكاكاو، وهذا سيخلق قدرا كبيرا من الضغط داخل قطاع صناعة الكاكاو والشوكولاتة”.

وقال عامل في مجال مساعدات التنمية في أغبوفيل “سيتعين على الشركات أن تتخوف من احتمال الخسارة في المنافسة في حال لم تأخذ الأمر على مأخذ الجد”.

واعترف هايل أن “القانون ليس تعويذة سحرية لإقرار حقوق الإنسان في العالم أجمع”، وتوقع أن تستمر الأسعار منخفضة. ورأى هوتس – أدامز أن شركات تصنيع الشوكولاتة عليها واجب هنا، قائلا إن المستهلكين يدفعون 8 سنتات فقط من سعر القطعة المتوسطة من شوكولاتة الحليب كامل الدسم، مقابل الكاكاو “لا يصل إلى المزارعين منه سوى 4.5 سنت فقط”.

وأضاف الخبير أن هوامش الربح في سوق الكاكاو زادت في الفترة الأخيرة، وأظهرت دراسة أجراها اقتصاديون زراعيون من جامعة أركنساس أن من الممكن للمزارعين أن يوفروا على أبنائهم أشكالا شاقة من عمالة الأطفال في حال ارتفع سعر الكاكاو بنسبة 2.8 في المئة.

7