فيسبوك.. متنفس الكادحين والمظلومين في مصر

"حزب فيسبوك" مصريون يمارسون السياسة دون البحث عن مصلحة شخصية.
الجمعة 2020/11/27
"سيدة المطر" صنعت الحدث في مصر

أكدت الوقائع التي تعاملت معها الحكومة المصرية بجدية خلال الآونة الأخيرة وانطلقت من فيسبوك، أن الدور الذي صار يلعبه الموقع الاجتماعي جعل منه حزبا سياسيا افتراضيا للبسطاء والمظلومين، وأصبح الوحيد الذي يجمع في عضويته المؤيدين والمعارضين للحكومة.

القاهرة – لا يمر يوم تقريبا في مصر دون أن يكون هناك موقف يتحدث عن ظلم وقع على شخص، أو حياة بائسة تعيشها أسرة بعينها، وما يلبث الأمر أن يتحول إلى قضية رأي عام يتبناها “حزب فيسبوك”، وتسارع مؤسسات حكومية وشعبية للتعاطي مع القضية بجدية، وغالبا ما تكون هناك قرارات سريعة لصالح صاحب أو صاحبة الواقعة.

التقط مجهول قبل أيام صورة لسيدة تجلس على رصيف الشارع وسط الأمطار، وهي تبيع المناديل الورقية، خلال ساعات أصبحت حديث متصفحي موقع الحزب الافتراضي، ما دفع نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي لاستقبالها في مكتبها والتكفل بكامل احتياجات أسرتها، من دعم شهري ووحدة سكنية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استقبلتها الفنانة ياسمين صبري في منزلها وأعلنت تقديم مساعدات شهرية لها، حيث كانت هناك صورة انتشرت على فيسبوك للممثلة الشابة وهي تستقل طائرة خاصة، وتتم مقارنتها بسيدة الأمطار، في مشهد استفز الفنانة حتى قررت إحراج منتقديها بدعم السيدة ماليا.

أمثلة كثيرة أظهرت حجم تحول فيسبوك إلى حزب للغلابة والمظلومين والمعارضين أيضا، فهناك بائع الفريسكا الذي تحقق حلمه بدخول جامعة خاصة مجانا، وبائعة الخضار التي أهانها موظف محلي تمت إقالته من منصبه، وفتاة العربة التي استقبلها الرئيس عبدالفتاح السيسي وكلف الحكومة برعايتها.

ميزة الحزب الافتراضي، أنه بلا رئيس أو قائد يمكن أن يتعرض لضغوط حكومية، وأغلب الأعضاء يمارسون السياسة دون البحث عن مصلحة شخصية، وكلما ضعفت الأحزاب وغاب البرلمان وتراجع دور المجتمع المدني، ينتعش فيسبوك ويلامس الإطار العام الذي يجبر الجميع على الرضوخ لمطالبه.

الحكومة مهما كانت ممتعضة من نفوذ وتأثير حزب فيسبوك الخارج عن السيطرة، تبدو مرتاحة لتحوله إلى متنفس شعبي، فالاشتباك الجماهيري معها يكون على منصات التواصل وليس في الشارع

ويصعب أن تغلق قضية جدلية يثيرها هذا الحزب دون قرار رسمي يرضي أعضاءه، حتى صار وجهة الباحثين عن الحقوق المهدرة.

واللافت أن نبرة العداء التي كانت تكنها مؤسسات رسمية لهذا الكيان الافتراضي، تراجعت إلى حد كبير، حتى أن هناك تشريعات تقدم بها برلمانيون للسيطرة على منصات التواصل وترهيب روادها، تم تجميدها.

وفي كل مرة، يخوض رواد فيسبوك المعركة بقدر من الارتياح والإيمان بأن مرادهم سيتحقق بناء على مقدمات سابقة، ومع كل انتصار لأصحاب المظالم والحقوق، يكتسب الحزب الافتراضي مزيدا من القوة والنفوذ والشعبية، فهو الوحيد القادر على حشد الرأي العام تجاه قضية أو حدث ما.

وصارت هناك حسابات لأفراد تأثيرها أقوى من صحيفة يومية أو برنامج تلفزيوني، بينهم أحمد سيد، وهو اسم مستعار لصحافي بجريدة حكومية، عندما كتب بالصحيفة عن واقعة رفض مستشفى استكمال علاج ابن أسرة بسيطة لعدم وجود أسرّة خالية، لم يتحرك أحد، وعندما أثار القضية على حسابه الشخصي تفاعل معها الآلاف، وتواصل معه مسؤول بوزارة الصحة ووعد بالتحقيق وعلاج الطفل.

وأضاف لـ”العرب” أن تحويل أغلب الصحافيين حساباتهم الشخصية لمنابر إعلامية خاصة بهم، ضاعف نفوذ الحزب الافتراضي، لأن هؤلاء لديهم قاعدة علاقات مع مسؤولين بارزين في قوائم الأصدقاء، ويتم التجاوب سريعا مع الموضوعات الجدلية التي تحشد الناس بالعاطفة، بعكس الصحف التي تعتقد أغلب الجهات أنها غير مؤثرة.

Thumbnail

وأكد خالد برماوي الخبير في إعلام منصات التواصل الاجتماعي، أن فيسبوك أكبر من حزب افتراضي، فهو يملأ الفراغ الذي تركه الإعلام المحترف، لأنه استطاع الوصول بمحتواه لمختلف شرائح الجمهور، وهو ما أخفقت فيه أغلب المنابر الإعلامية.

وأوضح أن هناك قرابة 40 مليون عضو في هذا الحزب من جملة 55 مليونا يستخدمون الإنترنت في مصر، ولا توجد وسيلة إعلامية واحدة يمكنها الوصول لهذا العدد من الجمهور، ومعضلة الإعلام أنه أصبح يقوم برد الفعل على ما يثار بمنصات التواصل، وتحول إلى وسيط بينها وبين الدولة، التي كلما تفاعلت مع قضية أو واقعة، يتضاعف تأثير الشبكة الاجتماعية في عيون الناس.

وما يعطي لفيسبوك قوة مضاعفة، أن الحكومة أصبحت تتعامل معه باعتباره أداة لقياس نبض الشارع لمعرفة المسموح به والمحظور فعله، في حين أنها لا تبدي اهتماما برأي الصحف والقنوات والأحزاب والمجتمع المدني، لأن ما يصدر عن هذه الجهات لا يصل إلى الشريحة الأكبر بالمجتمع، بعكس القاعدة الجماهيرية للحزب الافتراضي.

وأصبح أغلب المسؤولين يخاطبون الرأي العام من خلاله، فمثلا، طارق شوقي وزير التربية والتعليم يشارك في “غروبات” (مجموعات) أولياء الأمور والطلاب ليجيب على الأسئلة والاستفسارات، ونادرا ما يتحدث لوسيلة إعلامية تسأل عن ذات الغرض، ويكتب أخبارا هامة على حسابه الشخصي ولا يتم إرسالها لمحرري التعليم.

ويرى مراقبون أن ما جعل هذا الحزب الوسيط الأسرع والأقوى والأكثر تأثيرا، للبسطاء وأصحاب الحقوق، أن الرئيس المصري لم يترك مناسبة أو فعالية إلا وتطرق إلى بعض الأحداث والقضايا التي يثيرها رواد فيسبوك، ما دفع الأغلبية للتعامل معه باعتباره المنصة التي تصل بوجهات نظرهم إلى قمة هرم السلطة.

19