فضيحة "قطر غيت" تعود إلى الواجهة في إسرائيل

تستمر فضيحة "قطر غيت" في إثارة الجدل داخل إسرائيل، حيث يتشابك الفساد السياسي مع التوترات الأمنية، وهو ما يضع الحكومة الإسرائيلية أمام تحديات داخلية صعبة. فالفضيحة التي طالت مساعدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تزيد الضغط على رئيس الحكومة وتؤثر على استقرار حكومته التي تمر بفترة حرجة.
تل أبيب - تحمل قضية “قطر غيت” تهديدا حقيقيا للاستقرار السياسي في إسرائيل، لاسيما في ظل تورط شخصيات مقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الترويج للمصالح القطرية وتلميع صورة الدوحة. وتمثل القضية منعطفا خطيرا في السياسة الإسرائيلية الداخلية؛ إذ أنها تجمع بين الفساد والسياسات الأمنية والضغط الدولي، ما يجعلها أكثر تعقيدا من مجرد فضيحة مالية.
ومددت محكمة إسرائيلية اعتقال مساعدين اثنين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إطار القضية المعروفة باسم “قطر غيت” التي تتهم فيها الشرطة مسؤولين في مكتب الأخير بـ”الترويج لمصالح قطرية”.
وقالت صحيفة “هآرتس” العبرية الأربعاء “مددت محكمة الصلح في ريشون لتسيون (وسط)، الثلاثاء، احتجاز مستشارين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لمدة يومين، للاشتباه في تورطهما في ما يُسمى بقضية قطر غيت، أي الترويج لمصالح قطرية من داخل مكتب رئيس الوزراء.” وأضافت “يُشتبه في ارتكاب الاثنين، يوناتان أوريخ (مستشار نتنياهو) وإيلي فيلدشتاين (المتحدث بلسانه) سلسلة من الجرائم تشمل الاتصال بعميل أجنبي وغسل أموال ورشوة واحتيال وخيانة أمانة.”
ولفتت الصحيفة إلى أن الشرطة التي أعلنت الاثنين عن اعتقالهما “طلبت من المحكمة تمديد احتجازهما تسعة أيام.” ويرى محللون أن الاتهامات التي وجهت إلى مساعدين مقربين من نتنياهو بتلقي أموال من قطر، في سياق الترويج لمصالح الدوحة في إسرائيل، لا تقتصر على كونها فضيحة مالية فحسب، بل هي بمثابة انعكاس لمعضلة سياسية وأمنية معقدة تتقاطع فيها العلاقات الإسرائيلية – القطرية مع معركة السلطة الداخلية في إسرائيل.
وبدأت القضية تتخذ شكلها العلني في منتصف عام 2024، عندما نُشرت تقارير صحفية تشير إلى أن بعض المقربين من نتنياهو، بمن فيهم يوناتان أوريخ وإيلي فيلدشتاين، تلقوا رشاوى من الحكومة القطرية. وجاءت الفضيحة في وقت حساس للغاية؛ حيث كانت قطر، بصفتها الوسيط الرئيسي في التفاوض بشأن إطلاق سراح الرهائن من غزة، تسعى إلى تكثيف جهودها لتحسين صورتها في الغرب، وخاصة في إسرائيل، رغم العداء الرسمي المستمر بين البلدين.
وكشفت التحقيقات التي أُطلقت على إثر هذه الادعاءات عن وجود علاقات مريبة بين هؤلاء المساعدين، خاصة في إطار أعمالهم الإعلامية والترويجية. وكان أوريخ، الذي كان جزءًا من فريق نتنياهو الإعلامي، يملك شركة استشارية إعلامية تعمل على تحسين صورة قطر، وهو ما جعل الاتهامات أكثر جدية.
أما فيلدشتاين، الذي اُتهم بتسريب وثائق سرية، فقد ارتبط اسمه في وقت لاحق بشبكة من الشركات الاستشارية التي كانت تعمل لصالح قطر، بما في ذلك “ثيرد سيركل” التي يديرها جاي فوتليك، المعروف بصلاته الوثيقة بالدعم القطري.
ويقول مراقبون إن القضية تصبح أكثر تعقيدا عندما يتم ربطها بالعلاقات القطرية مع حماس، حيث يُعتقد أن الدعم المالي القطري لغزة قد أتاح للحركة تعزيز قدراتها العسكرية، وهو ما جعل العديد من المسؤولين الإسرائيليين يشككون في نوايا قطر.
وكان لتدخل قطر في ملف الرهائن تأثير بالغ في السياسة الإسرائيلية الداخلية، حيث جادل العديد من المنتقدين بأن السماح لقطر بالتوسط في هذه المفاوضات قد ساهم في تعزيز نفوذ حماس على حساب إسرائيل. وفي الوقت الذي تتهم فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية قطر بمحاولة تجميل صورتها عبر تأثير مساعدي نتنياهو، تأتي ردود فعل الحكومة القطرية لتكذب هذه الادعاءات، معتبرة أنها مجرد حملة تشويه تهدف إلى إعاقة جهودها في الوساطة.
