فلسطينيون يحلّقون بعيدا عن كورونا بطائراتهم الورقية

الأطفال الفلسطينيون يهزمون ملل الحجر الصحي باللعب مع الريح.
الخميس 2020/05/14
التحليق نحو الحرية

أثّر الحجر على الحالة النفسية للمعزولين كبارا وصغارا، لكن الأطفال الفلسطينيين عادوا للعبة تركوها منذ زمن، مع انتشار الألعاب التكنولوجية، وهي الطائرات الورقية التي تسليهم فوق الأسطح والساحات، وهم يتابعونها بفرح وهي تحلق في السماء في منافسات يتابعها حتى الكبار.

 رام الله - باتت الطائرات الورقية تشكل وسيلة للترفيه عن الفلسطينيين في ظل الحجر المنزلي المفروض خوفا من تفشي فايروس كورونا.

وأعلنت الحكومة الفلسطينية منذ مطلع مارس الماضي حالة طوارئ شملت فرض حظر تجوال ليلي وعزل المحافظات عن بعضها وإغلاق المساجد والكنائس والمدارس والجامعات، ضمن تدابير منع تفشي كورونا.

ومنذ ذلك التاريخ لا يخرج الفلسطينيون إلا لقضاء شؤونهم الضرورية، ما جعل الأطفال وحتى الشباب يملّون الجلوس في البيت طيلة النهار لذلك اضطروا للخروج إلى الحي بحثا عن بعض التسلية، وعاد الفلسطينيون إلى صنع الطائرات الورقية لأطفالهم لتحقيق حلم السفر والخروج من حالة العزل التي يعيشونها منذ شهرين.

وفي ساعات العصر صارت تحلق العشرات من الطائرات الورقية بألوانها الزاهية وأشكالها المختلفة في سماء مخيم الأمعري للاجئين الفلسطينيين، لترسم لوحة فنية يتنافس الأطفال على تشكيلها، في محاولة لكسر روتين الحجر الصحي.

هذه اللوحة الفنية تتشكل مساء كل يوم بعد انطلاق الطائرات الورقية من أسطح العشرات من المنازل في مخيم الأمعري، الذي تعلو في أرجائه ضحكات وأصوات الأطفال فرحا بتحليق طائراتهم.

أطفال فلسطين يشكلون لوحة فنية بإطلاق الطائرات الورقية من أسطح المنازل مع ضحكات وأصوات الفرح كل يوم مع ساعات العصر

وحكاية الطائرة الورقية قديمة جدا، وربما يعجز التاريخ عن تتبع بداياتها الحقيقية، لكن هناك من يقول إن أول ظهور لطائرة الورق يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد في أوروبا، إذ تقول التقاليد إن العالِم الإغريقي أرخيتاس كان أول مخترع لها.

وظلت هذه الفكرة سائدة لزمن طويل، حتى كشفت الكتب ونصوص أدب الرحلات واللوحات الفنية والنصوص الأدبية الآسيوية أن طائرة الورق كانت موجودة في التقاليد الشعبية والدينية في معظم مناطق شرقي آسيا منذ أقدم العصور.

وتنتشر الطائرات الورقية في معظم أجزاء العالم، فكانت لعبة جميع الأطفال من جميع المستويات الاجتماعية في العطل والأعياد، لأنها تحمل في طبيعتها أحلام الإنسان بالطيران، ولكن استخدامها لم يقتصر على المرح، فقد دلّت الكتابات والرسومات الروحانية التي تعود إلى مطلع القرن الحادي عشر الميلادي أن الرومان كانوا يستخدمون الطائرات الورقية كرايات عسكرية. واستخدمها الفلسطينيون لقذف المولوتوف على الجانب الآخر من جدار العزل.

ومهما اختلفت أشكال الطائرات الورقية فهي ظلت مرتبطة بالطفولة وبأوراق الدفاتر المدرسية وأعواد القصب التي كانت تصنع منها هياكل الطائرات، لكن الآن حل محلّها النايلون وأعواد الخشب، خاصة الخيزران والقصب.

ويسكن في مخيم الأمعري، الذي تبلغ مساحته نحو كيلو متر مربع واحد، قرابة 9 آلاف لاجئ فلسطيني.

العلم الفلسطيني يرفرف
العلم الفلسطيني يرفرف

يقول أحمد طمليه، مسؤول لجنة الطوارئ لمواجهة كورونا في المخيم، “باتت الطائرات الوقية مشهدا يوميا، حيث يتسابق الأطفال لإطلاق طائراتهم في سماء المخيم”.

ويضيف “يحاول الأطفال الترفيه عن أنفسهم وسد أوقات فراغهم الطويلة الناجمة عن الحجر الصحي بفعل انتشار كورونا”.

