فتوحات الذكاء الاصطناعي.. عندما يتحد الروبوت بالبشر

ثورة صناعية رابعة تدمج هويتنا المادية والرقمية والبيولوجية.
الجمعة 2022/08/26
بيتر.. الإنسان السايبورغ، رحلة عالم في استخدام معرفته للنضال من أجل حياته

يدور جدل كبير، لا يقتصر على الأوساط العلمية، حول الذكاء الاصطناعي وهل يمكن أن يسيطر في النهاية على البشر. وينقسم الناس في الإجابة، ولكن مؤخرا ظهر رأي ثالث يقول ليس بالضرورة أن ينتهي الأمر بغالب ومغلوب، بل بسايبورغ يتحد فيه الإنسان مع الروبوت.

لندن - في مطلع ستينات القرن الماضي ظهر مصطلح "السايبورغ" لأول مرة، ويعني دمج أجهزة اصطناعية في الجسد البشري؛ بهدف تعزيز قدراته وتحسين وظائفه للعمل في البيئات المختلفة.

ومنذ ذلك الحين، مثَّلَ توصيل الأجهزة الاصطناعية بالأنسجة البشرية تحدِّيًا كبيرًا؛ إذ أن المواد التي تُستخدم بشكل تقليدي في تلك المهمة - كالذهب والسيليكون والحديد - تُسبب ظهور التهابات وندبات تشوِّهُ الجسد عند زرعها، كما أنها تعوق أيضًا تدفق الإشارات الكهربائية بين أجهزة التحكم - كالكمبيوتر - والعضلات أو أنسجة المخ.

ووفق دراسة تم نشرها خلال المؤتمر الافتراضي للجمعية الأميركية للكيمياء اكتشف العلماء مادةً حيويةً اصطناعية رائدة، يزعمون إمكانية استخدامها لدمج الذكاء الاصطناعي مع الدماغ البشري، وتُعد تلك المادة "خطوة رئيسية" لدمج الإلكترونيات مع الجسم البشري لإنشاء "سايبورغ" بشري.

بدأت الفكرة عندما حاول الباحثون ربط أقطاب كهربائية بالدماغ، واستخدموا مجموعةً من المواد الصلبة العضوية، إلا أنهم فشلوا فشلا تامًّا؛ لكون المخ يتكون في الأساس من مواد عضوية مالحة وحيوية.

وحين فشل الباحثون في توصيل تلك الأقطاب، بدأوا في البحث عن مواد إلكترونية عضوية تُستخدم في الأجهزة غير البيولوجية، ليجدوا نوعًا من البوليمرات، المعروفة باسم "بيدوت" (PEDOT) وتُستخدم في الأساس في صناعة طلاء مضاد للكهرباء الساكنة، تُطلى به الشاشات الإلكترونية. ووجد الباحثون أن تلك المادة مستقرة كيميائيًّا، ولا تسبب حدوث ندبات. ما يعني إمكانية استخدامها في الغرسات الطبية والأجهزة التكميلية بشكل جيد.

الإنسان السايبورغ

ديفيد مارتن: السايبورغ العصبي لم يعد حلمًا بعيد المنال على الإطلاق

وتقول الدراسة إن تلك المادة تتمتع بخصائص تؤهلها للاستخدام المتعدد. إذ أن لها قدرة كبيرة على تخزين الطاقة وتوصيل الكهرباء واختراق المواد المسامية، كما يُمكن استخدامها أيضًا كمحفز لنمو الأوعية الدموية، وللمساعدة في الإحساس، وعلاج اضطرابات الدماغ والجهاز العصبي. كما يُمكن ربطها أيضًا بالأجسام المضادة والحمض النووي.

من جهته، يقول ديفيد مارتن، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية، وعميد مشارك البحوث وريادة الأعمال بجامعة ديلاور، والمؤلف الرئيسي للدراسة إن لها أنسجة تشبه المواد البيولوجية من حيث النعومة والرطوبة. ولهذا يُمكن استخدامها أيضًا في مجموعة من الأجهزة الحالية والناشئة، مثل غرسات القوقعة الصناعية (لاستعادة السمع)، وغرسات الشبكية (الرؤية)، وأجهزة تحفيز ومراقبة القلب (لأمراض القلب)، والغرسات العصبية (للدماغ أو الأطراف).