ولكن بالرغم من تلك التصريحات، تبقى الأسئلة حول الدور القطري في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني قائمة، والشكوك حيال النوايا الحقيقية لقطر في المنطقة تتزايد. وأوضح رئيس قسم الدراسات السياسية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية جوناثان رينهولد لوكالة فرانس برس أن هذه القضية “تربط كل الأمور السيئة المتعلقة بنتنياهو في حزمة واحدة.”
وأضاف رينهولد “هذا يربط نتنياهو مباشرة بسياسة التهدئة مع حماس،” في إشارة إلى سماح إسرائيل لقطر بإرسال ملايين الدولارات نقدا إلى غزة، وهو ما يعتقد كثيرون أنه عزز قدرات الحركة الإسلامية الفلسطينية ومكّنها من تنفيذ هجومها في 7 أكتوبر 2023.
وسبق لقطر أن نفت هذه الادعاءات ووصفتها بأنها كاذبة، قائلة إنها مدفوعة بسياسات إسرائيلية داخلية. ومع ذلك، زادت هذه القضية من الضغوط على نتنياهو الذي دخل في صدام مع السلطة القضائية بسبب محاولته إقالة رونين بار، رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك).
وتوترت علاقة بار بحكومة نتنياهو بعد أن حمّل السلطة التنفيذية مسؤولية الفشل الأمني المرتبط بهجوم حماس، وأيضا بشكل أساسي في أعقاب تحقيق أجراه الشاباك في قضية “قطرغيت”.
وتهدد قضية “قطر غيت” الاستقرار السياسي في إسرائيل من خلال تعزيز الانقسامات الداخلية، وتعميق الخلافات السياسية، وتقويض سمعة الحكومة، وتعقيد المواقف الدبلوماسية الخارجية، ما يجعل من الصعب على الحكومة الحفاظ على توازنها السياسي الداخلي والخارجي.
◙ القضية تصبح أكثر تعقيدا عندما يتم ربطها بالعلاقات القطرية مع حماس، حيث يُعتقد أن الدعم المالي القطري لغزة قد أتاح للحركة تعزيز قدراتها العسكرية
ويشير مراقبون إلى أن تورط مستشاري نتنياهو في الفضيحة يضر بسمعة الحكومة ويقلل من ثقة الشعب الإسرائيلي في قدرتها على قيادة البلاد بشفافية ونزاهة؛ إذ يعزز هذا النوع من الفضائح الانقسامات الداخلية ويدفع الجمهور إلى التشكيك في ديمقراطية النظام السياسي في إسرائيل.
وتفتح القضية جبهات صراع داخلية بين الأحزاب السياسية المختلفة، حيث يمكن أن تستغل الأحزاب المعارضة فضيحة “قطر غيت” لإضعاف موقف نتنياهو وزعزعة استقراره السياسي. كما يمكن أن تؤدي إلى توترات بين الأجهزة الأمنية والسياسية، مثل ما يحدث مع جهاز الشاباك، حيث يتهم البعض نتنياهو بمحاولة إقالة قادة الأجهزة الأمنية الذين يحققون في القضية.
وتجعل التحقيقات والاتهامات التي طالت مساعدي نتنياهو من الصعب عليه الحفاظ على سلطته السياسية. وفي مثل هذه الأزمات، قد يضطر نتنياهو إلى التضحية ببعض الأشخاص المقربين منه، ما يعرضه لضغوط إضافية. وتزداد التكهنات حول مستقبله السياسي في حال استمرت هذه القضية في التأثير على مستوى الثقة به.
وحتى لو تم إغلاق القضية أو صدرت أحكام قضائية واضحة، فإن استمرار هذا النوع من الفضائح قد يؤدي إلى توترات مستمرة في النظام السياسي الإسرائيلي. و قد تترسخ مفاهيم فساد وعدم نزاهة في الساحة السياسية، ما يضعف مصداقية المؤسسات الحكومية ويشجع على انتقادات داخليّة وخارجية متزايدة.
ومن غير الواضح كيف سيتعامل نتنياهو مع تداعيات هذه القضية. وعلى الرغم من أنه ليس مشتبها به إلا أنه يُحاكَم بشكل منفصل بتهم الفساد وخيانة الأمانة. وقال البروفيسور جدعون راهط من الجامعة العبرية “من السابق لأوانه التكهن بمآل الأمور،” وتساءل “هل سيُضطر إلى التضحية بهذين الشخصين؟ إذا ضحى بهما، فهل سيكشفان عن المعلومات المتوافرة لديهما؟”
ولفت راهط إلى أن نتنياهو لا يزال يقاوم و”يُصوّر الأمر كما لو أن جهاز المخابرات يلاحقه لأنه يريد إقالة رئيسه،” معتبرا أنه “في دولة طبيعية، لو كان لدى رئيس الوزراء جواسيس في مكتبه، لاستقال، لكننا لسنا في زمن طبيعي.”