فاس.. عاصمة الثقافة الحقيقية للمغرب

الإسطرلابات العتيقة، والمخطوطات الطبية المزخرفة، والمنابر المزخرفة بدقة، والقفاطين المزينة بخيوط الذهب، تُبرز براعة فاس الفكرية والإبداعية.
الاثنين 2025/06/09
باب بوجلود هو واحد من بين العديد من المعالم الرائعة

من شرفة سطح رياض فاس، تبرز واحدة من أعظم مدن العالم التي تعود إلى العصور الوسطى، وآخر مدنها الحية. حلم بها إدريس الأول، الذي عاش في القرن الثامن، والذي فر إلى المغرب هربًا من هارون الرشيد. حكم إدريس مدينة وليلي الرومانية القديمة المجاورة، لكنه ظل يحلم بعاصمة جديدة حتى لحق به قتلة هارون الرشيد. وهكذا، أكمل ابنه إدريس الثاني بناء فاس عام 789، مؤسسًا بذلك أول مدينة إمبراطورية في المغرب.

فاس (المغرب) – قد تتصدر مراكش عناوين الصحف، لكن فاس الأنيقة هي القلب الثقافي للبلاد. تخفي ثرواتها في وادٍ أخضر هادئ في جبال الأطلس المتوسط، حيث تكتسي التلال بساتين الزيتون الفضية.

مهما كانت معرفتك بمراكش، فلن تُهيئك لمتاهة فاس الشاسعة، المدينة القديمة، حيث يرسم 9700 زقاق متعرج حدود أسوارها الفارغة المكونة من ثلاثة طوابق، والتي تختبئ خلفها رياض وقصور، وحمامات بخارية وفنادق (نُزُل كانت تُستخدم سابقًا للقوافل)، وحدائق خضراء وجامعات نابضة بالحياة، ومساجد ومدارس هادئة، جميعها مزينة بالجص المنحوت بدقة، والزليج اللامع، وخشب الأرز المطلي والمنحوت من غابات الأطلس المتوسط.

وتقول مراسلة “تلغراف” باولا هاردي متحدثة عن رحلتها في عالم الروعة والجمال “تُنسج الدراما والغموض في نسيج هذه المدينة العتيقة المتشعبة، وإذا كنت ترغب في الانغماس في هذه الإثارة، فستحتاج إلى دليل سياحي جيد. الدليل هنا لا يُريك المعالم السياحية فحسب، بل يُوفر لك رفيقًا لعالم خفي.”

pp

وتقترح المرشدة السياحية مريم أمزيان من “كالتشر إنسايدر” البدء من متحف البطحاء الذي افتُتح حديثًا. كان قصرًا صيفيًا فخمًا بحدائقه الأندلسية الغارقة، أما قاعاته فتروي الآن قصة أكثر من ألف عام من التاريخ، تُظهر فيها تقلبات السلالات الحاكمة والهجرات والعلم والحرف، وهو ما يضع فاس ليس فقط في قلب التاريخ المغربي، بل يربطها أيضًا بعوالم ما قبل الإسلام والإسلام والبحر الأبيض المتوسط ​​الأوسع.

تحت أسقف خشب الأرز الملونة تُظهر الخرائط الإمبراطوريات المغربية التي شملت في الماضي شبه الجزيرة الإيبيرية بأكملها تقريبًا، وتونس ونواكشوط، عاصمة موريتانيا حاليًا، وكيف أسس المستوطنون الأوائل من قرطبة والقيروان جغرافية المدينة وطابعها العربي الأندلسي.

في الوقت نفسه تُبرز الإسطرلابات العتيقة، والمخطوطات الطبية المزخرفة، والمنابر المزخرفة بدقة، والقفاطين المزينة بخيوط الذهب، والسيراميك الفاخر، وأدقّ الزليج، براعة فاس الفكرية والإبداعية. ومن بين المفاجآت قصة فاطمة الفهري، المرأة الثرية التي أسست جامعة القرويين قبل أكثر من مئتي عام من تأسيس أول جامعة في أوروبا، وإقامة البابا سيلفستر الثاني (999 – 1003) الذي جاء لدراسة الفقه الإسلامي.

وتضيف هاردي “بعد ساعات ذكّرتني مريم بأن المكان الحقيقي على عتبة داركم، وما زال ينتظركم لاكتشافه. لذا توجهنا إلى باب بوجلود وتجولنا في شارع الطلعة الكبيرة، الشارع الرئيسي النابض بالحياة في المدينة العتيقة، المليء بمحلات السيراميك والسجاد، حيث استمتعنا بساعة ‘لا ماغانا’ المائية الرائعة التي تعود إلى العصور الوسطى، والتي كانت تُوقّت أذان الصلاة.”

وتواصل متحدثة عن رحلتها “ثم نتجول في الكليات الدينية البوعنانية والعطارين، التي شُيّدت في العصر الذهبي للمرينيين في القرن الرابع عشر، ونلتقط عشرات الصور لأعمال الجص الدانتيلية، والخط الدقيق، وأفاريز خشب الأرز القديمة المنحوتة.”

pp

تقع مدرسة العطارين في أزقة سوق التوابل والعطور بالقرب من زاوية مولاي إدريس الثاني المقدسة، حيث يرقد مؤسس فاس تحت الثريات المتلألئة وأسقف الزواق المرصعة بالذهب. وتُحيط بالضريح عربات تبيع شموع البخور وماء الزهور الذي يُعطر الهواء حول الضريح.

وأضافت “بينما كنا نشتري حلوى النوغا اللزجة من عربة وردية زاهية، رفع المؤذن الأذان، وامتلأ الشارع بالناس المتجهين إلى أحد أبواب جامع القرويين الأربعة عشر. أشارت مريم إلى باب محل نسيج، فسمح لنا صاحبه بالصعود إلى سطحه حيث استمتعنا بمنظر خلاب، واقفين في قلب صوت الأذان وهو يتردد في أرجاء الوادي.”

وخلال الأيام القليلة التالية عادت هاردي مرارًا وتكرارًا إلى المدينة العتيقة، “كل يوم مع شخص مختلف يبدو وكأنه يُريني مدينة مختلفة. في أحد الأيام، تجولتُ في الأزقة الخلفية السكنية برفقة المصور عمر شنافي.”

وتقول مراسلة تلغراف إنها عادت مع زميل مرشدتها مريم، نورالدين الشباني، الذي نشأ في المدينة، وأصابها الدوار وهي تتجول بين أزقةٍ بالكاد يزيد عرضها عن كتفها.

يقول الشباني “نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) لا فائدة منه هنا،” يضحك وهو يختفي في نفقٍ مظلم. ويضيف “فقط تذكري أن اللافتات السداسية تعني طريقًا مسدودًا، بينما المستطيلات للطرق العامة.”

18