فلسطينيون يترقّبون تحقيق حلم امتلاك هوية ولمّ الشمل

يؤرق ملف “لمّ الشمل” الآلاف من الأسر الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث ترفض إسرائيل الاعتراف بقانونية وجودهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعتبرهم “مقيمين غير شرعيين”، وفي حال اضطر بعضهم للسفر، فإنه لا يستطيع العودة للعيش مع أسرته، وهم ينتظرون تحقيق حلمهم بالحصول على هوية ولقاء عائلاتهم المشتتة.
رام الله – منذ إعلان السلطة الفلسطينية الاثنين الماضي، موافقة إسرائيل على منح خمسة آلاف قرار “لمّ شمل” عائلي، ازدحمت أقدام فاقدي الهوية، أمام مكاتب هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، وهي جهة التواصل الرسمية مع إسرائيل، لإتمام المعاملات المطلوبة.
ولا تتوفر معطيات حديثة حول عدد طالبي “لمّ الشمل”؛ ففي حين تقدرهم هيئة الشؤون المدنية بـ”الآلاف”، تقدرهم حملة “لمّ الشمل حقي” على صفحتها بفيسبوك بنحو اثنين وعشرين ألفا.
وفي مدينة غزة، تعيش عبير طعيمة (51 عاما)، “فقدان الهوية” منذ أكثر من عقدين، ومع تحريك الملف تأمل في أن تنتهي معاناتها وأسرتها.
وتقول طعيمة “نحن فاقدو الهوية الفلسطينية، الغرباء في وطننا، نعاني منذ سنوات طويلة من عدم لمّ شملنا، وحُرمنا من السفر، والمشاركة في مناسبات كثيرة سعيدة وحزينة، حتى التعليم في الخارج”.
وتضيف “جئت في يونيو 2000 إلى غزة من مصر، بتصريح زيارة، ومنذ ذلك الحين لم أستطع العودة لرؤية أهلي بمصر، ولم أستطع المشاركة في أي مناسبة”.
اشتد ألم عبير وهي الأم لثلاث بنات، حين غادر زوجها غزة بجواز سفر لمرة واحدة، إلى مصر لغرض العلاج، لكنه توفي هناك.
واشتد الوجع حين لم تستطيع إحضار جثمان زوجها أو الذهاب إلى مصر لوداعه، ليس هذا فقط، بل تقول “توفي الكثير من أفراد عائلتي وكانت هناك مناسبات، وعشت ظروفا مؤلمة وقاسية، كي أتمكن من الوصول إليهم، لكن لم يحالفني الحظ”.
وتضيف “اعتصمنا كثيرا، وقدمنا طلبات كثيرة للحكومة الفلسطينية، لأننا مواطنون بلا مواطنة في بلدنا، دون أي اعتراف من أي أحد، وقمنا بعمل جواز مُصفّر، ولم يخدمنا في شيء، ولم نسافر”.
وتواصل طعيمة بث شجونها “نحن فلسطينيون، الكل يعترف بنا، إلا في وطنا لا أحد يعترف بنا”.
وتشير إلى أنها واحدة من بين المئات توافدوا إلى هيئة الشؤون المدنية على أمل أن تجد الحل هذه المرة؛ لكنها تستدرك “لن أصدق حتى أمسك بطاقتي بيدي”.
وتقول طعيمة إن الكثيرين من فئة فاقدي الهوية خسروا مستقبلهم، وتعطلت مصالحهم في الخارج.
وهنا تشير إلى معاناة مستفحلة أخرى، وهي رفض بعض البنوك الفلسطينية التعامل معهم.
بدوره، يوضح أسامة الغول (60 عاما) من قطاع غزة، بينما ينتظر دوره لإتمام معاملة حصوله على هويته الفلسطينية، إنه لا يحمل سوى بطاقة تعريف، لا ينتفع منها سوى في معاملات محلية، ولديه طفل معاق لا يقدر على السفر من غزة لعلاجه.
ويقول بصوت مرتفع ونبرة غضب “ليس بمقدوري السفر، زيارة الأرحام، العلاج، العمل؛ كل الحقوق التي كفلتها الأعراف السماوية والقوانين، لم تستطع أن تعطينا بطاقة هوية تثبت أنني فلسطيني، أستطيع الحصول على جواز سفر، والتنقل بحرية، دون قيد وشرط”.
