فلسطينيان يحولان الألوفيرا إلى مصدر جمال ورزق

غزة (فلسطين)- لم يكن الزوجان الفلسطينيان سلامة وآلاء بدوان، القاطنان في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يدركان أنهما يحتفظان بـ”بارقة أمل” مدفونة داخل قوارير بلاستيكية منتشرة على سطح منزلهما.
فبعد سنوات من زراعتهما لنبتة صبار الألوفيرا على سطح المنزل فكر الزوجان في استغلالها في مشروع اقتصادي صديق للبيئة والإنسان، ويدرّ عليهما دخلا يعينهما على تلبية متطلبات الحياة.
وتوصّل الزوجان إلى فكرة صناعة صابون الألوفيرا الطبيعي والخالي من المواد الكيميائية بعد أشهر من البحث والتنقيب والتدريب على طريقة صناعته ومعرفة أهم الزيوت التي تدخل في تركيبه.
وفي ديسمبر الماضي نجح الزوجان بعد عدة محاولات فاشلة في التوصل إلى المقادير اللازمة لإنتاج صابون بجودة مناسبة.
◙ بعض مراحل عملية التصنيع تحتاج إلى مهارة مصقولة بالمعرفة من أجل الحفاظ على قيمة وفوائد "جل" الألوفيرا ومنع تأكسده
والألوفيرا نبتة طبية قصيرة الساق استخدمها الإنسان منذ قرون لقيمتها الجمالية والعلاجية، وخاصة فائدتها للبشرة، وقد أطلق عليها المصريون القدماء اسم “نبات الخلود”.
وعالميا تستخدم هذه النبتة على نطاق واسع سواء في بعض المنتجات والمكمّلات الغذائية أو في مستحضرات التجميل أو في إطار العلاج بالأعشاب.
يقول بدوان وهو يتفقد شتلات الألوفيرا على سطح منزله إنه “يوفر لها عوامل النمو اللازمة (الرطوبة وكمية المياه المناسبة…)”.
ويضيف أن وجود هذه الشتلة على سطح المنزل يضفي نوعا من الجمال الذي يتناسب مع المساحة الأخرى من السطح والتي حوّلها إلى منطقة ترفيهية لعائلته.
واستفاد بدوان في هذه المنطقة الترفيهية من الأدوات والمواد التالفة لديه وأعاد تدويرها بشكل يتناسب مع سبل الراحة والرفاهية.
فقد استخدم إطارات المركبات التالفة كمقاعد بعد أن لوّنها بألوان زاهية، كما حوّل أطباق الأقمار الصناعية إلى مظلات حمراء وخضراء.
أما العلب البلاستيكية الفارغة التي كانت تحوي الألبان والحلويات فقد استغلها في زراعة نباتات الزينة والأزهار التي تنتشر على سطح منزله. ويردف قائلا إن “هذه المنطقة باتت أقرب إلى المتنزّه حيث يقضي أفراد العائلة أوقاتا ممتعة”.
وفي السياق ذاته يستخدم بدوان المخلفات العضوية الناتجة عن بقايا الطعام كسماد لنبتة الألوفيرا كي تنمو أوراقها بشكل وفير.
وحصل بدوان على الشتلة الأولى من نبتة الألوفيرا عام 2019 من أحد الأصدقاء، وبدأ منذ ذلك الوقت بالتوسّع في زراعتها حتّى وصل اليوم إلى نحو 40 شتلة.
وفي بداية الأمر واجه بدوان صعوبة في الحفاظ على حيوية النبتة التي تحتاج إلى ظروف بيئية خاصة (درجة الرطوبة، كميات المياه…)، لكنه تجاوز لاحقا هذا الأمر بعد إرشادات من المهندسين الزراعيين وأصحاب المشاتل حول الطريقة الأمثل لإبقاء هذه النبتة على قيد الحياة.
واقتصر استخدام “الجل” الناتج عن هذه النبتة، وفق قوله، على أفراد عائلته أو بعض الأصدقاء وذلك لأغراض بسيطة كالاستعمال المباشر فوق الجلد الذي تعرض إلى الحروق للتخفيف من حدتها، ومسحه على البشرة لزيادة نضارتها.