ويتابع “تخلق هذه الطائرات أجواء جميلة داخل المخيم، الأطفال يتحدثون بسعادة غامرة مع بعضهم عن بعد من على أسطح المنازل، ويتسابقون على من تحلق طائرته أبعد”.

ويفتقر مخيم الأمعري مثل معظم المخيمات الفلسطينية إلى الساحات والملاعب وأماكن الترفيه، لذلك لم يجد الأطفال سوى أسطح منازلهم مكانا مناسبا للعب وإطلاق الطائرات الورقية.

صناعة الطائرات الورقية التي تتطلب جهدا وإتقانا، باتت أيضا مصدر رزق لمن تعطلت أعمالهم ومصالحهم بسبب الحجر الصحي.

صانع الطائرات الورقية محمد أبوعودة يقول “إن معظم الأطفال في المخيم اشتروا منه طائرات على خلاف الأعوام الماضية التي كان يبيع خلالها أعدادا قليلة”.

ويضيف “الناس تقضي معظم أوقاتها داخل المنازل، وهناك وقت فراغ كبير، لذلك باتت الطائرات الورقية وسيلة للترفيه عن الأطفال”.

ويبيع الشاب الفلسطيني طائراته التي يصنعها بأشكال وألوان مختلفة بالاعتماد على طول عيدان الخشب والزينة التي يستخدمها، بنحو 5 دولارات.

وتحول الشاب حسان من العمل في الجص والدهان إلى صناعة الطائرات الورقية بعد أن أقفل سوق الشغل، يقول إنه قام بصنع أكثر من ثلاثين طائرة ورق وبيعها إلى الآن، مضيفا أنه صنع أول طائرة ونشرها على صفحته في الفيسبوك، وبعدها بدأ المواطنون بالتوجه إليه لطلب صناعة غيرها.

اللعبة المفضّلة
لعبة مفضّلة

وفيما كان ممسكا بخيط يتحكم من خلاله بطائرته الورقية التي تحلق في السماء، يقول الطفل إبراهيم رياض (13 عاما) “لا توجد لدينا ملاعب بالمخيم، والمدرسة تعطلت، نحن نقضي طيلة النهار في البيت، الشيء الوحيد الذي يرفه عنا هو الطائرات الورقية”.

ويضيف “يوميا أمضي مع العصر ما يزيد على الساعتين باللعب في الطائرة التي أعدها بنفسي من الخيزران والنايلون والخيوط، وإذا تكسرت لعبتي، أمضي صباح اليوم التالي في صناعة أخرى أكثر قوة وتماسكا”.

وتزداد شراهة الأطفال على اللعب عندما تشتد سرعة الرياح مع عصر كل يوم خلال فصل الربيع، حيث يلتقون دون موعد فوق أسطح منازلهم، كما يقول إبراهيم “إن صناعة الطائرة الورقية تحتاج خبرة، تعلمت ذلك من أخي أحمد الذي أرشدني كيف أربط ثلاثة عيدان خيزران أو قصب من منتصفها بخيط إلى أطرافها، ثم أخيطها بنايلون عادة اختاره بزينة معينة كعلم فلسطين مثلا، وبعد ذلك أصنع الميزان وهو الأمر الصعب في كل العملية لأنه يضبط اتزان الطائرة من خلال خيط يتحكم بالطائرة وهي في السماء”.

ويلعب الأطفال بطائراتهم يوميا مع ساعات العصر من أمام منازلهم ومن على أسطحها، أو من الساحات.

ويحرص إبراهيم بخبرته على إبعاد طائرته حتى لا تشتبك مع طائرات أصدقائه، فتسقط أرضا، وهي الهزيمة التي تحكم عليهم بالخروج من ساحة اللعب.

ولا يقتصر اللعب بالطائرات على الأطفال، فالشاب إبراهيم محمد (30 عاما) يمضي نحو 3 ساعات يوميا في مشاركة أطفاله ومساعدتهم على إطلاق طائراتهم والتحكم بها.

يقول محمد “صناعة الطائرات الورقية واللعب بها هوايتي منذ كنت طفلا، واليوم أحاول كسر الممل والروتين لدى أطفالي بمشاركتهم اللعب”.

ويضيف الشاب الفلسطيني “تغمر الأطفال سعادة كبيرة خلال رؤيتهم الطائرات الملونة تحلق في السماء. إنها الوسيلة الأمثل للترفيه عنهم”.

ورغم تراجع اهتمام الناس بها في السنوات الأخيرة، إلا أنها عادت بقوة هذه الأيام تسلي الفلسطينيين من مختلف الأعمار، فهي لا تزال تحتفظ بجاذبيتها وحضورها حيثما أتيح لها مجال للتحليق.

20