فلسطيني يبدع تحفا تراثية من النفايات

غزة- خيوط صوفية، وأغطية نفايات صلبة، وقطع حديد أقرب للتالفة، هي عدة فنان فلسطيني يعمل على إعادة تدوير النفايات، ليشكل قطعا فنية بالغة الجمال، يحكي من خلالها قصصه وأفكاره.
يتأنى جمال أبوعليان (56 عاما) كثيرا قبل اختياره لمجموعة ألوان الخيوط الصوفية التي سيعمل من خلالها على تشكيل تحفه الجمالية، التي تحمل بين تفاصيلها ذكريات لها علاقة بالتاريخ الفلسطيني والتراث العربي.
يمرّ وقتٌ يصمت فيه الرجل ليحدد الألوان الأجمل من وجهة نظره، ويتناول إطارا حديديا باليا، ليبدأ مباشرة في نسج الخيوط الصوفية بين أسلاك وفتحات الإطار الذي هو بالأساس غطاء لمروحة كهربائية تالفة، ويستمر بفعله ذاك إلى أن يصنع القطعة الفنية المطلوبة.
ويقول أبوعليان “فكرة تحويل النفايات الصلبة والقطع البالية، لأشكال فنية نابضة بالحيوية، جاءت لتعبئة وقت الفراغ الذي أعيشه في يومي من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فأنا أهدف للحفاظ على التراث الشعبي”.
التحف التراثية تستخدم في الأفراح والمناسبات السعيدة، كأوان تُوضع فيها الورود والحلويات وأخرى تقدم هدايا للأحباب
وعن استلهامه للفكرة، يتحدث الرجل أنّه اعتاد زيارة الأسواق التي يباع فيها الأثاث والقطع القديمة بشكل دائم، وفي مرات كثيرة لاحظ إطارات المراوح المستعملة التي تتلف بعد استخدام المحركات الخاصّة بها.
ويتابع “شدّني ذلك الأمر، لاسيما وأنّي كنت أعلم أنّ تلك القطع الحديدية البسيطة يمكن تحويلها لأدوات للزينة والجمال، فبدأت بجمع تلك الإطارات، وأحيانا أدفع مقابلها ثمنا زهيدا وفي أخرى آخذها مجانا”.
ويشرح أبوعليان أنّه يستخدم إلى جانب تلك الإطارات، الملابس الصوفية القديمة المصنوعة من خيوط الصوف الأصلية التي لا تضم بينها أنسجة نايلون، ويوفرها كذلك من الأسواق القديمة بمبالغ زهيدة.
ويجمع الرجل المكونين المذكورين داخل فناء بيته الصغير، إذ يعمل في البداية على رسم صورة للشكل النهائي الذي يرغب في إنتاجه بمخيلته، ثمّ يختار الخيوط المناسبة لذلك الغرض، ليشرع فورا في التنفيذ.
ويحتاج الرجل في القطعة الواحدة التي ينتجها وقتا طويلا، فإذا ما اشتغل بها لمدة ثلاث ساعات يوميا، فهو بحاجة لمدة تصل أحيانا إلى عشرة أيام للقطعة الكبيرة، أمّا الصغيرة فتستغرق وقتا أقل يصل إلى خمسة أيام.
وعن الأشكال التي رسمها أبوعليان على قطعه الفنية، يقول إنّه يختار رموزا من التراث الفلسطيني ويعمل على تشكيلها باستخدام حسابات بسيطة، لا يستخدم لضبطها أوراقا أو آلات حاسبة، كونه صار مع الخبرة مدركا جيدا لما يريد صنعه.
ويذكر أنّه يختار الألوان المتناسقة لتصميم القطع التراثية، ويركز في اختياراته على الألوان المأخوذة من الأثواب الفلسطينية التي كانت ترتديها النساء في الأيام الخالية.
وتستخدم القطع التي ينتجها الرجل في الأفراح والمناسبات السعيدة، إذ أنّ الإطارات الكبيرة، تستعمل كإناء تُوضع فيه زينة الأفراح والورود وغيرها، وأحيانا تضع بعض العائلات فيها الحلويات التي يتم تقديمها كضيافة للمهنئين.
أمّا عن القطع الصغيرة، والتي يصممها الرجل باستخدام مراوح صغيرة، فتستعمل كعلب للهدايا، والبعض يفضل استخدامها، كوعاء حافظ للمصوغ الذهبي النسوي ولمختلف أنواع الحلوى والسكاكر.
أبوعلينان يعمل في البداية على رسم صورة للشكل النهائي الذي يرغب في إنتاجه بمخيلته، ثمّ يختار الخيوط المناسبة لذلك الغرض، ليشرع فورا في التنفيذ
ويتميز عمل أبوعليان، بعدم قبوله للخطأ بتاتا، ويشير إلى أنّ أي خلل في أي لون أو غرزة، يضطره لفك جميع الخيوط وإعادة نسجها من جديد، وهذا الأمر يزيد من إرهاقه النفسي والوقت الذي يحتاجه.
يمتلك جمال أبوعليان متحفا أثريا في منطقة الزنة جنوبي القطاع، تعرض للدمار خلال عدوان عام 2014 ولم يتم إعماره حتّى هذه اللحظة.
وينتظر الرجل الوقت الذي يكون فيه قادرا على توفير مكان واسع يتمكن من توزيع كلّ القطع الأثرية التي يملكها بداخله. ويروي، أنّه منذ حوالي ثلاثين سنة يهتم بجمع القطع الأثرية، التي تحمل إشارات ودلالات لها علاقة بعصور بشرية مختلفة، أهمها الكنعانية والبيزنطية والمملوكية والأموية وغيرها.
ومن بين المقتنيات التي يملكها أبوعليان، السيوف والكاميرات القديمة بطراز صنعها الأول، إضافة للأثواب التراثية، وأواني التقديم والضيافة المختلفة، من صواني وأباريق ماء وكؤوس نحاسية صغيرة وكبيرة.
ويضيف أنّه “عانى كثيرا من إهمال الجهات المعنية التي تواصل معها على مدار أكثر من ست سنوات، لكنّه لم يجد منها أيّ تجاوب، وفي أحسن الأحوال كان يحصل على وعود كلامية لا يتم تطبيقها على أرض الواقع”.
ويحلم أبوعليان بافتتاح متحفه من جديد، وإعادة الروح فيه، ليكون جاهزا لاستقبال الزوار من كلّ أنحاء العالم، ليتعرفوا عبره على تاريخ الأرض وهويتها التي يدلل كلّ شيء فيها على أنّها عربية فلسطينية خالصة.