فتيات من غزة يقبلن على رياضة الطموحات والتحديات

تستهوي رياضة الفنون القتالية العديد من الفتيات في غزة لأسباب تتعلق بالدفاع عن النفس ومواجهة التحرش وكذلك للصحة البدنية، إلا أن دخولهن لممارسة الفنون القتالية يواجه تحديات اجتماعية، كون الألعاب القتالية خاصة بالذكور، كما أن آفاق المشاركات الدولية يعرقلها الحصار الإسرائيلي للقطاع.
غزة (فلسطين) - تتجهز الشابة رفيف إسليم في حلبة للملاكمة بمدينة غزة لمواجهة إحدى زميلاتها ضمن جولة تنافسية تدريبية غير مألوفة لدى أهالي القطاع. وبدأت إسليم (24 عاما) بتوجيه لكمات بينما تحاول زميلتها صدها، لتنجح بعد نحو دقيقة في قلب موازين المواجهة وتبدأ بتوجيه لكمات.
ولعدة دقائق استمرت جولة التنافس وسط أجواء حماسية وتصفيق المشاهدين وهم أعضاء في أول فريق نسائي للملاكمة تم تشكيله قبل شهور في غزة تحت إشراف اتحاد الملاكمة الفلسطيني.
وهذه الجولة التنافسية أُقيمت داخل صالة اللجنة الأولمبية الفلسطينية في غزة التي تم فيها تصميم حلبة مختصة بالملاكمة طبقا للمعايير والمواصفات الدولية وتُقام عليها باستمرار تدريبات وجولات تنافسية.
وتُجرى تلك التدريبات والمنافسات تحت إشراف مدربين ومدربات يجتهدون ليلا نهارا لتطوير قدرات الفريق وتأهيله ليكون قادرا على خوض المنافسات العربية والدولية. وخلال السنوات الماضية بدأت نساء في غزة بممارسة ألعاب رياضية متعددة أبرزها كرة القدم وكرة السلة والكاراتيه وأخيرا الملاكمة.
وقررت اللاعبة فرح أبوالقمصان خوض غمار الرياضة القتالية من بوابة الملاكمة، بعد أن شاهدت مباريات لهذه اللعبة على شبكة الإنترنت، وقالت “أتابع على الإنترنت ملاكمين مثل البطل محمد علي كلاي ومايك تايسون، يجب مشاهدة مبارياتهم لأن طريقة أدائهم صحيحة، هم دائما الفائزون”.
وتقول الملاكمة ريتا أبورحمة إن “غالبية الناس يعتقدون أننا نقوم بشيء غير صحيح، وأننا نتخطى العادات والتقاليد، لكن بالنسبة إلي ولأهلي والمجتمع القريب مني، فإن الأمر طبيعي، وأهلي يدعمونني”.
وتضيف ريتا ابنة العشرين عاما “بعد أن شاهدت صديقاتي المباريات أعربن عن رغبتهن في الانضمام إلى هذه الرياضة”، مستطردةً “لا توجد رياضة للشباب وأخرى للبنات، الذكور والإناث يستطيعون ممارسة أي رياضة يرغبونها”.
مشاركة النساء الغزيات في الرياضة القتالية تعتبر متنفسا مهما لهن في ظل ما يعشنه من ظروف حياتية صعبة
وتقول شهد أيوب (15 سنة) إنها كانت تتابع بطولات الملاكمة عبر يوتيوب قبل أن تقرر خوض غمار تجربة اللعب، وقد واجهت معارضة شديدة من الوسط المحيط، وبخاصة أن قطاع غزة معروف بمغالاته في العادات والتقاليد التي تحول دون ممارسة النساء للكثير من الرياضيات.
وأضافت “عندما سمعت عن افتتاح مركز أولمبيك للملاكمة قررت التسجيل بموافقة والدي، ورغم اعتراض أحد إخوتي ونقد المجتمع الذي ينظر إلى هذا النوع من الرياضة على أنها رياضة ذكورية، لكني لم أهتم لذلك”.
ودخلت ابتسام نصر رياضة الملاكمة قبل فترة كلاعبة، وبعد تميز واضح في الأداء تحولت إلى مدربة.
وقالت نصر “دخولي إلى عالم الملاكمة زاد من ثقتي بنفسي ومكنني أكثر من مواجهة أي صعوبات يمكن أن تظهر داخل المجتمع”، مضيفة “كنت من بين المشرفين على أول فريق نسائي للملاكمة في فلسطين، ولاحظت مع بداية انطلاقه قبل عدة شهور إقبالا جيدا رغم كل الانتقادات المجتمعية”. وأفادت بأنه تم اختيار أعضاء الفريق بعناية واضحة وبحسب معايير خاصة من فئات عمرية متعددة.
ولدى المدربة نصر ورفيقاتها داخل الفريق طموح وإصرار على الوصول إلى العالمية في الملاكمة وتمكين نساء غزة من الرياضات كافة. وأوضحت أن ذلك يأتي “لأجل مساعدة كثير من النساء على مواجهة صعوبات الحياة وأي تهديدات أو تحرش يمكن أن تواجههن سواء بالشارع أو بالمنزل”.
ورفقة فتيات ونساء الملاكمة، تأمل نصر أن تتمكن في وقت قريب من توسيع أنشطتهن محليا وإقليميا وأن يتمكن من رفع اسم فلسطين عاليا. وحاليا، يضم فريق الملاكمة النسائي في غزة نحو 40 منتسبة تتراوح أعمارهن بين 14 و45 عاما، بحسب القائمين عليه.

