فيضانات وموجات حر وعواصف قاتلة

النشاط البشري جعل المناخ أكثر تقلبا وتطرفا.
السبت 2024/10/12
مصير غامض

يشهد العالم ظواهر جوية قاسية، منها أسوأ فيضانات في وسط أوروبا منذ عقدين وإعصار في الولايات المتحدة أودى بحياة العشرات، ويُعزى ذلك بحسب الخبراء إلى تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري، الذي يزيد من تكرار الظواهر الجوية المتطرفة وشدتها.

 لندن - تشمل الظواهر الجوية القاسية التي ضربت العالم في سبتمبر أسوأ فيضانات تشهدها منطقة وسط أوروبا منذ عقدين على الأقل وإعصارا وحشيا أودى بحياة أكثر من 160 شخصا في الولايات المتحدة ويومين من الأمطار الغزيرة أودت بحياة نحو 200 شخص في نيبال.

ويقول العلماء إن تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري هو الذي يجعل الظواهر الجوية المتطرفة مثل موجات الحر والفيضانات والعواصف أكثر تواترا وفتكا. وسيتواصل هذا إذا لم يتوقف العالم عن حرق الوقود الأحفوري.

وحدد تحليل أجرته مؤسسة إسناد الطقس العالمي (فريق عالمي من العلماء يدرس تأثير تغير المناخ على الطقس القاسي) أن تغير المناخ ضاعف احتمال هطول الأمطار الغزيرة التي تسببت في فيضانات قاتلة أودت بحياة ما لا يقل عن 26 شخصا في وسط أوروبا، وأغزر بنسبة 7 في المئة.

ويقول العلماء إن خفض انبعاثات غازات الدفيئة المسببة لتسخين الكوكب إلى النصف بحلول سنة 2030 أصبح أمرا بالغ الأهمية لوقف ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من 1.5 درجة مئوية، حيث سيشهد الكوكب إن لم يتحرك أحد الطقس والحرارة الأكثر تطرفا.

لكننا بعيدون عن الهدف، ومن المتوقع لذلك أن يصبح الطقس القاسي أكثر انتظاما وشدة.

ويتوقع تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن بعض المناطق قد تشهد أكثر من كارثة بيئية في نفس الوقت، مما يخلق “أحداثا مركبة غير مسبوقة”. فكيف يجعل تغير المناخ الطقس أسوأ؟

الظواهر الجوية

كيف النجاة

أكد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الزيادات الصغيرة البالغة 0.5 درجة مئوية في الحرارة يمكن أن تسبب تغيرات كبيرة في الطقس.

وينتج الاحترار العالمي عن إطلاق غازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري في الغلاف الجوي حيث تحبس الحرارة. ويرفع هذا درجة حرارة الهواء والبحار.

وصرّحت سونيا سينيفيراتني، المؤلفة الرئيسية لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أن الغلاف الجوي الأكثر سخونة يمتص المزيد من الرطوبة في الهواء، مما يخلق طقسا أكثر حرا وجفافا ويتسبب في هطول أمطار غزيرة. كما أن الظواهر الجوية المتطرفة تتأثر بطرق مختلفة.

موجات الحر

تؤدّي الحرارة المحبوسة في الغلاف الجوي بسبب الغازات الدفيئة إلى سخونة أكثر مما كان العالم سيسجله دون الاحترار العالمي.

وأصبحت درجات الحرارة التي تبلغ 40 درجة مئوية وحتى 50 أكثر تواترا في جميع أنحاء العالم، حيث حطم الصيفان الماضيان أرقام الحرارة القياسية وسُجّلت خلالهما عشرات الآلاف من الوفيات.

الأمطار الغزيرة

يتبخر المزيد من الماء، مع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، مما يزيد من الرطوبة في الهواء ويتسبب في هطول أمطار غزيرة.

وذكرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن كل درجة من درجات الاحترار يمكن أن تزيد هطول الأمطار
اليومي الشديد بنسبة تصل إلى 7 في المئة.

ولقد تسبب هطول الأمطار غير المسبوق في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان في أبريل الماضي في وفاة 24 شخصا على الأقل. وتبين أنه كان أكثر كثافة بنسبة تصل
إلى 40 في المئة مما لو أنه حدث دون الاحترار العالمي الحالي البالغ 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل
الصناعة.

الفيضانات

نغرق في أفعالنا
نغرق في أفعالنا

سجل تقرير الأمم المتحدة زيادة عدد الفيضانات الكبرى بأكثر من الضعف من 1389 إلى 3254 بين سنتي 2000 و2020. كما ارتفع معدل هبوب العواصف من 1457 إلى 2034.

