فلسطين تؤثر نفسيا على مشاركة مصر والسعودية في تحالف يشمل إسرائيل

يعكس تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري على هامش زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة بأن القضية الفلسطينية في صدارة اهتمام البلدين تأثير القضية الفلسطينية على مشاركة مصر والسعودية في تحالف إقليمي يضم إسرائيل ويهدف إلى التصدي لأجندات إيران وغيرها في المنطقة.
القاهرة - تحلل الكثير من الدول العربية من التزاماته المادية والمعنوية حيال القضية الفلسطينية بعد أن فرّط أصحابها في الكثير من مفاصلها، حيث فرّغت الانقسامات الداخلية والصراعات بين الفصائل القضية من جملة كبيرة من معانيها الرمزية.
مع ذلك لا يزال البعد النفسي حاكما لتصرفات العديد من الدول العربية قبلت تطوير علاقاتها الثنائية مع إسرائيل وتتردد في قبول ذلك بصورة جماعية اعتقادا منها أن الجماهير العربية سوف تجوب الشوارع احتجاجا على أيّ صيغة للتعاون الإقليمي معها.
وهي فرية، فغالبية الجماهير والقيادات تصب اهتمامها على فك شفرات الأزمات الاقتصادية وإيجاد آليات ناجحة لتجاوز التحديات الداخلية والخارجية، وسوف يدعم الجانبان أيّ صيغة للتعاون طالما أنها ستتكفل بتحقيق هذين الهدفين ولو جرت التضحية تماما بالقضية الفلسطينية التي لم تعد ضمن شواغل الكثير من الدول العربية.
وردد وزير الخارجية المصري سامح شكري، على هامش زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة، الجملة العاطفية التي يريد أن يسمعها الكثيرون، وهي أن القضية الفلسطينية في صدارة القضايا الإقليمية التي تهم القاهرة والرياض.
إذا كانت هناك ممانعات من جانب مصر أو السعودية على الدخول في تعاون مع إسرائيل فلا علاقة قوية بينه وبين القضية الفلسطينية، لأن الجميع يعلم ما وصلت إليه وما يمكن أن تصل إليه هذه القضية
وكان الوزير المصري واضحا في عدم الاستطراد حول الكيفية التي تعنيها الصدارة وتحاشي اشتراط ضوابط أو الحديث عن تحركات في هذا السياق، فهو يعلم أن هذه الأسطوانة أصبحت مشروخة بعد أن حطم الفلسطينيون ثوابتها بأيديهم ومنحوا بأنفسهم إسرائيل الذرائع التي تتنصل بها من الالتزام بتسوية سياسية حقيقية.
وتعلم الولايات المتحدة وإسرائيل وكل المعنيين بهذه القضية أنها تخضع لعملية ابتزاز من قبل أطراف عديدة للحصول على مكاسب وتقليل خسائر أو ذر للرماد في العيون العربية كي لا تتهم من قبل دوائر أخرى تصر على المتاجرة بها أنها هيأت لإسرائيل السبل لقتل القضية الفلسطينية، وهو الجزء الظاهر الذي بدأ يفقد بريقه مع تصاعد التحولات في المنطقة وخسارة هذه الدوائر للكثير من رصيدها بعد تعدد إخفاقاتها.
ولا يتوقع متابعون أن تكون هذه القضية محل اهتمام كبير في قمة جدة منتصف الشهر المقبل التي تجمع الرئيس الأميركي جو بايدن بقادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، لأن المطروح عليها يتجاوزها إقليميا.
ولا أحد سيكون معنيا بحماس للزج بها في خضم حديث متواتر عن تحديات ضخمة تمر بها المنطقة والعالم، وشكل جديد للتعاون الإقليمي يضم دولا عدة إلا في الحدود الرمزية التي تقطع الطريق على من أدمنوا المتاجرة بها ولم تتوقف حناجرهم لأنهم لا يعرفون سوى هذا الطريق الذي يمكنهم من البقاء في دائرة الضوء، وهم أول من تسببت خصوماتهم ومزايداتهم في تكبيد الشعب الفلسطيني خسائر باهظة.
ولذلك أدرج الرئيس جو بايدن زيارة رام الله واللقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضمن جولته التي تقوده إلى إسرائيل والسعودية، بما يحمل رسالة معنوية تهيئ الأجواء لواشنطن للحديث عن مشروعها للتعاون الإقليمي المنتظر طرحه على قمة جدة، ويوحي لمن يلتقونه من القادة العرب أنهم لم يتخلوا عن القضية الأمّ في المنطقة، وأيّ تعاون مع إسرائيل لن يكون على حساب الفلسطينيين.
