قائد الجيش اللبناني يقترب من دخول السياسة من باب الرئاسة

جوزيف عون يتمتع بعلاقات جيدة مع مجموعات سياسية مختلفة الانتماءات، بما فيها حزب الله وبدعم خارجي من دول عدة، على رأسها واشنطن والسعودية.
الخميس 2025/01/09
شخصية معروفة بنزاهتها والتزامها بالمصلحة الوطنية

بيروت - قائد الجيش جوزيف عون الذي يوشك أن يصبح رئيسا للبنان لم يتول مناصب سياسية من قبل، إنما يستمدّ سمعته من قيادته للمؤسسة العسكرية التي تحظى باحترام واسع في لبنان في خضم أزمات متلاحقة سياسية وأمنية واقتصادية عصفت بالبلاد.

ويحظى عون الذي يحتفل الجمعة بعيد ميلاده الواحد والستين، بدعم خارجي من دول عدة، على رأسها الولايات المتحدة والسعودية التي عادت مؤخرا الى المشهد السياسي في لبنان بعد انكفاء طويل اعتراضا على تحكّم حزب الله بالقرار اللبناني.

وارتفعت أسهم قائد الجيش الرئاسية عقب اتفاق لوقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، أعقب مواجهة بينهما استمرت نحو عام، ونصّ على نشر الجيش في جنوب البلاد بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق توغّلت اليها، ومراقبة تفكيك حزب الله لبنيته العسكرية قرب الحدود وانسحابه الى شمال الليطاني، على بعد قرابة ثلاثين كيلومترا من الحدود.

وكان يفترض أن يتقاعد عون (60 عاما) في يناير 2024 بعد أن تولّى قيادة الجيش منذ العام 2017. ولكن تمّ التمديد له مرتين، على وقع الأزمات السياسية والأمنية التي يشهدها لبنان منذ سنوات، ولتجنّب فراغ في السلطة العسكرية.

ويحظى الجيش إجمالا في لبنان بالاحترام على نطاق واسع، ويحافظ على وحدته منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) في بلد يعاني انقسامات سياسية وطائفية.

ويرى متابعون ومحلّلون أنّ الدور المطلوب من الجيش في المرحلة المقبلة لتنفيذ وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله شكّل عنصرا حاسما في ترجيح كفّة قائد الجيش.

وبدأ الجيش الذي يضم نحو 80 ألف جندي، خلال الأسابيع الماضية، تعزيز انتشاره في جنوب لبنان كجزء من الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر، منهيا أكثر من عام من الحرب بين إسرائيل وحزب الله أودت بحياة الآلاف وتسبّبت في نزوح جماعي في لبنان وإسرائيل.

وسيكون على الجيش التحقّق من انسحابه، وهي مهمة صعبة بالتأكيد في منطقة تعتبر من أبرز معاقل حزب الله، وقد تهدّد التوازن الاجتماعي الهشّ في البلاد المشوب حاليا بتوترات مرتبطة بالدمار وتداعيات الضربات الإسرائيلية التي أضعفت حزب الله في الداخل أيضا، بعدما كان القوة العسكرية والسياسية الأكثر نفوذا.

ويقول الباحث في العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت كريم بيطار لوكالة الصحافة الفرنسية إن عون "يتمتع بسمعة طيبة من حيث النزاهة الشخصية".

ويضيف "داخل الجيش اللبناني، يُنظر إليه على أنه شخص ملتزم بالمصلحة الوطنية. كان يحاول تعزيز هذه المؤسسة، وهي آخر مؤسسة غير طائفية لا تزال ثابتة في البلاد".

ويتمتع عون بعلاقات جيدة مع مجموعات سياسية مختلفة الانتماءات، بما فيها حزب الله، علما أن الحزب كان يعارض ترشيحه الى الرئاسة، ولم يعرف إذا كان سيصوّت له الخميس.

كما له علاقات جيدة مع دول أجنبية، بينها الويلات المتحدة التي تُعد من أبرز داعمي الجيش اللبناني ماليا.

ويتلقّى الجيش أيضا دعما من دول أخرى بينها فرنسا والسعودية وقطر.

في العام 2021 وفي خضم الانهيار الاقتصادي، أدلى عون بكلمة أمام ضباط في مقرّ قيادة الجيش، ردّ فيها على انتقادات لقبوله مساعدات أميركية، فقال "الشعب جاع... والعسكري أيضا يعاني ويجوع". وتابع "لولا المساعدات لكان الوضع أسوأ بكثير".

وتضرّر الجيش بشدّة من الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2019، وتراجعت قيمة رواتب أفراده الى حدّ كبير.

إذا انتخب عون الخميس، سيكون خامس قائد جيش في تاريخ لبنان يصل إلى رئاسة الجمهورية والرابع على التوالي.

وشغر المنصب الذي كان يشغله قائد سابق آخر للجيش هو ميشال عون (لا يمتّ بقرابة الى جوزيف عون) قبل أكثر من سنتين من دون أن يتمكّن البرلمان من انتخاب رئيس بسبب عمق الانقسامات.

ولم يعلّق جوزيف عون يوما على التداول باسمه مرشّحا، لا سيما أن الدستور اللبناني لا يفرض على المرشحين الى الرئاسة إعلان ترشيحهم. كما لم يدل يوما بمواقف سياسية من الأحداث الكبرى التي شهدها لبنان والمنطقة. وهو عرف يلتزم به إجمالا قادة الجيش في لبنان للتأكيد على حيادهم.

ويقول دبلوماسي غربي لوكالة الصحافة الفرنسية "الجميع يقرّون بسجل عون على رأس الجيش (...)، لكن السؤال هو: هل يستطيع أن يتحوّل إلى سياسي؟".

ويقول بيطار "يعارض البعض، حتى بين الذين يكنّون له الاحترام، انتخابه رئيسا، لأنه قادم من الجيش"، مشيرا إلى أن عددا من الرؤساء اللبنانيين السابقين كانوا قادة جيش. ويضيف أن معظمهم "تركوا انطباعا مريرا" بعد انتهاء ولايتهم.

وعون أب لطفلين ويتحدّث الفرنسية والإنجليزية. يتحدّر من بلدة العيشية في جنوب لبنان ويحمل إجازة في العلوم السياسية.

وبرز اسمه على نطاق واسع عندما خاض الجيش بقيادته معركة في أغسطس 2017، لطرد مجموعات من تنظيم الدولة الإسلامية احتمت في مناطق جبلية حدودية مع سوريا، ونجح فيها.