فلسطينيون يخلدون التراث في جداريات من الفسيفساء

جدارية "امرأة تلحمية" تحاكي امرأة فلسطينية تقيم في مدينة بيت لحم وترتدي لباسها الفلسطيني التقليدي المطرز وتسدل فوق رأسها غطاء طويلا.
الثلاثاء 2023/08/08
فن الصبر

ألهمت اكتشفات لوحات الفسيفساء التاريخية المتتالية في قطاع غزة فنانين شبابا فكرة إبداع جداريات فنية تعبر عن التراث الفلسطيني وما يتعلق به من عادات وتقاليد، لتقديمها في معرض جماعي وتعليقها في ساحات القطاع.

غزة (فلسطين) - لساعات طويلة يوميا، تنشغل الفنانة التشكيلية الفلسطينية لمى العقاد مع شريكها أحمد إبراهيم في تثبيت المئات من الأحجار وقطع السيراميك الملونة الصغيرة على لوحة كبيرة من أجل صناعة جدارية من الفسيسفاء.

ويعود فن صناعة الصور من قطع الفسيفساء الصغيرة إلى العصر البيزنطي، وفي غزة لم يشهد أي حراك أو اهتمام به حتى اختفى تماما، لكنه عاد من جديد بعد أن بدأ فنانون في صناعة لوحات جمالية بألوان زاهية.

وتقول العقاد، البالغة من العمر 17 عاما، لوكالة أنباء “شينخوا” إنها أصبحت في سباق مع الزمن من أجل إتمام المرحلة الأخيرة من لوحتها الفنية، التي تحاكي “امرأة فلسطينية تلحمية” تعود أصولها إلى مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، ليتم تجهيزها للافتتاح خلال معرض فني سيتم تنظيمه قبل نهاية العام الجاري.

وتضيف العقاد أنها تعاملت مع زميلها مع أكثر من 20 ألف قطعة صغيرة من الأحجار الملونة والسيراميك لتثبيت كل واحدة في مكانها الخاص في جدارية مستوحاة من فن الفسيفساء على الطراز البيزنطي.

فن صناعة الصور من قطع الفسيفساء الصغيرة يعود إلى العصر البيزنطي، وفي غزة لم يشهد أي حراك أو اهتمام به حتى اختفى تماما

وعادة ما يقضي الفنانان المراهقان ما لا يقل عن ثماني ساعات يوميا في تقطيع المئات من ألواح السيراميك التالفة والملونة باستخدام أدوات بدائية مثل الكماشة وآلات قص صغيرة.

تقول الفتاة التي تعمل بتركيز “العمل متعب وشاق ويحتاج جهدا لكنه ممتع، فالفسيفساء من الفنون النادرة حاليا لكن له قيمة تراثية وأثرية قديمة”.

وتحاكي جدارية العقاد وإبراهيم التي يطلق عليها اسم “امرأة تلحمية” امرأة فلسطينية تقيم في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية وترتدي لباسها الفلسطيني التقليدي المطرز وتسدل فوق رأسها غطاء طويلا.

وتقول العقاد بينما تنظر إلى الجدارية بفخر، “تاريخيا، اعتادت نساؤنا ارتداء الفساتين التقليدية المطرزة الخاصة بهن”.

وتضيف العقاد أن كل مدينة فلسطينية تتميز بلباسها الخاص الذي يختلف عن غيرها من المدن، مشيرة إلى أن “الأجيال الجديدة لا تعرف الأزياء التقليدية الخاصة بها لأنها تفضل ارتداء الأزياء العصرية”.

لذلك، قرر إبراهيم والعقاد بالإضافة إلى 13 فنانا مراهقا آخرين أخذ زمام مبادرة غير اعتيادية من أجل تخليد التراث الفلسطيني التقليدي باستخدام فن الفسيفساء.

وجاء الفنانون بفكرة محاكاة بعض الرموز التقليدية الفلسطينية قبل 18 شهرا عندما زاروا بعض المواقع الأثرية المكتشفة في القطاع الساحلي، التي تعود إلى العصور البيزنطية والرومانية وتحتوي على أرضيات وصور وجدران وجداريات مبنية بالفسيفساء.

وتم تنظيم زيارة المواقع الأثرية في حينه من قبل جمعية الثقافة والفكر الحر، وهي منظمة غير حكومية، لزيادة وعي الفنانين المراهقين بالفنون القديمة في الأراضي الفلسطينية التي لها تاريخ غني للغاية يجب أن يفخروا به، بحسب الفنان التشكيلي محمد أبولحية المشرف على قسم الفنون بالجمعية.

Thumbnail

ويضيف أبولحية أن الجمعية عادة ما تنفذ خطة إستراتيجية سنوية تتضمن زيارة المواقع الأثرية، وفي هذا العام شارك برنامجنا السنوي مجموعة من الفنانين المراهقين زيارة هذه المواقع.

ويتابع أبولحية “لقد أحبوا فنون الفسيفساء المستخدمة في مختلف الأرضيات والصور والجداريات في هذه المواقع”.

ولاحظ الفنانون المراهقون خلال الزيارة أن أرضيات الفسيفساء والصور لم تتأثر بعوامل المناخ والتعرية رغم مرور أكثر من 4 آلاف عام، ما شجعهم على اقتراح إنتاج لوحات جدارية من الفسيفساء.

ولتسهيل مهمتهم المتمثلة في محاكاة تراثهم من خلال فن الفسيفساء، شارك الطلاب في دورة تعليمية مكثفة مدتها ثمانية أشهر حول كيفية إنتاج لوحات الفسيفساء في عام 2022.

ويوضح أبولحية “في البداية، تعلم الطلاب كيف يمكنهم إنتاج أشكال صغيرة من فن الفسيفساء. يوما بعد يوم، أصبح الفنانون أكثر احترافا في إنتاج الجداريات الكبيرة لتكون الأولى من نوعها على الإطلاق في القطاع الساحلي”.

ومن المقرر محاكاة امرأة فلسطينية من بيت لحم ترتدي الزي التقليدي وطائر شمس فلسطين وبحر غزة وشجرة زيتون ورجل مسن والمسجد الأقصى وقبة الصخرة، من خلال إنتاج لوحات جدارية كبيرة من فن الفسيفساء.

وتوقع أبولحية الانتهاء من جميع الجداريات بنهاية العام الجاري، على أن يتم تنظيم معرض عام للسماح للسكان المحليين بالاستمتاع بهذا الفن الرائع الذي سيكون جزءا من التراث الفلسطيني للأجيال القادمة.

18