فاطمة خير نجمة تلفزيونية تبحث عن ذاتها في السياسة

فنانة مغربية في تحدي النطق باسم المواطنين تحت قبة البرلمان.
الأحد 2021/12/12
امرأة مغربية تجمع بين الأصالة والمعاصرة

بالنسبة إليها الفن سياسة، لكون الفنان يعكس المشاكل التي تحدث داخل المجتمع، والسياسة فن ويجب أن تلعبها بصيغة فنية راقية بعيدا عن الشعارات، وهي ترى أن تواجد الفنان في مراكز القرار التشريعي أو التنفيذي يخدم الفنانين لأن الفنان يجسد شرائح متعددة من المجتمع، وانطلاقا من ذلك تدرك كافة الإشكالات التي يعرفها القطاع الفني وهشاشة القوانين التنظيمية الضابطة للممارسة الفنية.

كان لدى الفنانة المغربية فاطمة خير طموح كبير لاقتحام مجال السياسة للحديث بلسان كل الفنانين وأن تكون وجه الفنان داخل قبة البرلمان، وها هي تحقق هذا المبتغى بعدما نالت ثقة المواطنين وزملائها الفنانين الذين قدموا الدعم، بعد انتخابات الثامن من سبتمبر الماضي، على أساس أنها مناضلة مع الشعب والفنانين.

فشلت خير في الرقص الكلاسيكي ولم توفق في الموسيقى لكن المسرح كان رحيما بها فاحتضنها ومنه عبرت إلى التلفزيون والسينما، وكان النجاح حليفها عند دخولها عتبة السياسة من تحت قبة البرلمان. ولا ندري ما هي الوصفة التي ستدبر بها هذه المرأة ذات الـ53 عاما طموحها السياسي، بعدما نجحت في وصفة فريدة تقوم على المحافظة على الجمال بترك الماكياج خارج مجال العمل، وشرب الماء بكثرة، والإكثار من الخضر والفواكه، والمصالحة مع الذات، كما تقول.

السياسة والفن

خير تدرك أن إدماج المرأة في العملية التنموية يشكل هاجسا للسياسات العمومية، وأنه رغم الإجماع الوطني والمجهودات المبذولة، لم تتمكن المرأة المغربية بعد من أن تتبوأ المكانة الحقيقية التي تستحق

إذا كان هناك من يقول إن السياسة تلوث الفنان وتدجنه وتجعله بعيدا عن هموم الناس وتمثل مشاكلهم فنيا، وهو ما يجعل الفنان يترك الانتماء السياسي حتى لا يتخندق مع فصيل أو طائفة أو فئة دون أخرى، فإن مقاربة خير ترتبط بفهمها لطبيعة مهمة الفنان الذي لا يمكنه أن يعبر عن قضايا مجتمعه دون أن يكون له انخراط فعلي في المجال السياسي، على مستوى التكوين والممارسة، ولا بد من احترام الاختيارات والانتماءات.

لا تتنكر لأحقية الاختلاف معها في الرأي حول أعمالها الدرامية والمسرحية وظهورها في برامج مثل "لالة لعروسة"، وأيضا في نظرتها للسياسة، وهي تؤمن بأن الفنان لا يتمتع بميزة الحياة كونه منخرطا في العمل العام من خلال أدواره التي يمثلها على خشبة المسرح أو وراء الكاميرات، وبالتالي يعبّر وإن بشكل مباشر على انتمائه الأيديولوجي وقناعاته السياسية والقيمية.

يرى الكثيرون أنه يجب على الفنانين أن يكون لهم رأي في السياسة، وهذا حق دستوري وإنساني مكفول، لكن هؤلاء الذين دخلوا السياسة يجب أن يتيقنوا أنه لا يمكنهم التصرف كفنانين كما كانوا يفعلون من قبل في مهنتهم، لأن منطق السياسة شيء آخر، وعلى اعتبار أن الفنان يؤثر على المجتمعات دون أن يعكس رأيا سياسيا وعليه أن يحافظ على الهوية الفنية الخاصة به، ومع ذلك فهذه النجمة التلفزيونية المعروفة مغربيا ترى أن السياسة والفن لا تناقض بينهما وأن الصناعة الثقافية جزء من العملية السياسية، وأن عملها من داخل البرلمان سيكون إضافة في إرساء دعائم الديمقراطية وتسويق ثقافة وحضارة الأمة المغربية، بالشكل الذي يجعلها قادرة على مواجهة تحديات العولمة.

