فن أحيدوس التراثي يعزف ألحانا أمازيغية في المغرب

"أحيدوس" لوحة فنية متكاملة تجمع بين الرقص والشعر والموسيقى في مشهد يعكس عمق وأصالة التراث الأمازيغي.
الأحد 2025/02/16
رقصة تستثني المتزوجات

فن "أحيدوس" هو لوحة فنية متكاملة تعكس روح المجتمع الأمازيغي في قبائل أيت عطا بالمغرب، حيث تتشابك الحركات الجسدية مع الإيقاعات العميقة والتعابير الشاعرية لخلق تجربة ثقافية وفنية فريدة ترفض النسيان والإهمال.

الرباط - تواصل فرقة جمعية أحيدوس أيت عطا في المغرب جهودها في الحفاظ على فن “أحيدوس”، وهو الموروث الثقافي العريق الذي يشكل جزءاً من هوية قبائل أيت عطا وذاكرتها الحية.

و”أحيدوس” مصطلح أمازيغي يشير إلى الرقصة الجماعية التي تتميز بخفة الحركة والسرعة. وتمتد هذه الرقصة الفلكلورية من الجنوب الشرقي للمملكة إلى الشمال الغربي منها، وتنتشر بشكل رئيسي في جبال الأطلس المتوسط حيث الطبيعة الغنية والعناصر الأساسية التي تميز رقصة “أحيدوس".

وعلى إيقاعات “البندير” والأقدام المتناغمة، يظهر “أحيدوس” كلوحة فنية متكاملة، تجمع بين الرقص والشعر والموسيقى، في مشهد يعكس عمق وأصالة التراث الأمازيغي في المنطقة. لكن هذا الفن العريق يواجه اليوم العديد من التحديات، وأبرزها غياب الاعتراف الرسمي وعدم توفر بطاقة الفنان لممارسيه.

وفي هذا السياق، قال محمد أيت با، الملقب بـ”مرجان”، رئيس الفرقة “نحن نحمل على عاتقنا مسؤولية الحفاظ على تراث أجدادنا، لكننا نواجه صعوبات كبيرة في ظل غياب الدعم الرسمي،” وأضاف “نطالب وزارة الثقافة بالاعتراف بـ‘أحيدوس أيت عطا صاغرو‘ كتراث ثقافي لا مادي ومنح أعضاء الفرقة بطاقة الفنان التي تضمن حقوقهم وتحفظ كرامتهم”.

ويعتبر “البندير” أو الدف الآلة الموسيقية الوحيدة المستخدمة في الإيقاع، وترافقه فرق نسائية ورجالية تضرب على الأيدي بشكل دائري متماسك، وغالباً ما يتم تصميم الرقصات من قبل رئيس الفرقة (المقدم)، في تناغم موسيقي وحركي يتيح له التحكم في حركات وصرخات مجموعة  من الرجال والنساء، مع استثناء خاص للنساء المتزوجات.

من جانبها، قالت فاطمة بعدي، باحثة متخصصة في فلكلور “أحيدوس أيت عطا”، “أحيدوس ليس مجرد رقصة، بل هو هوية وتاريخ قبائل أيت عطا،” وأضافت أن “النساء والرجال يحافظون على هذا التراث ويقومون بتوارثه جيلاً بعد جيل،” مشيرة إلى أن النساء يرتدين الزي التقليدي ويؤدين الحركات التي تعلمنها من أمهاتهن، متمنية أن يحظى هذا الفن بالتقدير والاعتراف الذي يستحقه.

وأوضحت بعدي في تصريح لصحيفة “هسبريس” الإلكترونية أن “فن أحيدوس أيت عطا صاغرو إكنيون يتميز بخصوصيات فنية فريدة،” حيث يصطف المؤدون في شكل نصف دائري ويتناوبون على أداء حركات متناسقة تعبر عن قصص وحكايات المنطقة.

◙ الدف الآلة الموسيقية الوحيدة المستخدمة ترافقه فرق نسائية ورجالية تضرب على الأيدي بشكل دائري متماسك

كما يرتدي المشاركون أزياء تقليدية تعكس هوية المنطقة؛ فالنساء يتزين باللباس التقليدي المميز، بينما يرتدي الرجال الجلابة والرزة والبلغة التقليدية.

وأكدت الباحثة ذاتها أن الموسيقى المصاحبة لـ”أحيدوس” تعتبر عنصراً أساسياً في هذا الفن، حيث يعتمد على إيقاعات “البندير” وأشعار باللغة الأمازيغية تتغنى بالبطولات والحب والحكمة. وأشارت إلى أن “كل إيقاع وكل كلمة في أحيدوس لهما معنى عميق يرتبط بتاريخ وثقافة أيت عطا”.

من جانبه، أكد الباحث في فن “أحيدوس” الحسين الدمامي أن “أحيدوس لا يمكن أن يُختصر في نمط واحد، بل يختلف من قبيلة إلى أخرى، بل داخل نفس القبيلة يتم التمييز بين عدة أنواع من أحيدوس."

وأضاف أن "محور دوران رقصة أحيدوس يتماشى مع محور دوران الكرة الأرضية، حيث تبدأ الرقصة من جهة الشرق، المكان الذي تشرق منه الشمس، وتنتهي مع بزوغ الفجر، ما يضفي طابعاً رمزياً على مسار الرقصة."

جدير بالذكر أن فرقة جمعية أحيدوس أيت عطا صاغرو إكنيون تسعى إلى نقل هذا التراث إلى الأجيال الجديدة من خلال المشاركة في الحفلات الخاصة والعامة. وفي هذا الصدد، قال محمد أيت با رئيس الفرقة “نؤمن بأهمية تعليم شبابنا أصول وقواعد 'أحيدوس'، لكننا في حاجة إلى دعم مؤسساتي يساعدنا في هذه المهمة."

ورغم التحديات، تواصل فرقة أحيدوس صمودها في وجه رياح التغيير، متمسكة بدورها في حماية وتطوير هذا الفن. وتتزايد الأصوات المطالبة بضرورة تدخل وزارة الثقافة لحماية هذا التراث اللامادي وضمان حقوق ممارسيه، حتى يستمر نبض “أحيدوس” في نقل قصص وتراث أيت عطا إلى الأجيال القادمة.

وفي الوقت الذي تنتظر فيه الفرقة الحصول على بطاقة الفنان التي تخول لها المشاركة في المهرجانات الوطنية والدولية الكبرى مثل باقي الفرق الفلكلورية، طالب عدد من أعضاء الفرقة وزارة الثقافة بالتدخل لتوفير وسائل نقل خاصة بالفرقة لتسهيل تنقلها من إكنيون إلى المناسبات التي تشارك فيها، خاصة وأنها أصبحت تعتبر سفيرة لفلكلور "أحيدوس" أيت عطا في إقليم تنغير.

لالالا

18