فسيفساء من العادات والتقاليد تزيّن رمضان الإمارات

رمضان الإمارات بطعم يختلف عن أجواء الصيام في الدول الأخرى حيث تلتقي مختلف الجنسيات من العالم لتجتمع العادات والتقاليد والموائد وتختلط بالثقافة الإماراتية في سهرات تترجم قيم التسامح والألفة والكرم بين الناس.
دبي – يتميز شهر رمضان في الإمارات بأنه موسم للفعاليات والمعارض والمسابقات التي تقدم جوائز بالملايين من الدراهم.
والإمارات يسكنها وافدون ينتمون إلى أكثر من 200 جنسية، فتمتزج عادات تلك الدول وتقاليدها، حيث يتنافس الصائمون في ممارسة عاداتهم خلال شهر رمضان، ما يجعل شهر الصيام مهرجانا للتقاليد التراثية الآسيوية والأفريقية.
ومن اللافت أن ترى السوداني بجلبابه الأبيض، والمصري بالجلباب الصعيدي، والهندي بملابسه الوطنية، يتوجهون إلى المسجد لآداء صلاة التراويح، بينما ترى نساء بالعباءات الخليجية والمغربية يوزعن وجبات الإفطار على الصائمين في الشوارع.
وفي الحدائق العامة، تجتمع عائلات سورية ومصرية وجزائرية على موائد إفطار جماعية عالمية، تحمل أصنافا مختلفة من مأكولات الشام وشمال أفريقيا، ليتناول الجميع الكشري المصري والكسكسي المغربي والفتة السورية، ومأكولات من مطابخ عربية مختلفة، يتذوقونها لأول مرة، وهي المشاهد التي تنتهي بجلسات بين النساء لتبادل وصفات إعداد الطعام.
ومن الأنشطة الرمضانية اللافتة، تجربة تناول الإفطار في دور سينما كبرى ومتابعة عرض سينمائي مميز.
الفعالية أطلق عليها “سنيمجلس″ وتقام في دور سينما بدبي، وتتيح للعائلات مشاهدة أحدث الأفلام الحائزة على جوائز عالمية أثناء الجلوس على مائدة الإفطار.
وقبل أذان المغرب في كل يوم، تلتف العائلات حول منطقة المدفع، لتشاهد لحظة الإطلاق وسط فرحة الأطفال، ويشكل هذا التقليد الرمضاني مصدر بهجة للكبير والصغير بما يحمله من عبق التراث، ويتم خلال الفعالية توزيع وجبات إفطار على الحضور.
ويختلف “مدفع الإفطار” بالإمارات عن غيره من مدافع الإفطار بالدول العربية، إذ تم نشر مدافع الإفطار في المناطق السياحية وبين معالم الإمارات، ومنها برج خليفة، ومدينة جميرا السياحية في دبي، وكورنيش البحيرة في الشارقة.
وفي ليالي رمضان، تقبل العائلات على التسوق في المراكز التجارية التي تفتح أبوابها في الشهر المبارك حتى الساعات الأولى من الصباح، ليتمكن زوارها من التسوق وشراء احتياجاتهم من الملابس والمأكولات، مستفيدين من التخفيضات الرمضانية الواسعة.
وتتميز مراكز التسوق في الإمارات بأنها تطلق عروضا لجذب المتسوقين، منها عروض موسيقية تصاحب المتسوقين، وخصومات واسعة على السلع، وجوائز كبرى للمشترين.
وتنظم دبي “سوق رمضان الكبير” الذي يقدم العديد من العروض والتخفيضات الكبرى التي تناسب جميع أفراد العائلة، ويمكن للأطفال الاستمتاع بمدينة الألعاب المخصصة لهم بينما يستمتع الأهل بالضيافة الإماراتية المقدمة للزوار من التمر والقهوة العربية.
ومن التقاليد الرمضانية التي تنتشر في أنحاء الإمارات، تقليد المجالس حيث تستضيف الشخصيات العامة، والمشاهير جموع الإماراتيين وغيرهم من أبناء الجنسيات المقيمة في الإمارات، في صالونات المنازل لمناقشة قضايا اجتماعية وحياتية، ومن أشهر تلك المجالس، مجلس الفريق ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي، الذي يستضيف علماء وخبراء وباحثين لمناقشة قضايا أمنية وتعليمية واجتماعية واقتصادية.
وتنظم دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري مجالس (رمضان دبي)، بمشاركات شبابية، لإثراء الحوار بين أبناء الدولة، وتتناول المجالس موضوعات “الإسلام واستشراف المستقبل”، و”الاستقرار الأسري”، و”رمضان زمان”، وقد تم تخصيص مجالس خاصة للسيدات.
ويقول مدير عام دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري حمد الشيباني إن المجالس تتيح للشباب التعرف على خبرات الكبار واستحضار قيم الآباء والأجداد وغرسها في نفوس الأجيال الحالية. أما “بنك الإمارات للطعام” فهو إحدى أهم المبادرات الخيرية التي تتجسد من خلالها روح العطاء خلال شهر رمضان.
