فنانون لبنانيون: نعيش ونموت في هذا الوطن

الفنون بأنواعها متنفس للبنانيين مما يعيشونه من ضغوط وغلاء وفقر في بلد لا يستطيعون مغادرته.
الخميس 2022/07/21
الريشة ترسم تعلقنا بالمكان

بيروت - رغم اقتناعهم بالعديد من الأسباب التي تدفعهم إلى الهجرة، قرر الراقص أمين بيتموني والمغنية جوي فياض والرسام بول مرعي البقاء في وطنهم لبنان، ليجدوا في فنهم ملاذا مما وصفه البنك الدولي بأنه أحد أسوأ الأزمات الاقتصادية المسجلة.

بدأت رحلة بيتموني مع رقصة التانغو قبل عشر سنوات عندما حضر حفل ميلونغا لأول مرة ورقص على أنغام الموسيقى الإيقاعية التي كان جده يعزفها عندما كان صغيرا.

منذ ذلك الحين، أصبح الرقص هو السبب الذي يعيش من أجله. وقال "اسمي أمين بيتموني، أنا مهندس ميكانيكي مناصر لحقوق توظيف الشباب والصبايا ورقص التانغو. أنا باق في لبنان لأني أريد أن أتحدى كل الوضع القائم في بلدي".

ويعمل بيتموني مهندسا ميكانيكيا بالنهار ومعلما لرقص التانغو في المساء. ولاحظ الشاب البالغ من العمر 33 عاما الآثار الإيجابية للتانغو على طلابه. ويأمل الآن في افتتاح مدرسة لتكون مساحة آمنة للناس للتعبير عن أنفسهم من خلال الرقص.

◙ الانهيار الاقتصادي يعد من أكثر الأزمات زعزعة للاستقرار في لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990

وقال "التانغو هو أكثر من مجرد هواية، التانغو هو وسيلة لنعيش ونفكر ونعبر، لنهرب إليه كلما ننهار من الوضع السيئ في البلاد". وتحدث بيتموني كيف ساعده الرقص على تحمل الأزمات المتعددة التي يواجهها لبنان.

وقال “في السنة الماضية لن أنسى أزمة البنزين والكهرباء والماء، حين أفيق الصبح لا أجد ماء ولا كهرباء ولا خبز، في أغسطس 2021 كل شيء كنت أستطيع فعله هو أن أضع موسيقى في الهاتف وأرقص لمدة ساعة من الوقت.. بعدها أحس بأنني استعدت حالتي الطبيعية وطردت الغضب”، مضيفا: “الآن سأتحدى كل العقبات”.

ويرى في رقص التانغو ملاذا آمنا للتعبير عن النفس وشحن الطاقة من أجل المضي قدما. وبالنسبة إلى مغنية الروك والعازفة جوي فياض، فإن الموسيقى هي أولا وقبل كل شيء تهدف إلى إسعاد جمهورها ومساعدته على التخلص من الإحباط المتراكم على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات من العيش في بلد مزقته الأزمات.

وقالت جوي فياض “الموسيقى بالنسبة إلي تريحني وترفع من معنويات الناس وتجعلهم ينسون همومهم ومتاعب حياتهم اليومية، صحيح أن المال مهم في ظل الأزمة الاقتصادية والغلاء، لكن بالنسبة إلي الموسيقى أهم لأنها تنعش الروح وتجعلنا مقبلين على الحياة رغم الجراح”.

وفي حين أن فكرة السفر خطرت ببالها عدة مرات، تعتقد الفنانة البالغة من العمر 33 عاما أن لديها المزيد لتقدمه للبنانيين، كما أنها ليست مستعدة للبدء من جديد في بلد أجنبي. وأضافت، بعد عرض في بلدة بعبدات الجبلية، أنه على الرغم من أزماته، إلا أن عشقها لوطنها مثل الإدمان.

الرقص فرصة لتدريب النفس على نسيان همومها
الرقص فرصة لتدريب النفس على نسيان همومها 

“أشعر بأن لبنان مثل المخدر، إنه مثل الدوبامين. أحد الأسباب هو جماله وكذلك بسبب الروح الإنسانية التي ألمسها في الشعب اللبناني، هم ودودون، لكن رغم ذلك هناك تناقض، الفوضى والوضع السياسي والأزمة والإحباط، وكل ما نمر به”. وقالت إن الموسيقى دافعها لمواجهة الأزمات والاستمرار للعيش في لبنان.

“دائما أواجه مشاكل. مثلا حين أشرع في التدرب تنقطع الكهرباء فينتزع مزاجي.. أنتظر إلى حين تعود الكهرباء لأصب جام غضبي في الموسيقى وأخرج كل الموجات السلبية التي انتابتني.. الموسيقى شفاء. أعتقد أنها حلقة مستمرة من المرور بالضغط والمزيد من الضغط ثم التنفيس عن هذا الضغط بطريقة إيجابية”. وأضافت “لذلك أعتقد أن الموسيقى في حد ذاتها هي حافزي، والتناقض الذي نعيشه هو الذي يدفعني إلى أن أعطي للموسيقى أكثر وأكثر”.

وكما هو الوضع بالنسبة إلى جوي فياض، فإن الفنان التشكيلي بول مرعي غير مستعد أيضا للتخلي عن وطنه الذي عاش فيه سنواته الأربعين. وقال “اسمي بول مرعي، فنان تشكيلي لبناني. أريد أن أبقى في بلدي لبنان لأنني أنتمي إلى هذا البلد”.

الموسيقى تهدف إلى إسعاد جمهورها ومساعدته على التخلص من الإحباط المتراكم على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات من العيش في بلد مزقته الأزمات

وأضاف أنه متعلق ببلده ولا يستطيع تصور العيش في بلد آخر، “أنا متعلق بهذا الوطن، ومتعلق بذكرياتي، وخروجي منه يعطيني إحساسا يشبه الذي يموت فيموت فيه كل شيئ، لي أربعون سنة من التجارب المختلطة بين الحلو والمر لا أستطيع أن أغادر وأبدأ من جديد، لا أستطيع، هكذا أفكر، قد يرى البعض أن هذا الموقف خاطئ لكنني لست قادرا على أن أخطو خطوة خارج جغرافيا لبنان”.

وهز لبنان انهيار اقتصادي ألقى البنك الدولي باللائمة فيه على النخبة الحاكمة والانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت في عام 2020. ويعد الانهيار الاقتصادي أكثر الأزمات زعزعة للاستقرار في لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. وهوى بالعملة لتفقد أكثر من 90 من قيمتها، ودفع نحو ثلاثة أرباع السكان إلى براثن الفقر، وتسبب في تجميد الودائع المصرفية.

ويبيع مرعي، وهو أب لطفلين، لوحاته التي يظهر فيها أسلوبه في الفن التجريدي، ويصنع أعمالا فنية بالطلب ويلقي محاضرات في جامعة حكومية من أجل إعالة أسرته، لكن مع استمرار ارتفاع الأسعار، قد لا يكون دخل الفنان كافيا.

أجواء رومانسية لنسيان ضغوط الحياة
أجواء رومانسية تنسينا ضغوط الحياة 

18