فاتورة إعادة الإعمار في غزة تتزايد في غياب تعهدات المانحين

غزة - انتهت في 13 مايو الماضي أحدث جولة مواجهة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، فيما بدأت فصول معاناة أصحاب المنازل المدمرة جراء الغارات الإسرائيلية.
واستمرت جولة التوتر المذكورة لمدة خمسة أيام وخلفت مقتل 33 فلسطينيا بينهم 5 أطفال و3 سيدات ومسنان و11 من قادة وعناصر حركة الجهاد الإسلامي جراء هجمات إسرائيل على قطاع غزة، في مقابل مقتل شخصين في إسرائيل بفعل إطلاق قذائف صاروخية من القطاع.
وبحسب مسؤولين فلسطينيين، أدت غارات إسرائيل إلى تشريد 200 عائلة بإجمالي نحو ألف شخص بعد أن دمرت الغارات 103 وحدات سكنية كليا و2800 وحدة جزئيا منها نحو 150 وحدة غير صالحة للسكن.
وأحد هؤلاء أبورامي المصري الذي دمرت غارة إسرائيلية منزله في بلدة بيت حانون الحدودية على أطراف شمال قطاع غزة وبات ينتظر فرجاً قريباً لإعادة إعماره.
ويتواجد المصري وهو في مطلع الخمسينات من عمره، يوميا عند ركام المنزل الذي دمر فجر التاسع من مايو بفعل استهدافه المباشر بعدة صواريخ من طائرات حربية إسرائيلية.
10
ملايين دولار قيمة الخسائر الأولية للوحدات السكنية المدمرة والمتضررة
ويقول المصري إن منزله المدمر هو شقاء سنوات طويلة لكنه ذهب أدراج الرياح بتحوله إلى ركام في لحظات قليلة.
ويضيف بنبرات غاضبة “أتذكر في كل لحظة منذ الحادث الأليم (تدمير المنزل) كم تعبنا وشقينا لكي نبني المنزل ليكون المأوى لنا، لكننا اليوم مشردون جميعا”.
وكان المنزل المكون من أربعة طوابق يؤوي عائلة مكونة من 22 فردا منهم اثنان من أبنائه وزوجاتهما وأبنائهما.
واضطرت العائلة منذ ذلك الحين إلى استئجار منزل في نفس بلدة بيت حانون على أمل حل قريب لأزمتهم.
لكن المصري لا يبدو متفائلا كثيرا، ويقول إن تجربة إعادة الإعمار للمنازل المدمرة سيئة جدا في بلدته وباقي مناطق قطاع غزة.
والحال نفسه ينطبق على حامد بشير الذي دمر منزله في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وتحوّل وعائلته المكونة من 14 فردا إلى نازحين دون مأوى. ويقول بشير إن عائلته تشتّتت بين ثلاثة منازل لأقاربه.
ويضيف أن لحظة إبلاغهم ليلا من الجيش الإسرائيلي بضرورة إخلاء المنزل قبل استهدافه كانت كابوسا “لكن الفاجعة الحقيقية بدأت منذ تدمير المنزل وتحويله إلى ركام متناثر”.
وقدر المسؤولون المحليون في غزة قيمة الخسائر الأولية للوحدات السكنية المدمرة والمتضررة بقرابة 10 ملايين دولار تضاف إلى فاتورة ضخمة لاحتياجات مشاريع إعادة الإعمار في قطاع غزة بفعل الحروب وجولات التصعيد السابقة.
ويقول وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان التي تديرها حركة حماس في غزة جواد الآغا إنهم يعملون على صرف تعويضات مالية وبدل إيجار لمن فقدوا منازلهم في جولة التوتر الأخيرة مع إسرائيل.
