في عهد ترامب كل كارثة وراءها مؤامرة جورج سوروس

خبراء يدرسون نظريات المؤامرة يعتبرون أن المزاعم الجديدة بشأن الملياردير جورج سوروس هي مجرد طريقة لنزع الشرعية عن الاحتجاجات الأميركية والأسباب الفعلية وراءها.
الثلاثاء 2020/06/23
نظرية المؤامرة مرة أخرى

في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب كل ما يحدث في الولايات المتحدة من معارضة في كل المجالات يكون المتهم الأول بإدارة مؤامرة ضد حكمه هو رجل الأعمال جورج سوروس. وفي تتمة لهذه الخطة تحول الجدل مؤخرا في الأوساط الأميركية من الحديث بعمق عن مقتل جورج فلويد إلى تسليط الضوء مجددا على سوروس واتهامه بأنه من مول الاحتجاجات، لتشن ضده حملات من قبل اليمين المتطرف الذي بدل أن يعترف بأزمة العنصرية في الولايات المتحدة أخذ يقاضي سوروس ويطالب بالتحقيق معه.

لندن- مثل مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد في 25 مايو الماضي، على يد ضابط شرطة أبيض في مدينة مينيابوليس شمالي الولايات المتحدة فرصة حقيقية لاختبار مدى قدرة النظام الأميركي على الصمود أمام الاحتجاجات المناهضة للعنصرية.

كان مقتل فلويد فرصة تاريخية أمام الولايات المتحدة بشكل خاص والغرب بشكل عام لإعادة مراجعة السياسات العنصرية التي تنتهج ضد أصحاب القشرة السوداء منذ عقود، لكن على العكس تماما أخذ المقربون من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبحثون عن مبررات أخرى تبدو بعيدة عن الواقع وتتمسك بماض يحسب السود مواطنين من درجة ثانية.

مرة أخرى، بدل الاعتراف بأزمة العنصرية المزمنة في الولايات المتحدة أخذ اليمين المتطرف المقرّب من ترامب يلقي التهم على جورج سوروس المستثمر والملياردير الأميركي، الذي لطالما كان هدفا لنظريات المؤامرة بتدبير وتمويل الاحتجاجات على عمليات القتل التي تقوم بها الشرطة ضد السود.

تحويل وجهة الحدث

يُتّهم سوروس منذ شهر مايو الماضي بأنه قد استأجر متظاهرين واستأجر حافلات لنقلهم. ويقول البعض من المحافظين في الولايات المتحدة إن لديه أشخاصا يخزنون أكواما من الطوب ليتم رميها في واجهات متاجر زجاجية أو على أفراد الشرطة.

ويطالب اليمين المتطرف في الولايات المتحدة بوجوب التحقيق مع جورج سوروس بتهمة تمويله الإرهاب المحلي وفساده المستمر منذ عقود.

لكن السؤال الذي يرافق هذه الاتهامات المتجددة لسوروس، يتعلق أساسا بمدى صدقية من يروج لمثل هذه الأخبار خاصة أن الاحتجاجات لم تقف عند الولايات المتحدة بل شملت مختلف عواصم العالم، فهل دعّم سوروس كل التحركات المناوئة للعنصرية في مختلف عواصم العالم؟

علي قاسم: من الطبيعي أن يكثر من حول سوروس الأعداء والكارهون
علي قاسم: من الطبيعي أن يكثر من حول سوروس الأعداء والكارهون

لا يمكن النظر أو الحكم في هذا الجدل دون الرجوع إلى حقيقة العلاقة بين النظام الذي يقوده ترامب وسوروس الذي يصنف على أنه العدو الأول للرئيس الأميركي. وكانت قد صنفته في عام 2018، مجلة الفايننشال تايمز رجل العام آنذاك.

وتنظر الدوائر المقربة من الرئيس الأميركي إلى سوروس على أنه يمثل الدولة العميقة التي تريد دائما إرباك حكم ترامب وتدفع للإطاحة به.

