فنانو اللحظة العابرة

لقد أتعب الكثير من الرسامين العرب المعاصرين أنفسهم في تقليد رسوم الأميركي سي تومبلي ولم يكن في إمكانهم الخروج من عالم تومبلي.
الاثنين 2020/12/14
التعلّم من بيكاسو شيء وتقليده شيء آخر (لوحة لبابلو بيكاسو)

“فنان صعب، يسهل تقليده” عبارة يمكن أن تُطلق على كبار الفنانين عبر العصور. هنري ماتيس كان من اليسير تقليد رسومه، كذلك بابلو بيكاسو ومارك روثكو ومودلياني وجاكسون بولوك وسي تومبلي، وفي النحت هناك برانكوزي وجياكومتي وهنري مور يمكن تقليدهم بيسر. ذلك ما فعله الكثيرون ولكن هل أفلحوا في شيء؟

لقد صنعوا لوحات وتماثيل جميلة ومتقنة ولكنها لم تكن تمثلهم. إنها عبارة عن نسخ مزوّرة ليس إلّا. المشكلة معقدة. فالفنان حين يصل إلى التعامل مع العالم بلغة ميسّرة قابضا بترف على لحظات الجمال فإنه يستند إلى سنوات طويلة من الجهد والكدح والشقاء والألم ليصل بعدها إلى معنى السعادة وهي تتجلى عن طريق عمله الفني؛ لقد مشى في طريق الآلام ليصل إلى حقول الفرح.

كم تألم فنسنت فان غوخ وهو يرسم وحيدا في آرل. لقد كان يخلق أسطورته من غير أن يكون على علم بذلك. ولكنه في النهاية وصل إلى الحقيقة. تلك الحقيقة التي تعذّبنا كلما رأينا لوحاته في المتاحف.

لطالما رسم الكثيرون المرأة كما رسمها بيكاسو، من غير أن يفكّروا أن بيكاسو اخترع شكلا للمرأة لم يكن موجودا من قبل وسيبقى لصيقا به. أي عين مدربة يمكنها أن تصرخ “ذاك بيكاسو”. ولكن التعلّم من بيكاسو شيء وتقليده شيء آخر.

التقليد عمل حرفي لا يتطلب سوى تمكنٍ من الأدوات يؤهل من يقوم به لأن يصنع نسخا، ولكن النتيجة لن تفارق الأصل مع اختلاف واحد هو أنها لن تكون شيئا يمكن الاعتداد به.

لقد أتعب الكثير من الرسامين العرب المعاصرين أنفسهم في تقليد رسوم الأميركي سي تومبلي ولم يكن في إمكانهم الخروج من عالم تومبلي. لو عاد تومبلي إلى الحياة ورأى تلك الرسوم لما أزعجته، غير أنه سيأسف لأن صانعيها أنفقوا أوقاتا عزيزة في إنجازها من غير أن يحقّقوا حلمهم في أن يكونوا فنانين. إنهم ضحايا وهمٍ.

كان الإعجاب بفنان قد أدخلهم إلى متاهة لم يخرجوا منها طوال حياتهم. لقد صاروا يتوهمون أن ما فعله ذلك الفنان هو جزء من حياتهم السابقة، وأنهم يشكلون في حياتهم الحالية امتدادا له. لقد أضاع أولئك الفنانون أعمارهم في ما لا ينفع.

الرسم مشي في طريق الآلام للوصول إلى حقول الفرح (لوحة لسي تومبلي)
الرسم مشي في طريق الآلام للوصول إلى حقول الفرح (لوحة لسي تومبلي)

 

16