ويقول مارتن "لطالما كنت مفتونًا بدمج الأنظمة البيولوجية والمكونات المُهندَسة. وحلمي هو استخدام البوليمرات الطبيعية المترافقة، كمادة الميلانين التي توجد في الشعر وبعض الأنسجة النشطة أيونيًّا مثل الأذن والدماغ، مع البوليمرات المُهندَسة، كالبيدوت، لجعل أجسادنا تعمل بشكل أفضل".

ويتابع "إن العلاقة بين الكيمياء والبنية الجسدية وخصائص المواد سيكون لها آثار عميقة في المستقبل، والسايبورغ العصبي لم يعد حلمًا بعيد المنال على الإطلاق. في الحقيقة السايبورغ ليس خيالا علميا، وإن بدأ خيالا في البداية".

في عام 2017 قرر الدكتور بيتر سكوت مورغان من ديفون، وهو عالم متخصص في الروبوتات، تحدي ما يعنيه أن تكون إنسانا عندما تم تشخيصه بمرض العصبون الحركي، واستبدل قدراته البدنية بمكافآت روبوتية بغرض إطالة عمره. ويعتبر مورغان الذي توفي منذ شهرين أول "إنسان سايبورغ" في العالم يتكون من مكونات عضوية وأخرى حيوية وثالثة إلكترونية وميكانيكية.

وتمكّن سكوت مورغان الحاصل على درجة الدكتوراه في علم الروبوتات من تطوير صورة رمزية تشبه الحياة بشكل لا يصدق ليبتسم ويعبر عن مشاعره عندما توقفت عضلات وجهه عن العمل. وأضاف العالم البريطاني صندوق صوت مزودا بعشرات الآلاف من الكلمات والجمل المسجلة قبل أن يعجز عن الكلام تماما، كما اعتمد على كرسي متحرك أكثر تطورا يسمح له بالوقوف والاستلقاء.

وأجرى أيضا عملية جراحية في العين بالليزر لتحسين بصره، مما يسمح له بالتحكم عن بعد في الجهاز باستخدام تقنية تتبع العين. وأعلن مورغان أنه أكمل انتقاله ليصبح أول إنسان آلي كامل في العالم، مطلقا على نفسه اسم "بيتر 2.0" عام 2019. وتتبع فيلم وثائقي بعنوان "بيتر: الإنسان السايبورغ" رحلة العالم في استخدام معرفته للنضال من أجل حياته وحياة ذوي الإعاقات عموما. وحينئذ قال مورغان "أردت أن أعيد ابتكار ما يعنيه أن تكون محاصرا في جسدك".

ماسك على الخط

تجربة مورغان مثلت حافزا للعديد من الشركات أبرزتها تلك التي يقودها أيلون ماسك
تجربة مورغان مثلت حافزا للعديد من الشركات أبرزتها تلك التي يقودها أيلون ماسك

بالتأكيد شكلت تجربة سكوت مورغان إلهاما وحافزا للعديد من الشركات والمؤسسات البحثية للعمل على تطوير التكنولوجيا لربط الأدمغة بأجهزة الكمبيوتر، وربما يكون الأقرب إلى تحقيق منتج تجاري هو رجل الأعمال أيلون ماسك من خلال شركته الرائدة "نيورولينك" التي تخطط للإعلان عن تفاصيل حول رقائق الدماغ التي يُمكن زرعها في الدماغ للمساعدة على تدفُّق البيانات والاحتفاظ بها. وسعيا منه لتحقيق حلمه يفكر رائد الأعمال التكنولوجي ماسك، في الاستثمار في شركة "سينكرون" (Synchron)، مطور شرائح الدماغ الذي يتنافس مع شركته المماثلة، "نيورولينك" (Neuralink).

وتقع "سينكرون"، ومقرها في مدينة نيويورك، على بعد عدة خطوات من "نيورولينك". وسبق لها أن تمكنت من الحصول على الموافقة التنظيمية لاختبار عمليات زرع الدماغ لدى البشر، مع تلقي الضوء الأخضر من إدارة الغذاء والدواء (FDA) العام الماضي. وقبل ذلك، أجرت جولة منفصلة من التجارب البشرية على أربعة أشخاص في أستراليا، وجمع بيانات قيمة للاختبارات المستقبلية.