المشاركة في صنع القرار

مقاربة خير لرسالة الفنان تركّز على أنه لا يمكنه التعبير عن مجتمعه بعيداً عن المجال السياسي
مقاربة خير لرسالة الفنان تركّز على أنه لا يمكنه التعبير عن مجتمعه بعيداً عن المجال السياسي

الانتماء السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار يراه البعض مناسبة وفرصة لتقوية حضورها داخل دواليب صنع القرار التشريعي، والدفع بتقوية ميزانية وزارة الثقافة حتى يمكنها أداء الأدوار المنوطة بها، والاهتمام أكثر بتقوية الجانب الاجتماعي والاعتباري للفنان؛ وصياغة تصورات واقعية وعملية في هذا الشأن.

كامرأة وفنانة وسياسية تعيش حياتها وهي تحاول أن تجعلها متوازنة بين عملها كممثلة وربة بيت، والآن برلمانية تناقش قضايا المجتمع، فهل ستنجح في البقاء على هذا المستوى من نمط العيش، مع اعتقادها الراسخ أن إدماج المرأة في العملية التنموية شكل هاجسا للسياسات العمومية، وأنه رغم الإجماع الوطني والمجهودات المبذولة، لم تتمكن المرأة المغربية بعد من أن تتبوأ المكانة الحقيقية التي تستحق، كما لم ننجح في فرض المناصفة كمعيار للترقي المجتمعي، وواقع المرأة لازال يستدعي المزيد والمزيد من المجهودات من جانب الحكومة.

انتماء خير السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار يراه البعض مناسبة وفرصة لتقوية حضورها داخل دواليب صنع القرار التشريعي

الاجتهاد المهني مطلوب دائما في التنشيط كما في التمثيل والذين اشتغلوا مع خير يشهدون لها بالكفاءة والذكاء في اختيار موقعها في السينما والتلفزيون، مارست التنشيط التلفزي موازاة مع التمثيل، منذ ما يقرب من 30 عاما، والذي تعتبره نافذة غاية في الأهمية تتواصل من خلالها مع جمهورها عندما لا تتوفر أعمال جيدة قد تسيء إلى مسارها المهني، والبداية كانت كمقدمة برامج في أستوديو 5، ثم مع الانطلاقة الأولى للقناة الثانية في برنامج “بالواضح” مع الإعلامية نسيمة الحر. ثم توالت التجارب من برنامج “أسر وحلول” إلى برنامج “لالة لعروسة”، والأساس بالنسبة إليها أن تظل أعمالها في ذاكرة الجمهور تجذبها إلى اختيار شخصية دون أخرى إضافة إلى النص نقاط قوة أخرى تتمثل في “الكاستينغ” واختيار الممثلين، ثم عنصر النص الدرامي الذي يكون مكتوبا بآلية احترافية، لكن ومع ذلك فهذه الفنانة تعترف بأن الممثل لا يختار أدواره على الأقل في المغرب، فهذه المهنة تحتكم إلى عنصر العرض والطلب؛ يعرض المخرج العمل أو السيناريو على الممثل، والأخير عليه القبول أو الرفض، ومع ذلك تقول إن الأدوار هي من تختارني.

خير تحمل رؤية فلسفية خاصة حول الحياة وطريقة عيشها ولهذا تراها إنسانة مرحة، مقبلة على الحياة، واقعية، وهذا مشروع سياسي أكثر من كونه فنيا، فهي دائما تؤكد على أنها تعرف طريقها ومع من يجب أن تتعامل، وكيف ومتى تستخدم دبلوماسية التصرف، ومن الصديق الواجب الحفاظ عليه، مجموعة عناصر اكتسبتها مع الوقت إلى جانب اطلاعها على مؤلفات علم النفس السلوكي، وهذا ما دفع البعض إلى وصفها بالمتكبرة والمتعجرفة سواء من الوسط الفني أو من خارجه.

عاشت طفولتها وجزءا من شبابها في بيت جديها بالدار البيضاء، حتى توفيا، وانتقلت للعيش مع والدها قبل زواجها بسنة واحدة، لترتبط بالممثل سعد تسولي وهي التي نشأت لتكون امرأة مغربية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، على المستوى الثقافي والاجتماعي تحترم التقاليد لكن دون أن تكون على حساب شخصيتها وتقول لرجل البيت بين الحين والآخر “أنا هنا لا يجب تجاهل وجودي”.

