فقدان الأمل في مستقبل أفضل يرمي بأكراد العراق في طريق وعرة نحو أوروبا

واشنطن - يمثل العراقيون، وبخاصة الأكراد منهم، نسبة كبيرة من بين مهاجرين يقدر عددهم بنحو أربعة آلاف ينتظرون في غابات روسيا البيضاء شديدة البرودة، ويحاولون عبور الحدود إلى ليتوانيا أو لاتفيا أو بولندا.
ولقي ثمانية أشخاص على الأقل حتفهم على الحدود في الأشهر الأخيرة أثناء محاولتهم العبور إلى الاتحاد الأوروبي.
وأثار اللاجئون من أكراد العراق العالقين على الحدود بين بيلاروس وبولندا استغراب الكثير من الأميركيين والأوروبيين، الذين ينظرون إلى إقليم كردستان العراق على أنه منطقة آمنة سياسيا واقتصاديا لا يبحث أبناؤها عن فرص لمغادرتها.
وإقليم كردستان العراق هو المنطقة الوحيدة في العراق التي نجت، بمساعدة غربية، من مأساة واسعة النطاق بدأت مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 وما تلاه من حرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية داعش.
واعتبر الكاتب الأميركي بوبي جوش في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أن سعي الكثير من أكراد العراق الآن إلى الفرار من إقليمهم يظهر إلى أي مدى قد تبخرت آمالهم في تحقيق وضع اقتصادي وسياسي موات في حقبة ما بعد صدام حسين.

بوبي جوش: أكراد العراق يفرون بعد يأسهم من تغيّر الوضع الاقتصادي
وذكر أن الأمور كانت تبدو وكأنها تسير في اتجاه مختلف. ففي السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي، وبينما انزلقت مناطق وسط وجنوب العراق في براثن صراعات دموية طائفية، شهدت المحافظات الشمالية الخاضعة لحكومة إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي طفرة اقتصادية.
وكان الإقليم وجهة لمستثمرين من أنحاء العالم، لما يتمتع به من ثروات نفطية وبيئة سياسية يمكن التنبؤ بها وخالية من العنف إلى حد كبير. وقد تضاعف عدد الفنادق والمراكز التجارية والأبراج السكنية بسرعة كبيرة.
وبدا التناقض بين إقليم كردستان مع بقية مناطق العراق أكثر وضوحا في عام 2014، عندما اجتاح تنظيم داعش البلاد. فمع انهيار الوحدات العسكرية العراقية في قلب البلاد تحت وطأة هجمات التنظيم، تمكنت قوات البيشمركة، بدعم من القوات الجوية الأميركية، من صد الإرهابيين على مشارف أربيل، عاصمة إقليم كردستان.
وقد ظل الأكراد مستقرين وآمنين وبمعزل عن الفظائع التي حولت الملايين من جيرانهم، في العراق وفي الجارة سوريا التي مزقتها الحرب والجارة إيران التي أثقلتها العقوبات، إلى لاجئين. وفي الواقع، فتح كردستان العراق أبوابه واستقبل لاجئين فارين من العنف من مناطق مجاورة.
ولا يزال الإقليم يتمتع بسلام نسبي، بالنظر إلى جيرانه، كما أن التوقعات الاقتصادية لأربيل ليست بقتامة تلك الخاصة ببغداد، ناهيك عن دمشق أو طهران.
وبينما يتبادل اللاجئون وهم في طريقهم إلى أوروبا القصص حول الفظائع التي فروا منها، فمن المستبعد أن يثير أكراد العراق الكثير من تعاطف أقرانهم، على سبيل المثال، الأفغان والسوريين.
ويعتبر جون أن سبب فرار أكراد العراق هو شعورهم بالإحباط من فشل قادتهم في الوفاء بوعود 2003، وهو يختلف عن سبب فرار السوريين أو الأفغان.
ولم يتعاف الاقتصاد، الذي يعتمد بشكل مفرط على صادرات النفط، منذ هبوط أسعار النفط الخام عام 2014، ومن المبكر جدا معرفة ما إذا كان التعافي الحالي في الأسعار سيستمر لفترة كافية لتغيير التوقعات. وقد أجبرت البطالة العديد من الأكراد على ترك المدن والعمل بالزراعة.
كما أن حصة الديمقراطية من التغيير تكاد لا تذكر. ففي غياب إصلاح سياسي، استمرت هيمنة العشائر على الحياة السياسية.
ولفت جوش إلى أن الحكومة في أربيل أصبحت أكثر استبدادية، حيث تقوم بسجن معارضين وتكميم وسائل الإعلام. ولم تفلح الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي خرجت نهاية العام الماضي في كسر شوكة الفساد المستشري.
واستشعر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أن الظروف في كردستان العراق جعلت شعبه فريسة سهلة لخطته لاجتذاب مهاجرين إلى بلاده، ومن ثم إطلاق العنان لهم إلى أوروبا الغربية.
وعلى إثر ذلك، قام بتيسير لوائح منح التأشيرات ونظّم المزيد من الرحلات الجوية إلى مينسك، ومنها اقتادت قوات الأمن البيلاروسية الوافدين الجدد إلى الحدود. ولم تحاول الحكومتان لا الموجودة في أربيل ولا الموجودة في بغداد وقف الهجرة الجماعية.
وقدمت الحكومة العراقية عرضا لإعادة العالقين إلى أرض الوطن. ونظمت الخميس أول رحلة جوية تضمّ نحو 430 عراقيا لإعادتهم إلى البلاد، إلا أن التقارير الواردة من الحدود بين بيلاروس وبولندا تشير إلى أن الكثيرين منهم يُؤْثرون مجابهة الشتاء على العودة إلى الوطن.
ويقول جوش إنه رغم أن يأس اللاجئين من أكراد العراق يعود إلى آمال محطمة وليس إلى مخاوف من مخاطر قاتلة كغيرهم من اللاجئين، فإنه أيضا سبب لا يمكن الاستهانة به.