فلسطيني يتخلى عن البندقية ليقاوم بالمسرح

الممثل الفلسطيني يؤكد من خلال مسرحيته "وهنا أنا" أن الفلسطينيين ما زالوا موجودين وهم موجودون أيضا كفنانين.
الأحد 2023/10/22
الفن سلاح الحياة

يروي الممثل الفلسطيني أحمد طوباسي حياته الشخصية على خشبة المسرح، حاملا رسالة المقاومة الثقافية من خلال فنه مستشكفا ماهية الوجود بفلسطين في قلب المصاعب والتناقضات التي يعيشها شاب فلسطيني ينشأ تحت الاحتلال في مخيم جنين للاجئين.

ليون (فرنسا) - "يسمع الجمهور صوتاً فلسطينياً، هذا فعل مقاومة قوي”، لذلك يقول الممثل الفلسطيني أحمد طوباسي إنه يريد من خلال مسرحيته “وهنا أنا” أن يؤكد أن "الفلسطينيين ما زالوا موجودين وهم موجودون أيضا كفنانين".

تروي المسرحية التي ألفها الكاتب العراقي حسن عبدالرازق على شكل عرض منفرد (مونودراما)، على مدى ثمانين دقيقة حياة طوباسي، من ولادته في مخيم للاجئين في الضفة الغربية إلى انخراطه في المقاومة المسلحة ضد إسرائيل في شبابه ثم سجنه لمدة أربع سنوات وانتقاله عند خروجه من السجن إلى العمل المسرحي في “مسرح الحرية” في مخيم جنين حتى اغتيال مدير الفرقة ومرشده في هذا المسار جوليانو مير خميس.

قال الممثل البالغ 39 عاما والذي عايش الانتفاضتين الأولى بين 1987 و1993 والثانية بين 2000 و2005، إن المسرحية تروي "قصة حقيقية تتحدث عن أمور ملموسة وأوضاع تشرح ما يعني لفتى فلسطيني أن يشبّ". وأضاف "نكون من نحن من حيث ولدنا، وأنا ولدت هنا، وأنا لا أحاول أن أعرض سياسة أو مفهوم التضحية، بل فقط قصتي من حيث أنا، باعتباري فلسطينيا يعيش تحت الاحتلال".

واعتقل طوباسي عام 2002 بعدما فشل على حد قوله في إلقاء متفجرة على آلية عسكرية إسرائيلية. وتخلى لاحقا عن حمل السلاح واختار "الكفاح من خلال المسرح والفن وتنفيس العنف". وأدرك طوباسي عندما كان معتقلا في سجن كتسيعوت في صحراء النقب بجنوب إسرائيل “إلى أيّ مدى يمكن أن يكون المسرح مفيدا".

في سجنه كان يقلّد أمام المعتقلين الآخرين شخصية من مسلسل تلفزيوني شهير، وما زال يذكر البلبلة التي كانت تسيطر على حد قوله على السلطات الإسرائيلية عند بث مقاطع فيديو يظهر فيها على خشبة المسرح. ويقول “كان هذا انتصار، وكنت أريد تكراره". قدمت المسرحية لأول مرة عام 2016 وهي باللغتين العربية والإنجليزية مع ترجمة فرنسيّة، وعرضت حتى الآن في إنجلترا وفرنسا.

طوباسي أدرك، عندما كان معتقلا في سجن إسرائيلي بصحراء النقب، إلى أيّ مدى يمكن أن يكون المسرح مفيدا
◙ طوباسي أدرك، عندما كان معتقلا في سجن إسرائيلي بصحراء النقب، إلى أيّ مدى يمكن أن يكون المسرح مفيدا

وعرضت هذا الأسبوع في ليون بوسط شرق فرنسا في إطار مهرجان "سانس إنتردي" (اتجاه ممنوع) المسرحي المعروف باستضافته أعمالا ملتزمة. وأرجئ عرضها في شوازي لو روا بضاحية باريس غداة الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر وما تلاه من حرب شهدت حتى الآن حملة قصف إسرائيلية مركزة على قطاع غزة.

وعلقت المخرجة البريطانية زوي لافرتي "نعرف ما يعنيه التأجيل.." مبدية خشيتها من إلغاء العرض في نهاية المطاف. ومن المقرر تقديم عروض أخرى للمسرحية، لكن برنامج الأيام المقبلة غير محسوم بسبب الصعوبات المالية والقيود المفروضة على حركة الفلسطينيين و"الضغوط السياسية"، بحسب ما أوضحت المخرجة والممثل.

وفي ليون، تقرر في اللحظة الأخيرة نقل المسرحية من مسرح "نوفيل جينيراسيون" إلى مسرح تجريبي أقيم في أرض خلاء تم تحويلها إلى موقع فنيّ، وذلك “لأسباب فنيّة” بحسب التبرير الرسمي. وقال أحمد طوباسي “الأمر لا يتعلق بالوقوف إلى جانب فلسطين أو إسرائيل، بل المطلوب إعطاء الفنانين فرصة وإنقاذهم من مشكلات السياسيين” في ظل الحرب الجارية.

وعند خروجه من السجن الإسرائيلي واجه واقعا متناقضا بسبب صفة “الأسير السياسي” الملازمة له، إذ استبعده البعض لاعتبارها وصمة، فيما حاولت الفصائل الفلسطينية استقطابه للسبب ذاته. وفي أحد المشاهد النادرة القاتمة في المسرحية التي تزخر بالفكاهة والسخرية، يفرغ على نفسه محتوى صفيحة بلاستيكية ويقرّب من نفسه ولّاعة. وفي المشهد التالي، نراه يدفع باب مسرح جنين ويبدل حياته.

ويقول طوباسي "أردت أن أقاوم من خلال المسرح.. سئمت حمل السلاح. لم أكن أريد أن أموت” مؤكدا “لا أؤمن بأن القتل يمكن أن يغير الواقع". غير أن خطابه يبقى ملتزما، ويقول إن الاحتلال الإسرائيلي "لا يدعنا ننجز هذا العمل كما ينبغي".

وهو يعرض طوال المسرحية صور أصدقائه الذين سقطوا وهم يقاومون الجيش الإسرائيلي أو اغتيلوا، معلقة على لوح أسود منصوب في قعر المسرح، في تذكير بصور الشهداء التي تكسو جدران مخيم جنين. ويقول الممثل الذي يفضل القتال على خشبة المسرح وليس على الجبهة “ليس مطلوب منا أن نموت، بل أن نبقى على قيد الحياة لأطول وقت ممكن ونروي قصتنا”.

 

18