وينظم البنك ثلاث مبادرات خيرية خلال الشهر الكريم، بالتعاون مع عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة، أولاها توفير وجبات السحور، ضمن مبادرة “سحوركم علينا” والتي تتضمن توزيع 500 وجبة سحور يومية، إضافة إلى توزيع 1200 وجبة سحور يومية على سائقي الحافلات في هيئة الطرق والمواصلات وعمال البلدية.
وعلى مستوى الرياضة، تشهد مناطق الرياضة العامة على شواطئ البحر وفي الحدائق العامة تزاحما من مختلف الجنسيات والأعمار لممارسة الرياضة بعد الإفطار وحتى السحور، في حين تقام العديد من الدورات الرمضانية خلال ليالي الشهر المبارك، لتتيح للشباب التنافس في مسابقات رياضية بجوائز كبرى، ومن أبرز تلك الدورات بطولة (ناس) التي تتيح للأفراد العاديين المشاركة والتنافس في العديد من الألعاب وتستضيف النجوم الرياضيين في مختلف الرياضات من المنطقة والعالم. وتشهد الإمارات خلال شهر رمضان المبارك، مسابقة “جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم” والتي توصف بأنها أكبر مسابقة دولية للقرآن الكريم بالعالم، من حيث عدد المشاركين، وحجم الجوائز المالية.
وتجذب المسابقة أنظار عشرات الآلاف من المسلمين حول العالم، لمتابعة فعالياتها التي تبث على الهواء مباشرة كل ليلة عبر القنوات الفضائية الإماراتية ومواقع الإنترنت، بينما يحضر جلسات الاستماع للقرآن، والتي تقام في أحد أكبر مسارح دبي، الآلاف من الحضور من مختلف الجنسيات العربية والآسيوية والأفريقية.
"سنيمجلس" فعالية تقام في دور سينما بدبي، وتتيح للعائلات مشاهدة أحدث الأفلام أثناء الجلوس على مائدة الإفطار
ويقول أحمد الزاهد عضو اللجنة المنظمة للجائزة، ورئيس وحدة الإعلام، إن الجائزة تتميز عن غيرها من المسابقات القرآنية بالمشاركة الكبيرة في منافساتها، حيث تستقبل مشاركين من حفظة كتاب الله من 90 دولة، يتم ترشيحهم رسميا من بلدانهم أو من المراكز الإسلامية التي يتبعون لها.
وقد شاركت ضمن فعاليات الدورة الثالثة والعشرين للمسابقة خلال شهر رمضان الجاري، 88 دولة وجالية مسلمة من مختلف دول العالم، وينال الفائزون جوائز مالية كبرى يصل مجموعها إلى مليون درهم (الدولار يعادل 3.67 درهم.)
ويشير الزاهد إلى أن فعاليات الجائزة، تعد أمسيات رمضانية روحانية جاذبة للعائلات من مختلف الجنسيات الناطقة بالعربية وغير العربية، إذ يزدحم المسرح برجال ونساء وأطفال ينتمون إلى دول أفريقية مثل النيجر وبوركينا فاسو وموزمبيق، وآخرون ينتمون إلى دول آسيوية مثل تايلاند وماليزيا والهند، كما تستقطب عائلات مسلمة من السويد وألمانيا وكندا والولايات المتحدة الأميركية، وهي عائلات تجد متعتها خلال شهر رمضان في الاستماع لتلاوات عذبة من القرآن الكريم.
وتتجه العديد من الجاليات الأفريقية والآسيوية والعربية نحو المساجد التي تنظم محاضرات ودروسا دينية يقدمها نخبة من القراء والعلماء الذين تستضيفهم الإمارات. ويحيي العلماء ورجال الدين ليالي الشهر الكريم بإلقاء المحاضرات في المساجد والمؤسسات المجتمعية، ويثرون أيام رمضان بتثقيف جمهور الصائمين حول المناسك والأمور الفقهية، ومناقشة موضوعات إيمانية وفكرية متعددة.
وفي دبي، يتحول مركز “الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتواصل الحضاري” إلى مزار كبير للعائلات والسائحين خلال شهر رمضان، حيث يقدم أنشطة متنوعة تعرف الزائر بثقافة الإمارات وعاداتها.
ويتجول الزائرون بين معارض منتشرة بأنحاء الإمارة تعرفهم بأنواع المصحف الكريم، ومنها معرض “رمضان دبي” الذي يسلط الضوء على العادات والتقاليد في مختلف الثقافات.
وتنظم هيئة دبي للثقافة، معرض “قرآن تيك” للتعريف بتقاليد شهر الصيام وقيمه النبيلة بأسلوب تفاعلي مميز، بأحدث التقنيات.
ويمكن للزوار إبداع الخط المفضل لديهم لآيات من الذكر الحكيم في هذا المعرض التقني، واختيار خمس آيات من القرآن الكريم تتحدث عن فضائل التسامح، يمكن رؤيتها بأربعة أنواع من الخطوط والزخرفات، مع الترجمة إلى ست لغات.