وتخضع جميع المنتسبات لتدريبات على اللياقة البدنية وفنون الملاكمة لعدة أيام أسبوعيا كما يخضن جولات تنافسية. وعام 2017 بدأت فكرة تدريب الفتيات على الملاكمة على يد المدرب الفلسطيني أسامة أيوب الذي خصص لتطبيق فكرته مكانا داخل منزله. وقال أيوب إنه استهدف بتدريباته حينها الفتيات في عمر أقل من 17 عاما، وكان عدد المنتسبات في فريقه حوالي 40 فتاة في بداية تأسيسه وانطلاقه.
ووجد أيوب في محيطه إقبالا وتشجيعا للفكرة، ما دفعه إلى التفكير في تنفيذ تدريبات خارجية للفتيات أمام أعين الناس. وشرع المدرب بإقامة لقاءات وعروض على شاطئ بحر غزة وفي أماكن مفتوحة أخرى ولاقى استحسانا من عامة الناس، وفق قوله. وتابع أنه قبل سنوات تمكن من إقامة بطولة للملاكمة النسائية على مستوى غزة شاركت فيها العشرات وغطتها وسائل إعلام عديدة.
وأضاف أيوب أن “تراكم الخبرة والتجربة دفعنا في الاتحاد الفلسطيني للملاكمة إلى التفكير في إنشاء فريق نسائي لتلك الرياضة، وبالفعل فتحنا باب الانتساب واستقطبنا شابات ونساء من فئات عمرية أكبر”.
ويعتبر المدرب الفلسطيني مشاركة النساء الغزيات في الرياضة متنفسا مهما لهن في ظل ما يعشنه من ظروف حياتية صعبة وضغوطات من كافة النواحي. وتعاني لعبة الملاكمة كباقي الرياضات في قطاع غزة من ضعف في الإمكانيات المادية لجهة توفر الصالات الرياضية وتقديم الدعم للرياضيين المتفوقين.

وعن الصعوبات التي تواجه فريق الملاكمة النسائي، يقول أيوب “نحن ناد أولمبي للملاكمة، غياب الإمكانيات يعتبر من أهم العقبات”. ويضيف أن كل هذه التدريبات والمباريات مؤسسة على “جهد شخصي”.
وأشار أيوب إلى أن “نظرة المجتمع المنتقدة للملاكمة النسائية هي العائق الأول، إضافة إلى الاهتمام الرسمي وغير الرسمي الحقيقي بالرياضة النسائية”. وأردف “كما أن الاحتلال الإسرائيلي يقف عائقا في وجه مشاركتنا الإقليمية والدولية ويمنعنا من الاستفادة من الخبرات الخارجية”.