فشل الدبلوماسية المصرية – السودانية في ملف سد النهضة يقوّي شوكة إثيوبيا

واشنطن تدعم مقترح أديس أبابا بحل الخلاف داخل الاتحاد الأفريقي.
الجمعة 2021/07/23
احتفالات إثيوبية بالملء الثاني للسد

تعكس مساندة الولايات المتحدة لخيار حل الخلافات بشأن سد النهضة داخل هياكل الاتحاد الأفريقي انتصارا دبلوماسيا لإثيوبيا التي تدعم هذا المقترح، ويمثل انتكاسة لدولتي المصب مصر والسودان اللتين راهنتا على مجلس الأمن للضغط على أديس أبابا دون تحقيق نتائج تكبح تعنتها والماضية دون هوادة في خطتها للملء الثاني للسد.

أديس أبابا - حرص رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على الظهور بمظهر المنتصر المتواضع عندما وجه الخميس رسائل طمأنة إلى كل من مصر والسودان بعد عملية الملء الثاني لسد النهضة، فيما يؤكد مراقبون أن الأخير استفاد من فشل الدبلوماسية المصرية – السودانية في حشد التأييد اللازم للحيلولة دون مضي أديس أبابا في قرارها الأحادي لملء السد وتجاوز تحذيرات دولتي المصب.

وقال آبي أحمد في رسالة باللغة العربية نشرها عبر حسابه على تويتر “تم الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي على نهر آباي (التسمية الإثيوبية للنيل الأزرق) في الـ20 من يوليو الجاري”.

وأضاف “كما وعدتكم سلفا يوم الـ9 من يوليو الجاري، لقد قامت إثيوبيا بملء سدها أثناء موسم الأمطار بحذر وبطريقة مفيدة”.

وتابع مخاطبا دولتي المصب “أود أن أطمئنكم مرة أخرى بأن هذا الملء سوف لا يؤدي بضرر لأي من بلداننا، وسيظل سد النهضة الإثيوبي العظيم، مكسبا ورمزا حقيقيا للنمو والتعاون المشترك”.

وراهنت كل من القاهرة والخرطوم على دور أميركي حاسم في مجلس الأمن للجم اندفاعة أديس أبابا وتعنتها بشأن مراحل ملء السد، إلا أن مساندة الولايات المتحدة لفكرة إثيوبيا باللجوء إلى الاتحاد الأفريقي لتجاوز الأزمة أكد سوء تقدير دولتي المصب وبالتالي فشل رهانهما الدبلوماسي.

وراهنت مصر على أن تأثير الأزمة على السلم والأمن يدفع قوى كبرى إلى ممارسة ضغوط على أديس أبابا لمراجعة موقفها والحفاظ على مصالح الجميع، فالتوترات داخل إثيوبيا يمكن أن تؤدي إلى تفكيك بنيان الدولة وزيادة الصراعات في القرن الأفريقي، لكن رهانها فشل أيضا.

وقالت الولايات المتحدة الأربعاء إنها تعول على دور الاتحاد الإفريقي في الحد من الصراع، والتوسط بهدف إيجاد حل لأزمة سد النهضة الإثيوبي.

وجاء ذلك في بيان نشرته وزارة الخارجية الأميركية على موقعها الإلكتروني وتضمن رسالة إلى إثيوبيا بعد قيامها بالملء الثاني للسد.

آبي أحمد: أطمئنكم بأن هذا الملء لن يضر بأي من بلداننا

وأوضح البيان أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أجرى محادثة هاتفية مع رئيس الكونغو الديمقراطية فتيليكس تشيسكيدي، الذي يشغل حاليا رئاسة الاتحاد الإفريقي، وناقش معه العديد من القضايا، ومنها أزمة سد النهضة.

ووسط تعثر المفاوضات منذ أشهر أخطرت إثيوبيا في الـ5 من يوليو دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ببدء عملية ملء ثانٍ للسد بالمياه، دون التوصل إلى اتفاق ثلاثي، وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم باعتباره إجراءً أحادي الجانب.