قطاع شركات المقاولات يشهد تدهورا حادا بفعل حالة الانهيار الكبير وتسريح العاملين في هذا القطاع
ويوضح الآغا أن الجهات الحكومية في غزة تواصلت مع عدد من الممولين وجهات دولية للإسراع في إعادة الإعمار وإصلاح الأضرار بفعل هجمات إسرائيل لكنها ما تزال بانتظار ردود إيجابية على ذلك من المانحين.
ويشير الآغا إلى أن قطاع غزة يعاني في الأصل من فجوة تمويلية بقيمة 190 مليون دولار لمشاريع إعادة الإعمار بما يشمل منازل ومباني دمرت في جولات سابقة من التوتر مع إسرائيل.
وشنت إسرائيل أربع حروب على قطاع غزة في الفترة من 2008 إلى 2021 فضلا عن عدد كبير من جولات التوتر ما خلف عشرات الآلاف من القتلى الفلسطينيين ودمارا هائلا في المنازل والبنى التحتية.
ودمرت هجمات إسرائيل الآلاف من الوحدات السكنية بشكل كلي وجزئي وأحدثت أضراراً جسيمة بها، فضلاً عن تعمدها تدمير أبراج سكنية وعرقلة إعادة إعمارها، كما حدث في حرب صيف عام 2021.
وتقول الفصائل الفلسطينية إن الاستهداف الإسرائيلي للمنازل والمباني السكنية خلال جولات التوتر يستهدف الضغط على الحاضنة الشعبية لـ”المقاومة”، وأنه انعكاس لحالة نفاد بنك الأهداف الإسرائيلي.
وفي المقابل تقول إسرائيل إنها تستهدف منازل نشطاء ضالعين بشن هجمات عليها من قطاع غزة.
وبموازاة ذلك تمضي مشاريع تشرف عليها مصر لإعادة الإعمار في قطاع غزة قدما، بحسب وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة.
وتنقسم المشاريع المصرية إلى بناء المدن السكنية وتتضمن 3 مدن تحمل اسم “دار مصر 1 و2 و3” وتأهيل وتطوير طرقات أهمها إقامة كورنيش في منطقة شمال القطاع.
وتتضمن المدن المصرية الثلاث 68 عمارة سكنية كل واحدة منها تتكون من 5 طوابق يحتوي كل طابق على 4 شقق أي أن عدد الوحدات السكنية يصل إلى 1360 وحدة، وحققت نسبة إنجاز تجاوزت 50 في المئة.
وسبق أن أرسلت مصر معدات هندسية ضخمة وطواقم للقطاع لتسريع جهود إعادة الإعمار واستخدمت المعدات التي تضم عددا كبيرا من الشاحنات والجرافات والرافعات في إزالة الأنقاض من المباني التي دمرت خلال حرب عام 2021 من التوتر والتي استمرت 11 يوما.
وفي حينه تعهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالمساهمة بمبلغ 500 مليون دولار للمساعدة في إعادة إعمار غزة بمشاركة الشركات المصرية.
ويلقي التدخل المصري في مشاريع إعادة الإعمار بآثار إيجابية في ظل تراجع شديد تعانيه شركات المقاولات في غزة بفعل تداعيات الحصار الإسرائيلي المستمر منذ منتصف عام 2007.
ويقول رئيس اتحاد المقاولين في غزة علاءالدين الأعرج إن قطاع شركات المقاولات يشهد تدهورا حادا بفعل “حالة الانهيار الكبير وتسريح العاملين في هذا القطاع”.
ويوضح الأعرج أن شركات المقاولات كانت توفر فرص عمل بما نسبته 22 في المئة من العمالة بما يشمل العمال والمقاولين والمحاسبين والمهندسين، لكن هذه النسبة تراجعت إلى أقل من 9 في المئة في العامين الأخيرين.
ويضيف أن عدد شركات المقاولات في غزة كان يقدر بـ456 شركة، لكن العدد العامل منها فعليا لا يتجاوز 120 شركة حاليا جراء تداعيات الحصار الإسرائيلي والتدهور الاقتصادي في القطاع.