فرق العمل الدفاعية المشتركة خطوة لتعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي

توسيع نطاق الشراكات صار ضرورة ملحة في ظل تصاعد التهديدات.
الاثنين 2024/05/27
تحديات مشتركة

لا يزال مناخ عدم الثقة عاملا مربكا للمزيد من تعزيز العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. ومع تصاعد التهديدات في المنطقة لا تزال واشنطن مترددة في تعاون دفاعي أكبر مع حلفائها في المنطقة وهو ما جعل دول المنطقة تعتبر ضمنيا أن واشنطن حليف لا يمكن الاعتماد عليه وبالتالي وجدت نفسها مضطرة إلى البحث عن فضاءات أخرى لضمان أمنها.

واشنطن - يرى محللون أن إنشاء فرق عمل دفاعية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة من شأنه تعزيز التعاون الأمني في منطقة الشرق الأوسط المتغّيرة، بدءا من تنسيق إستراتيجيات مشتريات الأسلحة وتحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية إلى وضع الإطار الدبلوماسي الصحيح.

وفي الثاني والعشرين من مايو، اجتمع قادة مدنيون وعسكريون من الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في مقر المجلس في العاصمة السعودية الرياض ضمن فريقي عمل: الأول يركّز على شؤون الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل والثاني على شؤون الأمن البحري.

ويعقد الفريقان الاجتماعات منذ عدة سنوات، أوّلها الاجتماع الذي انعقد في أعقاب قمة كامب ديفيد في عام 2015 مع شركاء من دول مجلس التعاون الخليجي وآخرها في عامي 2022 و2023.

ويقوم تنظيم هذين الفريقين على مبدأ واضح وهو أن الأمن الإقليمي الحقيقي يتطلب تعاونا متعدد الأطراف.

بانخفاض معايير العدوان الإيراني يبدو أنه صار لزاما أن يتم تفعيل النقاشات حول آليات الدفاع متعدد الأطراف

وتقول دانا سترول، نائبة وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط من 2021 إلى 2023، في تقرير نشره معهد واشنطن إن واشنطن على الرغم من أنها تتمتّع بشراكات أمنية ثنائية قوية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إلا أن ضرورة توسيع نطاق هذه الشراكات أصبحت واضحة بشكل متزايد بالنظر إلى تطوّر التهديدات المشتركة التي تتجاوز الحدود والمجال الجوي السيادي والحدود البحرية.

وقد ركزت الاجتماعات المتتالية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي على إيران باعتبارها التهديد الأكثر إلحاحا، وناقشت الخطوات اللازم اتخاذها لتعزيز دفاعها المشترك من خلال زيادة مشاركة المعلومات، ومزامنة المشتريات العسكرية، وبناء الثقة بين صناع القرار السياسي والعسكري.

إلا أنه يجب تسريع هذه الجهود نظرا للاختلاف الكبير الحاصل في البيئة الإستراتيجية المحيطة بالاجتماع الحالي المنعقد في أعقاب الاعتداء الإيراني على إسرائيل في الثالث عشر من أبريل في عملية معقّدة شملت إطلاق المئات من الطائرات المسيّرة الهجومية أحادية الاتجاه، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية عبر المجال الجوي السيادي لدول أخرى من أجل الوصول إلى إسرائيل.

ويُعدّ قرار إيران باستعارة قواعد اللعبة التي تتّبعها روسيا ضد أوكرانيا تغييرا إستراتيجيا في مجرى الأمور.

وسبق أن حذّر مسؤولون أميركيون من تداعيات توطيد التعاون الدفاعي بين إيران وروسيا منذ عام 2022، ومن بينها خطر انتقال تكتيكات موسكو التي تزداد فتكا إلى الشرق الأوسط.

ولم تكتف طهران بالتخلي عن إستراتيجيتها التي تعتمدها منذ عقود والمتمثلة في إظهار القوة عن طريق الوكلاء والاستعاضة عنها بشنّ هجوم ضد دولة أخرى، بل أعلنت أيضا مسؤوليتها عنه.

ولذلك، مع انخفاض معايير العدوان الإيراني واسع النطاق على ما يبدو، يتعين على المسؤولين الأميركين وأولئك من دول مجلس التعاون الخليجي بث حيوية جديدة في نقاشاتهم حول الدفاع متعدد الأطراف.

ومن حسن الحظ أن الهجوم الإيراني شكّل أيضا دليلا على نجاح التعاون الأمني متعدد الأطراف. فقد اعترض تحالف من قوات أميركية وعربية وأوروبية وإسرائيلية كافة الطائرات المسيّرة والصواريخ تقريبا، في حين أفادت بعض التقارير بأن دولا أخرى قدّمت إنذارا مبكرا ومعلومات استخباراتية أخرى حول الأعمال الإيرانية.