ويقول الكاتبان ديفيد كليبر ولوري هينانت، في تقرير نشراه بصحيفة أسوشيتد برس الأميركية بشأن سوروس المتهم بدعم الاحتجاجات “تبرع سوروس البالغ من العمر 98 عاما بالمليارات من الدولارات من ثروته الشخصية لقضايا ليبرالية ومعادية للسلطوية في جميع أنحاء العالم، مما يجعله هدفا مفضلا بين الكثير من اليمينيين في الولايات المتحدة”.

وكان الأميركي المجري اليهودي، أيضا موضوعا وهدفا للهجمات المعادية للسامية ونظريات المؤامرة لعقود. ولهذه الأسباب فإنه بات من السهل أن تنتشر تعليقات وتدوينات وتغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي تتهمه بإدارة مؤامرة ضد الأمن القومي الأميركي.

وعلى مدى أربعة أيام فقط في أواخر شهر مايو، ارتفعت المنشورات السلبية على تويتر حول سوروس من حوالي 20 ألفا في اليوم إلى أكثر من 500 ألف في اليوم، وفقا لتحليل أعدته رابطة مكافحة التشهير.

ووجد معهد الحوار الاستراتيجي، وهو مركز أبحاث في لندن يركز على التطرف والاستقطاب، قفزة ملحوظة على فيسبوك، حيث كان هناك حوالي 69 ألف إشارة إلى سوروس في مايو، بعد أن حقق أعلى الأرقام القياسية من حيث الإشارة إليه على فيسبوك وهو 38 ألف إشارة في أكتوبر 2018، عندما زعمت المنشورات الغاضبة أنه كان يساعد قوافل المهاجرين المتجهة إلى الولايات المتحدة.

وبدأت الموجة الجديدة المناهضة لسوروس مع اندلاع المظاهرات في الولايات المتحدة بعد وفاة جورج فلويد على أيدي شرطة مينيابوليس.

ويصر البعض على أن سوروس مول الاحتجاجات، بينما يقول آخرون إنه تواطأ مع الشرطة لتزوير وفاة فلويد الشهر الماضي. لكن كل الأدلة المتوفرة تشير إلى أن الاحتجاجات اندلعت بسبب انزعاج الآلاف من الأميركيين من وحشية الشرطة والظلم العنصري.

وقالت مديرة الاتصالات في مؤسسة أوبن سوسايتي فاونديشنز الخيرية التي يملكها سوروس لورا سيلبر، “أعتقد أنها محاولة لتشتيت الناس عن الأمور الحقيقية المطروحة  والمتمثلة في الوباء أو احتجاجات السود”.

وتضيف أن “هذا الأمر مهين جدا للناس الذين يحتجون عندما يقول شخص ما إنهم يتقاضون رواتب للخروج في مظاهرات”.

الدوائر المقربة من الرئيس الأميركي تنظر إلى سوروس على أنه يمثل الدولة العميقة التي تريد دائما إرباك حكم ترامب وتدفع للإطاحة به

ويُتّهم سوروس بدفع الأموال للمتظاهرين، لكن لم يتم تقديم أي دليل يشير إلى أن منظماته قد دفعت أموالا للمتظاهرين. ويؤكد تقرير أسوشيتد برس، أن ما يحصل هو خدعة جديدة مثل سابقتها التي زعمت أن سوروس كان وراء سلسلة طويلة من الأحداث الأخرى، بما في ذلك مسيرة  للمرأة عقدت في عام 2017 مباشرة بعد تنصيب الرئيس دونالد ترامب.

ويرى الكاتب الصحافي علي قاسم أن شخصا مثل سوروس من الطبيعي أن يكثر من حوله الأعداء والكارهون، الذين هم على استعداد لتصديق أي تهمة تلصق به، وهو نفسه يؤكد ذلك حيث سبق أن اتهم بأنه “عدو المسيح”، رغم ما عرف عنه من مشاركة في أعمال خيرية.

وأضاف قاسم في تصريح لـ”العرب”، “في العام 1997، اتهم رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد الملياردير الأميركي بالتسبب في الأزمة المالية التي ضربت أسواق المال في جنوب شرق آسيا، وكادت تتسبب في انهيار اقتصاداتها الناشئة، لكن بعد تسع سنوات، تراجع مهاتير عن اتهامه لسوروس قائلا بأن الرجل لم يكن له دور في ما حدث”.

