في رحلة بحثهم عن رزقهم اليومي.. "البرباشة" في تونس يكافحون المخاطر وسط أكداس النفايات

الآلاف من "البرباشة" المهمشين يجدون في الفضلات ومصبات القمامة وسيلة الحد الأدنى من الدخل يوميا رغم تأثيراتها الصحية الخطرة.
السبت 2025/01/18
لقمة مغمسة في الأوبئة

يعكف البرباشة في تونس من الفئات الاجتماعية الهشة التي تعاني من الفقر على جمع النفايات وخاصة البلاستيك من الشوارع والمناطق العامة بغرض إعادة تدويرها أو بيعها لتأمين قوتهم اليومي، حيث يواجهون نظرة المجتمع الدونية والمخاطر الصحية نتيجة تعرضهم لمواد سامة من النفايات، بما في ذلك البلاستيك.

تونس- تجر حسناء على امتداد ساعات وسط أزقة بحي شعبي على مقربة من العاصمة، عربة من عجلتين ومن فوقها أكياس كبيرة محشوة بقوارير المياه المصنوعة من البلاستيك.

بدأت حسناء بتجميع قوارير البلاستيك من القمامة والشوارع منذ عام 2020. وقبل ذلك عملت لسنوات كنادلة في مقهى قبل أن تدفعها متاعب صحية في القلب إلى الخضوع لعملية جراحية ومن ثم وجدت نفسها أمام بطالة قسرية.

وتقول المرأة الأربعينية التي تعيش بمفردها في منزل متداع “منذ أن مرضت لم يقبلوا بتشغيلي. طلبت المساعدة من الهيئات الاجتماعية لكن دون جدوى.”

وحتى تتمكن من سداد نفقاتها المعيشية في كل يوم تضطر حسناء مثل الآلاف من التونسيين المهمشين إلى أن تهيم بعربتها في الشوارع لتجميع البلاستيك وبيعه لمصانع التدوير.

70 ألف شخص ينقبون عن النفايات في تونس، معظمهم يتركز في الأحياء الشعبية بالعاصمة والولايات الملاصقة لها

◄ عدد"البرباشة" في حدود ثمانية آلاف من بينهم نساء وحتى قُصر

◄ الظاهرة الاجتماعية بدأت بالصعود في صفوف الفقراء منذ تسعينات القرن الماضي ولكنها توسعت أكثر بعد سقوط نظام بن علي عام 2011 وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد

وتسرد حسناء وهي تقدم شكواها لمندوبة اتحاد المرأة “أخرج منذ الساعة السابعة صباحا وأظل حتى الساعة الثانية ظهرا. ثم أعود إلى الشارع عند الساعة الثامنة مساء حتى منتصف الليل. إذا عملت كامل اليوم يمكنني تحصيل 40 دينارا (حوالي 13 دولارا أميركيا).”

ويطلق على أمثال حسناء في تونس لقب “البرباشة” وهي صفة تعني النبش في الفضلات ومصبات القمامة. ويجمع هؤلاء بشكل خاص البلاستيك والألومنيوم ويبيعونه للشركات التي تقوم بتدويرها. وفي الغالب يمكن التمييز بين صنفين من “البرباشة”.

هناك من يقوم بفرز النفايات داخل المصبات المراقبة أو العشوائية بعد جمعها من قبل البلديات. وهناك من يمشط الأحياء ويقوم بفرز وجمع البلاستيك من حاويات النفايات ومن المقاهي والمحلات التجارية.

ومثل حسناء تعمل أيضا فاطمة المرأة الخمسينية المطلقة من الحي المجاور، لمدة تناهز 12 ساعة في اليوم حتى تعيل أبناءها الثلاثة. وهي تبيع الكيلوغرام الواحد بما يعادل 30 سنتا إلى مصانع التدوير.

وبدأت هذه الظاهرة الاجتماعية بالصعود في صفوف الفقراء منذ تسعينات القرن الماضي ولكنها توسعت أكثر بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي عام 2011 وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، والذي ازداد تأزما بفعل تداعيات جائحة كورونا.