وقد تم تحقيق هذا الجهد متعدد الدول بفضل العمل الذي بذلته الولايات المتحدة على مدى سنوات لتنظيم الحلفاء والشركاء لاتخاذ خطوات لبناء الثقة مثل مشاركة المعلومات الاستخبارية وإجراء التدريبات العسكرية المشتركة.

فرق مشتركة
فرق مشتركة

وبالنظر إلى هذا الحدث المهم، يتعين على القوات المسلحة الأميركية وتلك التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي اغتنام هذه اللحظة الإستراتيجية وإصدار بيان مشترك تفيد فيه بالتزامها المستمر بالأمن متعدد الأطراف وتعلن عن خطوات متابعة تهدف إلى تعزيز مشاركة المعلومات وتنسيق شراء المعدات.

ويجب على واشنطن أيضا أن توضح لهؤلاء الشركاء أنه بإمكانهم أن يتوقعوا المستوى نفسه من الدعم الدفاعي في حال تعرّضهم لهجوم مباشر من إيران.

ولطالما سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون الأمني متعدد الأطراف في الشرق الأوسط، الأمر الذي أدى إلى التحوّل النموذجي الأخير في دور الولايات من “الضامنة الأمنية” إلى “الدامجة الأمنية”.

ومن الناحية العملية، تم تنفيذ هذا التحوّل من خلال جهود الدبلوماسية الدفاعية لبناء التحالفات والتدريبات العسكرية لتحسين إمكانية التوافقية بين الشركاء والإصلاحات في مجال المبيعات العسكرية لتلبية احتياجات الشركاء بسرعة أكبر.

وقد ساهمت ثلاثة عوامل في تسريع هذا الدمج، وهي: 1- التقدم التكنولوجي السريع الذي جعل تبادل المعلومات والاستثمار في الأجهزة أسرع وأرخص كلفة، و2- اتفاقيات أبراهام وانتقال إسرائيل إلى محفظة “القيادة المركزية الأميركية” اللذين سهّلا العلاقات الرسمية وغير الرسمية في جميع أنحاء المنطقة، و3- توصّل المزيد من الحكومات إلى نتيجة مشتركة مفادها أن إيران تشكّل التهديد الأكثر إلحاحا في المنطقة.

وبناء على ذلك، فإن فريقي العمل اللذين اجتمعا في الرياض الأسبوع الماضي انطلقا من أساس قوي من التعاون، ولكن عليهما في الوقت نفسه ألا يسمحا لنجاحاتهما بأن تحجب الحاجة الملحّة إلى تحقيق المزيد من التقدم.

ولمواصلة تحسين التعاون الأمني متعدد الأطراف، يتعين على واشنطن اتخاذ الخطوات التالية:

* إيصال الرسالة الصحيحة: لضمان استمرار الالتزام العربي، يجب على صانعي السياسات عرض التحالف على أنه دفاعي بطبيعته بشكل دائم. ففي أعقاب الهجوم الذي شنّته إيران في الثالث عشر من أبريل، اعتبر العديد من المحللين أن الردّ متعدد الأطراف مؤيّد لإسرائيل ومعاد لإيران.

توسيع نطاق الشراكات أصبح واضح بشكل متزايد
توسيع نطاق الشراكات أصبح واضح بشكل متزايد

وذهبت إسرائيل إلى حد اقتراح تشكيل تحالف إقليمي رسمي ضد إيران، بينما أشار أحد أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي إلى ضرورة بقاء هذا التحالف على أهبة الاستعداد لشنّ أعمال هجومية إذا لزم الأمر. إلا أنّ هذه اللهجة لن تؤدي إلا إلى إضعاف اهتمام الشركاء العرب في اتخاذ المزيد من الخطوات. فلدى كافة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تقريبا علاقات دبلوماسية مع إيران، وقد دعت هذه البلدان مرارا وتكرارا إلى وقف التصعيد الإقليمي. وبالتالي، فإنها لن تؤيد أي بيانات أو سياسات أو إجراءات تعتبرها تصعيدية، ويرجع ذلك جزئيا إلى المخاوف من احتمال شنّ إيران هجمات سيبرانية، أو هجمات ميليشياوية من خلال وكلائها، أو أشكال أخرى من الانتقام المباشر أو غير المباشر ضدها.