عملت بجد لكي تكون الأسرة في المرتبة الأولى في اهتماماتها، أما الأعمال الفنية فتأتي في المرتبة الثانية، ونظريتها تقول إن المال ليس في الأولوية القصوى عندما يكون الأطفال في سن مبكرة ويحتاجون للعناية. وهذه ميزة قد تفيدها في عملها السياسي أيضا، خصوصا إذا كان الدعم العائلي موجودا وعلاقة الثقة المتبادلة قائمة.

تنمية المجتمع

موقعها الجديد في البرلمان ترى خير أن مهمتها فيه الترافع عن كل القضايا بشموليتها
موقعها الجديد في البرلمان ترى خير أن مهمتها فيه الترافع عن كل القضايا بشموليتها

بكثير من التفاؤل والحماسة ترى خير من موقعها الجديد أن مهمتها هي الترافع عن كل القضايا التي تخص المواطن المغربي في شموليتها الصحية، التعليمية، الشغل، السياحة، الصناعة، الرياضة، ومن المؤكد أن الثقافة والفنون حاضرتان وبقوة.

وفي أول مداخلة لها بالبرلمان، كان الوضع الكارثي الذي أضحى يعيشه الفنان المغربي بعدما يخفت ضوء الشهرة، أول دفاع تدشنه لصالح زملائها ومجال اشتغالها، بالنظر إلى الدور الكبير الذي يلعبه الفن في إبراز المشاكل التي يعاني منها المجتمع، وكمرآة تعكس كلا من ثقافته وحضارته وتاريخه، لكن هذا الفنان يعيش بدوره الهشاشة والضعف.

فالاشتغال على الملفات المرتبطة بالشق القانوني والاجتماعي مرتبط عندها بإعادة النظر في الدعم الموجه لقطاع الثقافة والفنون لضمان الاشتغال في مناخ تنافسي يحتكم لتكافئ الفرص، والفنان المغربي ينتظر رعاية ووضع اعتباريا لعطائه وإبداعه خصوصا عندما تنطفئ الأضواء ويعيش خريف العمر.

البعض يرى أن الحري بالفنانة البرلمانية الدفاع بالدرجة الأولى عن المواطن البسيط الذي يعاني في صمت من متطلبات الحياة، وأنه لا يجب على كل شخص داخل البرلمان أن يدافع فقط عن الفئة التي يمثلها

هناك من لم يقتنع بهذا المنطق الدفاعي كونه يخص فئة دون فئات أخرى واسعة وتستحق العناية اللازمة، ولأن الحري بالفنانة البرلمانية، كما قيل، الدفاع بالدرجة الأولى عن المواطن البسيط الذي يعاني في صمت من متطلبات الحياة، وأنه لا يجب على كل شخص داخل البرلمان أن يدافع فقط عن الفئة التي يمثلها، انطلاقا من مهنته أو أنشطته أو اهتماماته، بل إنه من الواجب على البرلمانيين تمثيل المواطنين والشعب ككل، دون تمييز.

لكنها ردت على الانتقادات الموجهة إليها بطريقة غير مباشرة بالقول إن “هم كل أسرة مغربية هو عيش كريم، من سكن وتعليم وصحة”، وهي تعتقد أن في برنامج حزبها والحكومة التي يقودها اهتماما وتخطيطا لإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، والكل يعلم بأن الفقر معضلة تهدد التوازن المجتمعي وتؤثر على السيرورة الاقتصادية لبلادنا، ولطالما كان تحديا حقيقيا لسياسة الدولة.

كسياسية تدافع عن وجهة نظرها أمام الخصوم والأصدقاء والذين لا يؤمنون بموهبتها، وتجاوزا للفئوية تحدثت خير من داخل البرلمان عن وضعية قطاع التعليم والتكوين كحجر الأساس في البنيان المجتمعي، والاختلالات العميقة التي عرفتها هذه المنظومة، أثرت على جودة العملية التربوية ومردودها، ولهذا طالبت بالزيادة في أجور الأساتذة والارتقاء بأوضاع أسرة التعليم، عرفانا بدورهم الحيوي في العملية التربوية.

Thumbnail
8