وبحسب قاسم فإنه منذ ثلاثين عاما تقريبا كان الملياردير سوروس، السبب الذي دفع البنك المركزي البريطاني إلى رفع مستوى الفائدة على الجنيه الإسترليني لتصل إلى 15 في المئة، ليشهد سوق العقارات في بريطانيا تراجعا كبيرا أدى إلى أن يسلم الآلاف من أصحاب المنازل المرهونة للبنوك مفاتيح منازلهم، بعد أن عجزوا عن سد القروض.

وأكد أن سوروس باع حينها ما قيمته حوالي 10 مليارات دولار من الجنيهات الإسترلينية على المكشوف، لتنهار العملة البريطانية تماما، ثم عاد ليشتري ما باعه، محققا أرباحا تجاوزت المليار دولار. ليعرف بعدها بلقب “الرجل الذي كسر بنك إنكلترا المركزي”.

تزييف الوقائع

موجة جديدة مناهضة لسوروس بدأت مع اندلاع المظاهرات في الولايات المتحدة بعد وفاة جورج فلويد
موجة جديدة مناهضة لسوروس بدأت مع اندلاع المظاهرات في الولايات المتحدة بعد وفاة جورج فلويد 

في الأسبوع الماضي، حظيت الصورة التي تظهر حافلتين كتب عليهما عبارة “فرقة رقص سوروس” باهتمام واسع النطاق في الولايات المتحدة. وتم الاستشهاد بالصورة كدليل على تورط سوروس في الاحتجاجات، لكن في ما بعد كشف أنها كانت زائفة.

وأظهرت الصورة الأصلية حافلتين لم يُكتب عليهما أي شيء. ولكن شخصا ما قام لاحقا بإضافة الجملة التي يفترض أنها ستورط سوروس.

ويقول الخبراء الذين يدرسون نظريات المؤامرة أن المزاعم الجديدة بشأن سوروس هي مجرد طريقة لنزع الشرعية عن الاحتجاجات والأسباب الفعلية وراءها.

وكانت لنظريات المؤامرة عواقب وخيمة في تجارب كثيرة. ففي عام 2018، ووسط أنباء عن قوافل المهاجرين التي تشق طريقها نحو الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، ارتبطت المعلومات المضللة عبر الإنترنت حول سوروس بالعنف.

 ورغم التحقيقات الموسعة آنذاك، لم يتم العثور على أي دليل على الإطلاق يربط قافلة المهاجرين بسوروس. ومع ذلك، لم يتردد ترامب في توجيه الاتهامات عندما سئل عما إذا كان سوروس متورطا.

يطالب اليمين المتطرف في الولايات المتحدة بوجوب التحقيق مع جورج سوروس بتهمة تمويله الإرهاب المحلي وفساده المستمر منذ عقود

في مقابل كل هذا الجدل بدأ على الطرف الآخر بعض الجمهوريين في مقاومة نشر ادعاءات كاذبة حول صلة سوروس بالاحتجاجات وتلك التي تنشر الشائعات.

 وبعدما نشر العديد من قادة الحزب الجمهوري في مقاطعة تكساس منشورات تدعي أن سوروس كان وراء المظاهرات، دعاهم زعيم الحزب في الولاية إلى الاستقالة.

ويقر الخبراء إن نظريات المؤامرة يمكن أن تصبح مشكلة عندما تؤدي إلى تهديدات بالعنف أو تجعل الناس يفقدون الثقة في مؤسسات الدولة كما لها أن تتلاشى ثم تعاود الظهور في أوقات الأزمات.

وقال في هذا الصدد أستاذ دراسات المعلومات بجامعة سيراكيوز جوش إنتروني، والذي يبحث في نظريات المؤامرة “نظريات المؤامرة مثل الفايروسات. قد تتغير الشخصيات قليلا، وقد تتغير النظرية نفسها. لكنها تظل قائمة”.

6