فنان أوروبي يرسم السعادة في أحياء الصفيح بنواكشوط

تكتمل مهمة الفنان إذا كانت تتضمن رسالة إنسانية، وهذا ما فعله الرسام الفرنسي سيب توسان الذي قرر زيارة الأحياء الشعبية في العديد من الدول ومنها موريتانيا ليرسم البسمة والفرحة على وجوه الفقراء.
نواكشوط – يزور فنان فرنسي من أصل بريطاني منذ عشر سنوات الأحياء الفقيرة في العالم تاركاً على جدرانها لوحات ينجزها بألوان زاهية ويكتب في وسطها كلمات تنطوي على إيجابية كـ”الحياة” و”السلام” و”السعادة” بلغة البلاد التي يزور أفقر الأحياء الشعبية فيها. ويقول رسام الجداريات سيب توسان إن “الهدف يكمن في رسم كلمات الأشخاص الذين لا صوت لهم”.
واختار هذا الفنان أن تكون موريتانيا إحدى محطاته ضمن مبادرة أطلقها عام 2013 تهدف إلى رسم جداريات على المساكن في المناطق النائية التي يعيش سكانها فقرا مدقعا.
ويقول إنه اختار موريتانيا لأنه أراد اكتشاف بلد وشعب جديدين غير معروفين، مضيفا أنه فضل المجيء هنا في شهر يناير لأن الطقس فيه يكون معتدلا وملائما لرسم الجداريات، عكس الشهور التي تتساقط فيها الأمطار.
ومرتدياً سروالاً قصيراً وقميص “تي شيرت”، ينكب الفنان البالغ 35 عاماً على إنجاز منشأة فنية تحمل عنوان “المستقبل” في حي ترابي فقير على مشارف العاصمة الموريتانية نواكشوط.
وقد رسم توسان مع اثنين من رفاقه على جوانب كوخ مصنوع من الصفائح المعدنية، رسومات جدارية بأشكال هندسية متموجة بالأبيض والأزرق والوردي.
وأثناء عملهم هذا، يلعب أطفال في المسارات الترابية القريبة أو يدفعون إطاراً مطاطياً أو يركلون كرة بين منازل عشوائية، بينما تتجول حولهم نساء فضوليات يرتدين حجاباً ملوناً.
ويضم هذا الحي المسمى الزعتر، وهي منطقة تشكل امتداداً للعاصمة نواكشوط، منازل يقطنها صيادون وعمال بناء ونجارون. والتربة في هذه المنطقة غير صالحة للزراعة بسبب غناها بالملح، وهناك القليل من المساحات الخضراء باستثناء شجرتين من أشجار الأكاسيا المريضة.
ومنذ عام 2013، رسم توسان جدراناً من الإسمنت والخشب والحديد المموج بكلمات متنوعة بلغات وأبجديات مختلفة، كجزء من مشروعه الذي يسميه “مشاركة الكلمة”.
ومن بين هذه الكلمات، كان هناك “إنسانية” في الأراضي الفلسطينية، و”تغيير” في نيبال، و”حرية” في العراق.
ويكسب توسان رزقه من رسم جداريات في أوروبا، ويدخر المال لتغطية تكاليف رحلتين في السنة ليمضي شهراً في حي فقير أو مخيم للاجئين، حيث يقدم خدماته للمقيمين. ويقرر صاحب المنزل أي كلمة يريد إبرازها في اللوحة الجدارية.
وبدأ توسان مسيرته في رسم شعارات “تيفو”، وهي صفائح من الورق الملون أو من بالونات أو من أعلام أو لافتات، يحملها المشجعون في مباريات كرة القدم.
وقرر أن يكرس نفسه لإضفاء لمسة ملونة “على بيئة لا يوجد فيها سوى القليل جداً” من الألوان، بعد معاينته للمصاعب التي يواجهها بعض الأشخاص عند سفره حول العالم على دراجته قبل عقد من الزمن.
ويوضح توسان أنه عندما وصل إلى حي الزعتر في أوائل شهر يناير “لعبنا كرة القدم مع الأطفال. وشرحت بلغة عربية ركيكة أن الهدف كان طلاء المنازل. وقال لي أحدهم ‘أود أن تدهن لي منزلي'”.
ويقول “لم يرفض أحد طلبنا قط”. ومع ذلك، غالباً ما يكون هناك إحجام في بادئ الأمر عن التعاون معه.
ويوضح الصياد عمار محمد محمود (52 عاما) “ساورتنا شكوك بشأن وجودهم، لكن سرعان ما أدركنا أن هؤلاء الشباب لديهم نوايا حسنة”، مضيفا “إنهم يقومون بعمل جيد يجمّل الحي”.
وقد حصل محمود على لوحة نادرة بعنوان “الجمل” بالأزرق والبني تكريما لهذا الحيوان الذي له أهمية في المجتمع الموريتاني.

ورسم توسان ثماني جداريات في المنطقة، من بينها “أمي” و”شباب”، و”أصدقاء”، و”مرح”، و”سعادة” و”نور” تتلألأ ألوانها في الحي تحت أشعة الشمس، فكانت هذه الكلمات المختارة تعكس مدى تعلق سكان الحي بالحياة والشغف بها.
ويقول توسان “اللغة الأم لسكان الحي العربية، وإن كنا لا نفهمها، فإننا نجحنا في استيعاب الكلمات التي اختاروها”. ويشير الرسام الفرنسي – البريطاني إلى أنه رسم 222 كلمة جدارية حول العالم، مع ولع عام بموضوعي “السلام” و”الحب”.
ويعمّر بعض أعماله سنوات، بينما يكون البعض الآخر سريع الزوال. وأزيلت جداريات عدة عند تفكيك مخيم للمهاجرين في كاليه بشمال فرنسا.
ويضيف توسان أن اللوحات الجدارية أصبحت أيضاً خلفية لفناني الموسيقى المحليين لتصوير أغنياتهم. وذات مرة في نيبال استُخدمت إحدى جدارياته كخلفية لتصوير جلسة للموضة.