فايروس كورونا يسبب انكماش أجزاء في المخ مرتبطة بحاسة الشم والذاكرة

"كوفيد الدماغ".. تغيرات تصيب المخ البشري عقب الإصابة بكورونا.
الخميس 2022/03/10
فقدان حاسة الشم أبرز أعراض كورونا

أكدت دراسة علمية حديثة تأثيرات فايروس كورونا على المخ، وقد تمثلت هذه التأثيرات في انكماش  كبير في كثافة المادة الرمادية في أجزاء المخ المرتبطة بالذاكرة وحاسة الشم، أو ما يعرف بكوفيد الدماغ. وقال الخبراء إنه منذ بداية جائحة كورونا لم يسلط الضوء على أيّ عارض أكثر من فقدان حاسة الشم، حيث يفقد نحو 96 في المئة من المصابين هذه الحاسة لديهم.

لندن – خلص باحثون في دراسة حديثة لهم إلى أن فايروس كورونا يلحق الضرر بأنسجة في المخ ويؤدي إلى انكماش أجزاء منه مرتبطة بحاسة الشم.

وذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن الدراسة التي أجرتها جامعة أوكسفورد، شملت فحص أمخاخ 785 مشاركا تتراوح أعمارهم بين 51 و81 عاما، خضعوا لتصوير بالرنين المغناطيسي قبل وبعد الإصابة بفايروس كورونا. وثبتت إصابة 401 شخص بالفايروس خلال الفترة ما بين الخضوع للرنين المغناطيسي الأول والثاني، من بينهم 15 شخصا دخلوا المستشفى.

ووفقا للعلماء، كشف تصوير الرنين المغناطيسي أن تأثيرات الفايروس على المخ شملت انكماشا أكبر في كثافة المادة الرمادية في أجزاء المخ المرتبطة بحاسة الشم والذاكرة. كما ظهر بين المشاركين الذين أصيبوا بفايروس كورونا دليل على تضرر الأنسجة في مناطق المخ المرتبطة بحاسة الشم وانكماش في حجم المخ ككل.

وعانى مرضى كوفيد هؤلاء من خسارة متوسطة قدرها 0.7 في المئة من حجم المخ في المناطق المتعلقة بالرائحة مقارنة بأولئك الذين لم يصابوا بالفايروس. وفي المتوسط، تتقلص هذه المناطق بنسبة 0.2 في المئة إلى 0.3 في المئة سنويا في منتصف العمر وكبار السن على التوالي، ما يعني أن الأشخاص المصابين بكوفيد – 19 ربما تعرضوا لثلاثة أضعاف المعدل الطبيعي لتنكس الدماغ. واستغرق أولئك الذين أصيبوا بكوفيد – 19 وقتا أطول لإكمال الاختبارات المعرفية، بينما شهد العدد الصغير من المرضى في الدراسة الذين نقلوا إلى المستشفى انخفاضا أكبر في المادة الرمادية وتدهورا إدراكيا أكثر وضوحا.

ولوحظ حدوث تلف في القشرة الأمامية الحجاجية والتلفيف المجاور للحصين، وهما منطقتان من الدماغ تلعبان أدوارا رئيسية في ترميز الذاكرة واسترجاعها، لمرضى كوفيد، كما تم تسجيل انخفاض عالمي في حجم الدماغ.

تصوير الرنين المغناطيسي كشف أن تأثيرات الفايروس على المخ شملت انكماشا أكبر في كثافة المادة الرمادية

وكشفت الدراسة أن المشاركين المصابين بفايروس كورونا ظهر لديهم أيضا انخفاض أكبر في الإدراك خلال الفترة ما بين الخضوع للرنين المغناطيسي الأول والثاني، مرتبط بضمور في أجزاء بالمخ تعرف بالمخيخ، المرتبط بالإدراك المعرفي.

وتقدم نتائج الدراسة التي نشرت في دورية ياتشر دليلا الآن على حدوث تغيرات في المخ البشري عقب الإصابة بفايروس كورونا وظهور ما يعرف بــ”كوفيد الدماغ”. ومع ذلك، لم يتضح ما إذا كان يمكن التغلب على التراجع الإدراكي مع مرور الوقت.

وقال ماكس تاكويت الباحث في جامعة أوكسفورد “هذه أول دراسة واسعة النطاق تدرس التغيرات الحقيقية في المخ التي يمكن أن تحدث بعد الإصابة بفايروس كورونا”.