وقالت سينيفيراتني إن الفيضانات تنتج عن زيادة هطول الأمطار من المياه المخزنة في الغلاف الجوي وارتفاع مستويات سطح البحر. وينتج ارتفاع مستويات سطح البحر عن إذابة
الاحترار العالمي للجليد وتسخينه المحيطات.

الجفاف

تسحب درجات الحرارة المرتفعة المزيد من الرطوبة من الأرض وتجفف التربة. ولا تستطيع التربة الجافة امتصاص مياه الأمطار. ويعني هذا أن المياه تتدفق إلى الأنهار،
مما يزيد من خطر الجفاف والفيضانات اللاحقة.

وقالت سينيفيراتني إن الجفاف يمكن أن يرفع السخونة أيضا، حيث ترتفع درجة حرارة الهواء فوق الأرض بسرعة أكبر.

الحرائق

خخخ

يُنتج تضافر اشتداد الحرارة وجفاف الأراضي والتربة ظروفا مثالية لانتشار حرائق الغابات. ووفقا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومجموعة غريد أريند غير الربحية المعنية بشؤون البيئة، أصبح من المتوقع أن يرفع تغير المناخ وتغير استخدام الأراضي احتمال نشوب حرائق الغابات الشديدة بنسبة 14 في المئة بحلول سنة 2030 و50 في المئة بحلول نهاية القرن.

ويزيد تدمير النظم الإيكولوجية الرئيسية التي تساعد على امتصاص الكربون، مثل الأراضي الخثية والغابات المطيرة، من صعوبة إبطاء ارتفاع درجات الحرارة.

أعاصير وزوابع

لا تتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ارتفاع عدد الأعاصير المدارية بسبب تغير المناخ. لكن نسبة الأعاصير المتطرفة تواصل الارتفاع.

وتصبح العواصف أكثر كثافة نتيجة لكميات كبيرة من المياه الموجودة في الغلاف الجوي والطاقة الناتجة عن درجات الحرارة الأكثر دفئا في
الهواء.

طقس مكلف

تسببت الكوارث البيئية والمناخية المتطرفة في حوالي 12 ألف كارثة بين 1970 و2021. وحدد آخر تحديث لأطلس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية للوفيات والخسائر الاقتصادية الناجمة عن المخاطر المتعلقة بالطقس والمناخ والمياه أنها كلفت 4.3 تريليون دولار من الخسائر الاقتصادية.

ووجدت دراسة نشرتها مجلة نيتشر الدورية العلمية الأسبوعية البريطانية أن الناتج المحلي الإجمالي السنوي قد ينخفض بنسبة تصل إلى 10 في المئة إذا ارتفعت درجة حرارة العالم بمقدار 3 درجات مئوية، بسبب الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الأحداث المرتبطة بالمناخ.

وخلّف إعصار ياغي (أقوى عاصفة في آسيا هذا العام) أضرارا تزيد قيمتها عن 3 مليارات دولار في شمال فيتنام، ودمّر المراكز الصناعية الموجهة للتصدير، وأضر بالمصانع والمرافق، وأغرق الأراضي الزراعية، وألحق أضرارا بالمنازل.

كما تواجه الأسر خسائر اقتصادية طويلة الأمد من الأحداث المتطرفة مع ارتفاع أقساط التأمين على المنازل أو تكاليف أيام العمل الضائعة في الاستعداد للكوارث أو التعافي منها.

تنبؤ صعب

حح

ساهم التقدم التكنولوجي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وزيادة توافر البيانات في تحسين التنبؤات الجوية.وأشار تقرير مؤسسة إسناد الطقس في العالم إلى أنه كان من المتوقع هطول أمطار غزيرة قبل عدة أيام من فيضانات سبتمبر في أوروبا، مما سمح للسلطات بتفريغ الخزانات وبناء جدران دفاعية ضد الفيضانات وتحذير الناس من الخطر الوشيك.

وقالت المؤسسة إن عدد القتلى أقل مقارنة بفيضانات سنتي 1997 و2002، مشيرة إلى فعالية الاستثمارات في التنبؤ وأنظمة الإنذار المبكر والإجراءات الوقائية كعمليات الإجلاء.

وذكرت اللجنة العالمية للتكيف أن أنظمة الإنذار المبكر (التي تقدم معلومات عامة حول الظواهر الجوية المتطرفة قبل وقوعها وتفعيل تدابير الحفاظ على سلامة الناس) قد تقلل الضرر بنسبة 30 في المئة بإشعار مدته 24 ساعة فقط.

وأطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بادرة الإنذارات المبكرة للجميع في 2022، لضمان حماية الجميع من الأحداث المناخية الخطيرة عبر أنظمة الإنذار المبكر بحلول نهاية سنة 2027.

16