وفي الضفة الغربية، تتكرر أوجه المعاناة، لكن وجود الاحتلال حوّل فاقدي الهوية إلى سجناء في بيوتهم وفي أحسن الأحوال في مدنهم، إذ يتربص الترحيل بكل من يوقفه الجيش ولا يملك هوية.
حملة "لمّ الشمل حقي" تقدر على صفحتها بموقع التواصل فيسبوك عدد طالبي لمّ الشمل بنحو اثنين وعشرين ألفا
وأمام مقر هيئة الشؤون المدنية في مدينة رام الله، يحتشد يوميا المئات من الفلسطينيين لتقديم الوثائق المطلوبة لإتمام معاملات لمّ شملهم.
سناء محمد من بين طالبي لمّ الشمل، وهي متزوجة في الضفة الغربية، بينما تعيش عائلتها في الأردن ولم تلتق بها منذ 24 عاما.
وإذا غادرت سناء الضفة الغربية، فلن يسمح لها بالعودة، تقول “السبب بسيط لا أملك هوية، والسفر يعني عدم العودة للضفة الغربية حيث بيتي وزوجي وأولادي”.
وتضيف “عانيت كثيرا، بكيت، حرمت من أن ألقي نظرة الوداع على والدي، ومعانقة إخواني (…) أنتظر لحظة الحصول على الهوية بفارغ الصبر”.
بدورها، تقول نعمة قاسم (53 عاما)، إن عائلتها تعاني منذ 13 عاما من التشتت بين المملكة الأردنية والضفة الغربية.
وتضيف “تزوّجت ابنتي بقريبها الساكن في الأردن، ومنذ ذلك الحين نسعى لحصوله على هوية فلسطينية دون جدوى”.
وتضيف “تشتت عائلة ابنتي، لا تستطيع الاستقرار في الأردن أوفي الضفة، تتنقل بشكل دائم بين الجانبين”.
وتقول “هذا حق كفله القانون الدولي تحرمنا إياه إسرائيل”.
وجه آخر للمعاناة يحكيها الفلسطيني ناصر مصطيف من رام الله، فقد خسر عمله في الولايات المتحدة الأميركية منذ خمس سنوات، جراء عدم قدرته على السفر بعد أن وصل إلى الضفة الغربية.
يقول مصطيف “بالرغم من أنني أملك الجنسية الأميركية رفضت السلطات الإسرائيلية تجديد إقامتي، وهذا يعني -إن سافرت- عدم القدرة على العودة للضفة الغربية”.
وتابع “أعيش في سجن هنا، أخشى في كل يوم من الترحيل، في الوقت ذاته أنا بحاجة للسفر وأن يسمح لي بالعودة مرات أخرى، هذه بلدي وهنا تعيش عائلتي، وهناك (الولايات المتحدة) لي أعمال متعثرة اليوم”.
ولا تملك السلطة الفلسطينية في الضفة ولا حركة “حماس” في قطاع غزة، سلطة إجراء أي تغيير على السجل السكاني للفلسطينيين، سوى تسجيل المواليد والوفيات واستبدال بطاقات الهوية الشخصية.
وتشترط إسرائيل للاعتراف بقانونية تواجد الفلسطينيين، في الضفة وغزة، بأن يكونوا قد تواجدوا في المنطقتين إبان احتلالها لهما في يونيو 1967.
وعقب تأسيس السلطة الفلسطينية (الحكم الذاتي) عام 1994، وافقت إسرائيل على “لمّ شمل” الآلاف من العائلات الفلسطينية، لكنّها عادت وأوقفت منح قرارات “لمّ الشمل”، منذ عام 2009، عقب تولي بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود مقاليد الحكم.
ويعيش بعض “فاقدي قرار لم الشمل”، منذ عقود، دون وثيقة تثبت شخصيتهم، ما حوّل حياتهم لما يشبه السجن، ويجعلهم في دائرة الملاحقة الإسرائيلية، وقد يتم ترحيلهم من الضفة الغربية في حال تم اعتقالهم؛ فضلا عن عدم قدرتهم على السفر، حتى للعلاج، وتعطلت الكثير من مناحي حياتهم ومعاملاتهم.