ويمكن أن تدعم هذه النتائج الأدلة القصصية على استمرار “الضباب الدماغي” بعد الإصابة، لكنها لا تشير إلى أن هذا الضرر دائم. وبالمثل، حذر العلماء من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الضرر الذي لحق بمناطق ترميز الذاكرة في الدماغ أدى بالفعل إلى فقدان الذاكرة في العالم الحقيقي.

وقال الدكتور بنديكت مايكل الأستاذ المساعد للعدوى العصبية في جامعة ليفربول “لم يخضع أي منهم لاختبارات معرفية شاملة كافية لمعرفة ما إذا كان لديهم عجز كبير في هذه المناطق العديدة حيث وجدوا هذه التغييرات في الحجم”.

وتابع مايكل “إنها دراسة مهمة، قاموا بعمل جيد”، مضيفا “نحتاج الآن إلى إجراء الدراسات للنظر في الإدراك والأعراض النفسية والأشياء السلوكية والعصبية ومعرفة ما يعنيه هذا بالنسبة إلى المرضى”.

وخلصت دراسات علمية إلى أن نحو 96 في المئة من المصابين بمرض كوفيد – 19، الذي يسببه فايروس كورونا، يفقدون حاسة الشم. وقال الخبراء إنه منذ بداية جائحة كورونا لم يسلط الضوء على أي عارض أكثر من فقدان حاسة الشم.

ويضيفون بأن التقديرات تتباين بشأن حجم انتشار هذا العارض بين مرضى كوفيد ـ 19، لكن يُعتقد أن 96 في المئة من إجمالي المصابين عانوا من هذا العارض، وفي العادة هو أمر مؤقت، وسرعان ما يستعيد الأشخاص هذه الحاسة في غضون أسابيع.

Thumbnail

وذكرت دراسات في السابق بأن “أنوسميا” (الاسم العلمي لفقدان الشم) هو المؤشر الأفضل لمعرفة إذا ما كان شخص ما مصابا بفايروس كورونا أم لا، مقارنة بعوارض أخرى مثل السعال والحمى.

وقال اختصاصي طب الأنف والأذن والحنجرة في كليفلاند كلينك راج سيندواني إن الفايروس لا يزال جديدا، لذلك لا نملك جميع الإجابات حتى الآن، مشيرا إلى وجود تفسيرات مرجحة في هذا الإطار. ويقول “هناك نوعان من فقدان حاسة الشم بسب فايروس كورونا، نوع حاد وآخر مزمن”.

وبالنسبة إلى النوع الأول، فيواجهه المريض الذي يعاني من أعراض أخرى مثل سيلان الأنف وانسداده، ما يؤدي إلى التهاب الممرات الأنفية. وأوضح أن الجزيئات التي من المفترض أن يكون الشخص قادرا على شمها تمر عبر أنفه وتذهب إلى سقفه، حيث توجد النهايات العصبية. وتابع “إذا كانت البطانة (في الأنف) منتفخة وكان لدى الشخص إفراز أكثر من الطبيعي للمخاط، فمن الواضح أن هذه الجسيمات لن تُشم في أنفه”.

ويحدث فقدان حاسة الشم المزمن بعد تعافي المريض من مرض كوفيد ـ 19، ويستمر الأمر لأسابيع وأشهر. وتقول إحدى النظريات التي تفسر فقدان حاسة الشم إن الجينات تؤدي دورا، فقد وجدت دراسة حديثة أن المصاب بفايروس كورونا لديه مكان معين لجين على الكروموسوم، قريب من جين حاسة الشم، يرتبط بفقدان هذه الحاسة.

ومع ذلك، زاد العامل الجيني من خطر الإصابة بفقدان حاسة الشم بنحو 11 في المئة، مما يعني أن بعض المصابين بالفايروس ولديهم هذه الجينات لم يفقدوا الحاسة. وهناك نظرية أخرى، بحسب دراسة أجرتها كلية الطب بجامعة هارفارد وأجريت في عام 2020. وتقول الدراسة إن مرض كوفيد – 19 يتسبب في تدمير خلايا تسمى الخلايا الداعمة، التي تساعد الخلايا العصبية الشمية التي تحدد الروائح.

أما بالنسبة إلى كيفية استعادة الحاسة، فيوضحها أستاذ علم الأعصاب في جامعة هارفارد وكبير مؤلفي الدراسة سانديب داتا بأنه عندما تتلف الخلايا الداعمة، فإنها تكون قادرة على تجديد واستعادة وظيفتها. ومع ذلك، ربما يستغرق الأمر أسابيع أو شهورا، وهو ما قد يفسر سبب عدم استعادة العديد من الأشخاص لحاسة الشم لفترة طويلة. وقال داتا “هذه هي النظرية التي يوجد عليها أكبر دليل حاليا”.

17