وليست هناك إحصاءات رسمية محينة لعدد “البرباشة” في تونس. وتقول منظمة “إنترناشيونال ألرت” في تقاريرها إن عددهم في حدود ثمانية آلاف من بينهم نساء وحتى قُصر.

لكن يعتقد على نطاق واسع بأن أعدادهم أعلى بكثير. وأشارت الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، وهي جهة حكومية، في إحصائياتها إلى أن هناك حوالي 70 ألف شخص ينقبون عن النفايات في تونس، معظمهم يتركز في الأحياء الشعبية بالعاصمة والولايات الملاصقة لها.

ويوضح رمضان بن عمر، الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، “لا يمكن تحديد العدد بدقة، خاصة وأنهم يعيشون على هامش الدولة، فهي لا تؤمن لهم التغطية الاجتماعية أو مستلزمات السلامة الصحية والوقائية. هم خارج حسابات الدولة.”

ووفق منظمات حقوقية، فإن نمو هذا القطاع غير المنظم رافقه استقطاب أكثر للنساء.

وتشير دراسة أنجزها الاتحاد الوطني للمرأة وشملت عينة تتكون من 116 امرأة في العاصمة وثلاث ولايات متاخمة لها، إلى أن امرأتين من بين كل ثلاث نساء من “البرباشة” يتراوح عمراهما بين 40 و80 عاما.

ومع أن هذه المهنة العشوائية وفرت لحسناء الحد الأدنى من الدخل يوميا إلا أن تأثيراتها الصحية لم تتأخر. إذ باتت تعاني من التهابات في الغدة الدرقية بسبب النبش طول النهار في القمامة.

وهي تحلم اليوم بإطلاق مشروع خاص لها لكن تعوزها السيولة المالية. ورددت في شكواها لمندوبة اتحاد المرأة “أعمل في الشوارع لأسدد فواتير الكهرباء والماء. أحتاج إلى 200 دينار (حوالي 70 دولارا) لا غير. لم أطلب شيئا آخر. أحتاج إلى هذه المساعدة حتى أعيش. لقد تعبنا.”

يدرس الاتحاد الوطني للمرأة حالة حسناء لإعادة إدماجها في الاقتصاد المنظم. لكن ليس واضحا متى سيحصل هذا.

وحتى ذلك الوقت تستمر حسناء وفاطمة والآلاف من “البرباشة” المهمشين في لعب دور لا يستهان به في حماية البيئة في بلد ينتج سنويا قرابة 2.7 مليار قارورة ماء بلاستيكية و4.2 مليار كيس بلاستيكي.

ويقول الخبير البيئي حمدي حشاد إن معدل تدوير قوارير البلاستيك في تونس يصل إلى 90 في المئة، ما يجعل هؤلاء الفقراء الذين يعيشون على النبش في القمامة ومصبات الفضلات، أحد أهم أعمدة المحافظة على البيئة والشريط الساحلي التونسي.

وأظهرت بالفعل نتائج دراسة قام بها خبراء في وزارة البيئة، حجم المخاطر التي تحدق بالساحل التونسي وسواحل البحر المتوسط. إذ تشير إلى أن 9.5 كيلوغرام من البلاستيك تتدفق يوميا على كل كيلومتر واحد من سواحل البلاد، التي يبلغ طولها الإجمالي 1500 كيلومتر تقريبا.

وتصنف الدراسة البحر المتوسط كأحد أكثر البحار تلوثا في العالم، ويعد البلاستيك مصدرا لقرابة 75 في المئة من التلوث، الأمر الذي تسبب في اندثار عدة كائنات بحرية وحظر السباحة في عدة شواطئ، من بينها شواطئ تونسية.

وتحتل تونس المرتبة الـ13 بين بلدان البحر المتوسط من حيث إنتاج النفايات البلاستيكية بكمية تناهز 350 ألف طن سنويا 11 في المئة منها نفايات منزلية.

وفي سبتمبر عام 2022، بدأت الحكومة التونسية بتطبيق قانون يضع قيودا على استعمال البلاستيك، مثل منع استخدام الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد بهدف تقليص انتشار النفايات، لكن أحدث هذا الإجراء أزمة مع مصانع البلاستيك بسبب تداعياته الاقتصادية والاجتماعية.

16