وفي حين أن ماسك ألمح مرارا وتكرارا إلى اختبارات بشرية ستجريها "نيورولينك" في المستقبل القريب، إلا أنه لم يتم التصريح لهم بهذا الاستخدام ولا يُعرف أين تقف الشركة حاليا في العملية التنظيمية. وعلى عكس تقنية "سينكرون"، تتطلب تقنية "نيورولينك" إجراء عملية جراحية كبيرة تتضمن جروحا في الجمجمة، وربما يفسر هذا التقدم البطيء.

ولم تكن المحادثات بين ماسك و”سينكرون” هي المرة الأولى التي يتواصل فيها الملياردير مع شركة تكنولوجيا دماغ منافسة، بعد أن أجرى مناقشات مع شركة "بارادروميكس"   (Paradromics) في عام 2020، وفقا لرويترز. لكن تلك المفاوضات توقفت منذ ذلك الحين.

وعلى الرغم من النقص الواضح في التقدم مع المنظمين، فإن شركة "نيورولينك" هي أكبر بكثير، وتضم قائمة 300 موظف وتحصد ما يقرب من 363 مليون دولار من الاستثمارات منذ تأسيسها في عام 2016. ويوجد لدى "سينكرون"، التي تم إطلاقها في نفس العام، حوالي 60 عاملا وجذبت 65 مليون دولار من المستثمرين.

حجج أخلاقية

للشرائح قدرة على تغيير حياة الأفراد وعلى الرغم من أنها تبدو مخيفة فإنها ستخضع لنفس التطور الطبيعي لأدوات يمكن ارتداؤها

وتتوقع كاثلين فيليبس، نائبة رئيس قسم البحث والتطوير في مركز الإلكترونيات الدقيقة (IMEC)، أن تصبح تقنيات الزرع البشري قريبا سلعة، وفقا لمدونة نُشرت على موقع المنتدى الاقتصادي العالمي الأسبوع الماضي، موضحة أن هناك أسبابا "قوية" لشحن الأطفال باستخدام أجهزة تتبع المواقع.

تقنية الواقع المعزز وفق فيليبس "لديها القدرة على تغيير حياة المجتمع والأفراد" وعلى الرغم من أنها تبدو "مخيفة"، فإنها ستخضع لنفس "التطور الطبيعي" الذي يمكن ارتداؤه تقنيا. وتضيف "أجهزة السمع أو النظارات لم تعد تحمل وصمة عار. إنها إكسسوارات وتعتبر حتى عنصر أزياء. وبالمثل، فإن الغرسات ستتطور إلى سلعة".

وتعتقد فيليبس أن المجتمع المعزز أمر حتمي إلى حد ما وأن السؤال الحقيقي هو: كيف سيتم تنظيمه؟ فتقول “سيتم وضع حدود عمليات الزرع من خلال الحجج الأخلاقية بدلا من القدرة العلمية".

وكمثال على مثل هذا التنظيم "الأخلاقي"، تشير إلى مسألة ما إذا كان يجب غرس الأطفال بشرائح مايكروية أم لا؟ وكتبت "هناك أسباب قوية وعقلانية لذلك، مثل الأمان"، مشيرة إلى أنه بالنسبة إلى البعض قد يكون "جسرا بعيدا جدا". أما بالنسبة إلى من سيشرف على الأخلاقيات التي تحكم استخدام مثل هذه التقنيات، فإن فيليبس تنص على أنه "لا ينبغي التبشير بالأخلاق من برج عاجي أكاديمي".

وكتبت "يجب أن توجه المؤسسات الشاملة أو المستقلة صانعي السياسات والباحثين في المجتمع المعزز حول ما يجب فعله وما لا يجب عليه فعله، والمساعدة في بناء الإطار الأخلاقي للجوانب المجتمعية لتكنولوجيا الواقع المعزز".

وتقدم فيليبس أمثلة على مثل هذا التنظيم بالإشارة إلى مجلس أوروبا، الذي أطلق مؤخرا خطة عمل إستراتيجية للقضايا التي أثارها تطبيق التقنيات العصبية، وكذلك معهد "Rathenau"، الذي أسسته الحكومة الهولندية، والذي يقيّم تأثير التكنولوجيا على حياتنا.

وفي غضون ذلك، اقترح رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب، في وقت سابق، أنه سيكون هناك ما يسمى بـ"الثورة الصناعية الرابعة"، والتي "ستؤدي إلى اندماج هويتنا المادية والرقمية والبيولوجية".

12