لكن مع زيادة أعداد الشتلات بدأ التساؤل يراود الزوجين بدوان حول كيفية تحويلها إلى “مشروع صديق للبيئة والإنسان، ومصدر للدخل”.
هذا التساؤل كان بداية طريق البحث عن مشروع صناعة الصابون الطبيعي الذي تم التوصل إليه بعد شهرين من البحث المعمّق وجمع المعلومات الدقيقة حول مكونات الزيوت اللازمة ومقاديرها.
الزوجة آلاء (37 عاما)، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في الإرشاد التربوي، خصصت معظم وقتها للبحث والتجربة من أجل إنتاج هذا النوع من الصابون.
وتقول، وهي تحول “جل” الألوفيرا إلى مادة سائلة الملمس تجهيزا لإنتاج الصابون، “إن هذه الهواية التي تحولت إلى مهنة أعطت القيمة للوقت الذي أمضيه والذي كان يمر فقط في تلبية احتياجات الأسرة أو العلاقات الاجتماعية”.
وللوصول إلى هذه النتيجة قضت برفقة زوجها أشهرا من التجارب الفاشلة، والتي شكّلت دافعا لها إلى إعادة البحث عن مواطن الثغرات ومحاولة تجاوزها وتصحيحها.
وتضيف “اخترنا صناعة الصابون الطبيعي وذلك لوجوده النادر في الأسواق بخلاف كريمات الشعر أو الوجه المصنوعة من الألوفيرا والتي تحتوي على مواد كيميائية أو حافظة”.
وتمر هذه الصناعة بعدة مراحل بدءا من البحث عن الوريقات الناضجة من الألوفيرا وقطفها وتركها في المياه لساعات في سبيل التخلص من المواد الصفراء التي تفرزها مع بداية قطافها والتي تُسبب، بحسب الدراسات، تهيجا في البشرة، حسب قولها.
ومن ثم يشرع الزوجان في استخلاص “الجل” من هذه الوريقات تجهيزا لمعالجته وتحويله إلى مادة سائلة وإضافته إلى الزيوت الطبيعية كـ”زيت الزيتون وجوز الهند واللوز الحلو والسمسم” بمقادير ونسب معينة.
◙ الإنسان استخدم الألوفيرا منذ قرون لقيمتها الجمالية والعلاجية، وخاصة فائدتها للبشرة، وقد أطلق عليها المصريون القدماء اسم "نبات الخلود"
وبعض الأنواع من الصابون يضيف إليها الزوجان مقادير محددة من زبدة “الشيا” التي توفر الترطيب المناسب للبشرة.
وبعد خلط الزيوت مع بعضها البعض وتكوين المزيج المناسب تسكبه الزوجة داخل قوالب مختلفة الأشكال والأحجام والمصنوعة من السيليكون، حيث تفحص فاعليتها بعد تحول هذا المزيج إلى مادة صلبة.
وتشير الزوجة إلى أن إنتاج هذا الصابون جاء بمجهودها الشخصي، والذي توجّته بدورة تدريبية على يد أستاذ جامعي مختص في الكيمياء.
وتلفت إلى أن بعض مراحل عملية التصنيع تحتاج إلى مهارة مصقولة بالمعرفة من أجل الحفاظ على قيمة وفوائد “جل” الألوفيرا ومنع تأكسده.
وخلال رحلة الصناعة واجهت عددا من التحديات المرتبطة بالحصار الإسرائيلي المفروض على غزة لأكثر من 16 عاما، أبرزها ندرة توفر قوالب السيليكون التي تقول إن “إسرائيل تمنع دخولها إلى القطاع”.
كما تواجه تحديا آخر يتمثل في الكلفة الباهظة لبعض أنواع الزيوت والتي لا تتناسب أحيانا مع قدرتها الشرائية.
وفي ختام حديثها تقول إن هناك إقبالا مُرضيا على شراء هذا المنتج مع إدراك قيمته وفوائده الطبيعية للبشرة والجلد.