والاثنين أعلن وزير الري الإثيوبي سيلشي بيكيلي الانتهاء من الملء الثاني للسد، فيما استنكر السودان الخطوة حيث عدها إصرارا من إثيوبيا على “مواصلة فرض سياسة الأمر الواقع” فيما يتعلق بملف سد النهضة، ودعت كل من الخرطوم والقاهرة أديس أبابا إلى العودة للتفاوض لإتمام اتفاق ملزم حول السد.

وفي الـ8 من يوليو الجاري خلص مجلس الأمن الدولي إلى ضرورة إعادة مفاوضات سد النهضة تحت رعاية الاتحاد الإفريقي بشكل مكثف، لتوقيع اتفاق قانوني ملزم يلبي احتياجات الدول الثلاث.

وعمدت كل من القاهرة والخرطوم إلى تدويل قضية سد النهضة ورفضتا في وقت سابق إعادة الاحتكام إلى الاتحاد الأفريقي بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة في جنوب أفريقيا في يونيو الماضي، فيما تقول دوائر سياسية مصرية إن لإثيوبيا داخل الاتحاد الأفريقي نفوذا واسعا في الهيكل الإداري والسياسي للاتحاد وهيمنة على سلطة اتخاذ القرار.

وأرسل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في خطابه أثناء افتتاحه المؤتمر الأول لبرنامج “حياة كريمة” في الخامس عشر من يوليو إشارة واضحة للمواطنين تفيد بعدم القلق من التعامل مع الأزمة، ولم يقدم معلومات تفصيلية لتعزيز دواعي الاطمئنان والثقة.

ويقول متابعون إن طمأنة المصريين حيال أزمة سد النهضة عملية تحتاج إلى أدلة ملموسة، فشريحة منهم بدأت تتشكك في هذه النوعية من الرسائل المتكررة، وهي ترى أن إثيوبيا ماضية في خطتها دون أن تظهر نوايا لاستئناف المفاوضات ومراعاة رؤية مصر والسودان أو تخشى من عواقب التلويح بالتعامل معها بخشونة.

ومرت الأزمة بمحطات متعددة صعودا وهبوطا على مدار عشر سنوات، ووصلت إلى حافة الهاوية الآن، فإما أن تمضي إثيوبيا في المشروع وفقا لما رسمته ضمن خطتها لتمريره والتعامل معه كأمر واقع، أو انتصار مصر والسودان سياسيا أو عسكريا. وفي كل الحالات تحمل الفترة المقبلة مفاجآت حيال أزمة السد.

إثيوبيا تمضي قدما في مشروعها
إثيوبيا تمضي قدما في مشروعها

وأحدث إعلان إثيوبيا انتهاء مرحلة الملء الثاني لسد النهضة مبكرا ارتباكا في حسابات مصر، كما كشف عن فقر في المعلومات التقنية لديها، وهو أمر غطت عليه التصريحات التي كشفت عن مبالغة سياسية قامت بها القاهرة بعد أن هيأت مواقفها الكثيرة المجتمع الدولي والمواطنين لمرحلة حادة من فقر المياه، لكن لا شيء من ذلك قد تحقق، فيما تمنح هذه النتيجة دولتي المصب فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة الحسابات.

وبعد فشل الحلول الدبلوماسية يعتقد مراقبون أن مصر قد تلجأ إلى الانسحاب من اتفاق إعلان المبادئ الموقع في مارس 2015 مع السودان وإثيوبيا، إن اختارت مواصلة التصعيد.

وكانت وزارة الخارجية المصرية قالت إن هذا الاتفاق يوفر “إطارا لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلى اتفاق كامل بين الدول الثلاث بشأن أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي بعد انتهاء دراسات مشتركة قيد الإعداد”.

ويشمل الاتفاق عشرة مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، بحسب الوزارة.

ويقول هؤلاء إن مصر، في هذه الحالة، “ستعلل سبب انسحابها بأن إثيوبيا لم تلتزم بمبادئ بعينها من الاتفاق، وأنها لم تتعامل مع حسن النية عند كل من مصر والسودان بحسن نية مقابل، وتعمدت فرض إرادتها”.

2