وتنحصر المسألة في السياق الشائك نفسيا وسياسيا ولا تصل إلى مستوى الربط المتين بين التقدم هنا والتقدم هناك، فعمليا لم تعد القضية تحتمل الحديث عن خطط لتسويتها قبل أن يتمكن الفلسطينيون من حل مشاكلهم ووضع حد لانقساماتهم، وأقصى ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة رشقة من التصريحات الإيجابية تؤكد على حل الدولتين.
وربما حزمة من الوعود تتعلق بطرح مبادرة للسلام تعيد إلى الأذهان الأجواء التي انطلق فيها مؤتمر مدريد في بداية التسعينات من القرن الماضي عقب اجتياح العراق لدولة الكويت وتشكيل تحالف عسكري مؤقت ضم دولا عربية في مقدمتها مصر وسوريا، وبدا المؤتمر وقتها كأنه مقدمة لإعادة صياغة العلاقات في المنطقة بما يسمح بقبول توقيع اتفاقيات سلام بين كل من سوريا والأردن والفلسطينيين وإسرائيل، بعد مرور سنوات على توقيع مصر اتفاقية سلام برعاية أميركية.
ووقّع الأردن والفلسطينيون اتفاقيتي سلام (وادي عربة وأوسلو) وفشل المسار السوري، ومنذ تلك اللحظة لم تحرز عملية السلام تقدما مع ما يسمى بدول المواجهة، لكن خطت خطوات كبيرة مع دول عربية مؤخرا دون رهن التقدم بالقضية الفلسطينية، والتي لم تعد تمثل قيدا حقيقيا أو فيتو يمنع تطوير العلاقات مع إسرائيل بعد أن شهدت المنطقة تحولات في التفاعلات وخروج قوى من المسرح الإقليمي ودخول أخرى.
القضية الفلسطينية تحتاج إلى معجزة ذاتية تدفع أصحابها إلى التخلص من انقساماتهم لكي تتمكن الدول المهمومة بها من مساعدتهم
وإذا كانت هناك ممانعات من جانب مصر أو السعودية على الدخول في تعاون مع إسرائيل فلا علاقة قوية بينه وبين القضية الفلسطينية، لأن الجميع يعلم ما وصلت إليه وما يمكن أن تصل إليه هذه القضية مع الدخول في تحالف جديد أو من دونه.
وتحتاج القضية الفلسطينية إلى معجزة ذاتية تدفع أصحابها إلى التخلص من انقساماتهم كي تتمكن الدول المهمومة بها والتي تعتقد أنها جزء من أمنها القومي من مساعدتهم من خلال حث الولايات المتحدة وإسرائيل على التوصل إلى صيغة لدولة قابلة للحياة، بلا ضمانات يمكن أن توفر لها فرصة للنجاح.
والناظر إلى الأوضاع العربية بسهولة يصل إلى عمق التغير الملموس في التعامل مع القضية الفلسطينية من ناحية، ومع إسرائيل من ناحية أخرى، فحجم التراجع في الأولى يشير إلى أنها لم تعد قضية مركزية كما كان يتردد في مؤتمرات القمة العربية، ويكاد يختفي حضورها في المؤتمرات الثنائية، فكل دولة باتت تبحث عن مصالحها الرئيسية.
ويؤكد التقدم الحاصل في العلاقات مع إسرائيل أن القضية لم تعد عائقا لأيّ شكل إقليمي جديد تطرحه الإدارة الأميركية، كما حدث عندما طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير في تسعينات القرن الماضي، وغالبية ما تتم مناقشته بشأن تحالف يضم إسرائيل ينصبّ على المصالح التي ستعود على كل دولة، وكلما كان هناك توافق بين الدول العربية المعنية بالتحالف يمكن تعظيم المكاسب، وهو ما تفعله مصر والسعودية حاليا.
ويجد المراقب لكل حالة عربية منفصلة قطعت شوطا في تطوير روابطها السياسية والاقتصادية والأمنية مع إسرائيل أنها تفكر بصورة عملية في إدارة مصالحها، ولم تعد القضية الفلسطينية حاجزا ماديا، وحتى الحاجز النفسي لم يحل بين دولة مثل السودان أن تقبل بالسلام معها وهي بعيدة جغرافيا عنها، فما دفع الخرطوم لهذه الخطوة يقينها أن علاقتها بتل أبيب تحقق لها مصالح تعجز عن الوصول إليها بطرق أخرى.
ويؤدي تعميم هذه القاعدة إلى عدم استبعاد حدوث تغير الفترة المقبلة، خاصة إذا اصطحب مشروع التعاون الإقليمي فوائد اقتصادية وأمنية لدول قد تمثل عائقا أمامه.