فرصة لاقتناء قطعة من التاريخ

هناك أكثر من دافع وراء استعداد أحدهم لمد يده داخل جيبه دون تردد وسحب مبلغ قد يصل إلى 200 ألف دولار أو أكثر لاقتناء عمل فني أنجزه روبوت باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي. ليس من بين هذه الدوافع قيمة العمل الفني ذاته.
سبق لجامعي الأعمال الفنية أن دفعوا مبالغ تفوق هذا الرقم لاقتناء أعمال من إنجاز روبوت.
أول لوحة أنجزها الذكاء الاصطناعي عام 2018 وتم بيعها هي لوحة “إدموند دي بيلامي”. اللوحة تصور رجلاً يرتدي قميصًا أسود وياقة بيضاء، وهي جزء من سلسلة من الصور تُسمى عائلة بيلامي وتبدو أقرب إلى دراسة أولية تذكر إلى حد كبير بالفنان رامبرانت. أنتجتها مجموعة فنية فرنسية تُدعى “Obvious” باستخدام شبكة عصبية توليدية تنافسية (GAN).
◄ مقتنو الأعمال الفنية غالباً ينيبون عنهم خبراء لشراء الأعمال المطروحة للبيع بالمزادات، لتنقل هذه المقتنيات إلى غرف مجهزة بعناية فائقة، يقفل عليها إلى أن يأتي يوم تعرض فيه مرة ثانية وثالثة ورابعة في مزادات أخرى
اللوحة التي حققت سعراً يعتبر خرافياً بالنسبة لقيمتها الإبداعية (432,500 دولار)، أهم ما يميزها أنها واحدة من أوائل الأعمال الفنية التي تم إنشاؤها بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي وأول لوحة تباع في مزاد علني.
هناك روبوتات عديدة خاضت تجربة الإنتاج الفني، وقد يكون الروبوت “آي-دا” أشهرها. تم تطوير الروبوت من قبل فريق من جامعتي أكسفورد وبرمنغهام بقيادة آيدان ميلر، وهو صاحب صالات عرض فنية ومؤسس “آي-دا روبوت ستوديو”. وسميت “آي-دا” على اسم عالمة الرياضيات البريطانية آدا لوفليس التي تعتبر أول مبرمجة حاسوب في التاريخ وواضعة القواعد الأساسية للغات البرمجة الحديثة.
تم الكشف عن الروبوت لأول مرة في فبراير 2019، ومنذ ذلك الحين، شارك في العديد من المعارض الفنية حول العالم.
يُعدّ هذا الروبوت فائق الواقعية، من أكثر الروبوتات تقدماً في العالم. ولديه أذرع إلكترونية ويمنحه وجهه، المُحاط بشعر بني مستعار، تشابهاً كبيراً مع الإنسان.
وهدف القائمون على المشروع إلى استكشاف العلاقة بين الفن والتكنولوجيا، وتشجيع النقاش حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الإبداع البشري.
اليوم تعود “آي-دا” إلى الأخبار مع إعلان دار سوذبيز للمزادات عن عرض لوحة من إنجازها للبيع. وتُقدّر قيمة اللوحة التي تصور أحد آباء الحوسبة الحديثة، عالم الرياضيات الإنكليزي آلان تورينغ، وتحمل اسم “A.I. God” (إله الذكاء الاصطناعي) بسعر يتراوح بين 100 ألف و150 ألف جنيه إسترليني (130 ألف دولار إلى 195 ألفاً).
وتحيل اللوحة التي تمثل وجهاً بألوان داكنة، إلى مخاوف آلان تورينغ حول استخدام هذه التكنولوجيا، و”تستمر في التساؤل عن المدى الذي ستأخذنا إليه قوة الذكاء الاصطناعي”، وفق ما أكد مبتكر الروبوت أيدان ميلر.
وفي عام 2022، أصبحت “آي-دا” أول روبوت يتحدث أمام مجلس اللوردات البريطاني. خلال كلمتها، تناولت عدة نقاط رئيسية حول تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على الإبداع والفنون البشرية وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تطوير الفنون، ولكنها في نفس الوقت أثارت تساؤلات حول الأصالة والإبداع، وأكدت أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة قوية لتعزيز الإبداع، مشددة على ضرورة الحفاظ على التوازن بين الابتكار التكنولوجي والقيم الإنسانية.
وتطرقت أيضاً إلى التحديات الأخلاقية التي يواجهها المجتمع مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، بما في ذلك الفنون.
لن يكون مستغرباً مع الشهرة التي اكتسبتها “آي-دا” أن يتجاوز السعر النهائي اللوحة التي ستعرضها دار سوذبيز الرقم المقدر لها بكثير.
وكانت “آي-دا” قد علقت في تصريح لها حول رسومها: “من خلال أعمالي لآلان تورينغ، أحيي ذكرى إنجازاته ومساهماته في تطوير الحوسبة والذكاء الاصطناعي”.
والسؤال الذي يساوي ألف سؤال: لو كان لدي المبلغ المطلوب، هل سأمد يدي إلى جيبي وأخرج النقود أو أكتب شيكاً بهذه القيمة لأقتني العمل؟
بالتأكيد كنت سأفعل ذلك وأنا أشعر أني دفعت رقماً متواضعاً مقابل حجز مكان يذكرني به الناس بصفتي واحداً من قلة كانت محظوظة باقتنائها عملاً من إنجاز الروبوت “آي-دا”.
ولكن، إن لم تكن قيمة العمل الفنية هي السبب لدفع مثل هذه الأرقام، فما هو السبب والدافع وراء ذلك؟
عندما تقتني عملاً فنياً، أنت تشتري جزءاً من التاريخ، وتشتري جدلاً فلسفياً أثير حول العمل، وتشتري أيضاً تأثيرات هذا العمل على الثقافة والاقتصاد والمجتمع. والأهم من ذلك كله، أنت تشتري عملاً تعتقد أن قيمته المادية ستتضاعف بمرور الوقت.
هناك حقيقة قد لا يعرفها كثيرون، وهي أن مقتني الأعمال الفنية غالباً ينيبون عنهم خبراء لشراء الأعمال المطروحة للبيع بالمزادات، لتنقل هذه المقتنيات إلى غرف مجهزة بعناية فائقة، يقفل عليها إلى أن يأتي يوم تعرض فيه مرة ثانية وثالثة ورابعة في مزادات أخرى.