* معالجة أزمة الثقة: على الرغم من أن الثالث عشر من أبريل أظهر ما يمكن تحقيقه بالقدرات العسكرية الأميركية ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، إلّا أن الشركاء في مجلس التعاون الخليجي ما زالوا يتساءلون عما إذا كانت واشنطن مستعدة لاستثمار موارد وقيادات مماثلة للدفاع عنهم.

وردا على ذلك، يجب على المسؤولين الأميركيين الإشارة إلى مظاهر الالتزام الأخيرة، لاسيما عملية “حارس الازدهار”، وهي المهمة متعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة في البحر الأحمر والتي تهدف إلى توفير المراقبة وتبادل المعلومات مع تسليط الضوء على التصميم الإستراتيجي الدولي لحماية حرية الملاحة والتدفق التجاري في المنطقة.

* تنسيق إستراتيجيات الاستحواذ: تواصل العديد من وزارات الدفاع العربية شراء الأنظمة العسكرية من مزيج من الموردين الأميركيين والأوروبيين والصينيين وغيرهم. ومع ذلك، فقد اتخذت واشنطن موقفا واضحا تجاه دمج أنظمة الدفاع الجوي الصينية أو الروسية مع المعدات الأميركية.

وبالتالي، إذا أرادت جيوش دول مجلس التعاون الخليجي الحصول على نظام للدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، فيجب عليها الالتزام بشراء أنظمة أميركية أو اقتناء أنظمة من مصادر موثوقة أخرى.

وعلاوة على ذلك، لدى كل دولة من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي حاليا إستراتيجية خاصة للاستحواذ على أنظمة الدفاع، مع وجود تفاوت في درجات الالتزام بالدفاع الجوي.

ولكن لتعزيز إنشاء بنية أمنية إقليمية، يتعين على الولايات المتحدة تشكيل فريق عمل فرعي مع الدول الأعضاء لتقييم قدراتها الحالية، وتقديم التوصيات بشأن إستراتيجية استحواذ إقليمية لتحقيق تكافؤ الفرص، وإصدار التوصيات بشأن وضع أجهزة الاستشعار لضمان أقصى قدر من التغطية الإقليمية، وصياغة خطة مشتريات وتمويل متعددة السنوات.

وعلى واشنطن أيضا أن تستعدّ لتسهيل أي مبيعات عسكرية خارجية من شأنها تعزيز هذه البنية الأمنية المشتركة.

تواجد أميركي مكثف

* تحسين تبادل المعلومات: تقدّم الولايات المتحدة حاليا التحذيرات والبيانات حول التهديدات الجوية وغيرها من المعلومات الاستخباراتية العسكرية لشركائها في الشرق الأوسط من خلال منشآت مثل “مركز العمليات الجوية المشتركة” في “قاعدة العديد الجوية” في قطر.

وتتمثل الخطوة التالية في مشاركة هذه المعلومات في الوقت الفعلي، الأمر الذي يتطلب من الدول الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي” تنسيق اتفاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف لمشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة ومع بعضها البعض أيضا. بالإضافة إلى ذلك، يتعين عليها الاستثمار في أنظمة تواصل آمنة قادرة على إتاحة مشاركة المعلومات متعددة الأطراف في الوقت الفعلي، مع ضمان عدم قدرة الخصوم على تعريض الشبكة للخطر.

وتُعتبر هذه الخطوات ممكنة من الناحية الفنية حاليا. ويتطلب قرار اتخاذها من صناع القرار في مجلس التعاون الخليجي أن يسمحوا بمثل هذه المشاركة مع الولايات المتحدة ومع بعضهم البعض.

* دعم التقدم التدريجي: تتمثل البنية الأمنية الأكثر فعالية من حيث العمليات في إنشاء منطقة متكاملة كليا تتقاسم فيها الولايات المتحدة وإسرائيل والشركاء العرب المسؤوليات والقدرات الدفاعية مع دول حليفة أخرى تشاركها الفكر نفسه مثل بريطانيا وفرنسا.

ويوفّر نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي متعدد الطبقات والفعال، والسجل الإسرائيلي طويل الأمد من التعاون مع “وكالة الدفاع الصاروخي” الأميركية أساسا مهما لهذه الجهود الرامية إلى تحقيق دفاع جوي وصاروخي متكامل أوسع نطاقا. إلا أن في ظل البيئة الحالية للعمليات الإسرائيلية في غزة، ليست جميع العواصم العربية على استعداد للتطبيع مع إسرائيل أو حتى العمل مع جيشها وراء الكواليس.

ولذلك، تشكّل فرق العمل المشتركة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي آلية جوهرية لإبقاء التركيز على الدفاع الجوي والأمن البحري حتى في خضمّ الأزمات الإقليمية.

6