غياب المساءلة عن جرائم الحرب في ليبيا يزيد من عدم الاستقرار

ترهونة (ليبيا) - لا يزال الوضع في ليبيا يزداد سوءا كل عام منذ ظهور ميليشيا الكاني المعروفة بممارساتها العنيفة على ترهونة التي يقطنها قرابة أربعين ألف شخص والواقعة على بعد ثمانين كيلومترا جنوب طرابلس. ومن عام 2013 إلى عام 2022، كانت ميليشيا الكاني مسؤولة عن العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي والاختطاف والتهجير القسري والتعذيب والعنف الجنسي.
ويقول الكاتب أوريترو كريم في تقرير على إنتر برس إن الافتقار إلى المساءلة عن هذه المظالم أدى إلى تجدد الصراع، مما يهدد بزعزعة استقرار ليبيا بعد سنوات. وفي عام 2011، استولت ميليشيا الكاني على ترهونة، بعد أن انحازت إلى حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج، وهي حكومة مؤقتة أشرفت على الشؤون الليبية بعد عام 2015.
ووفقا لكمال أبوبكر، رئيس الهيئة العامة للبحث عن المفقودين وتحديد هويتهم في ليبيا، “بحلول أكتوبر 2020، تم اكتشاف أكثر من 20 مقبرة جماعية في ترهونة، تضم أكثر من 200 جثة. ومع ذلك، لم يتم تسجيل العديد من حالات الاختفاء والإعدام بشكل جيد من قبل أقارب الضحايا، بسبب الخوف الذي ترسخ بين سكان ترهونة من قبل الميليشيات، وبالتالي، من المستحيل معرفة العدد الحقيقي للضحايا".
وتقدر منظمة هيومن رايتس ووتش أن ما لا يقل عن 338 شخصا اختطفوا أو أُبلغ عن فقدهم خلال حصار الميليشيات لمدة خمس سنوات. وبالإضافة إلى ذلك هناك أدلة على دفن المدنيين أحياء، وصعقهم بالكهرباء، وتعرضهم للضرب المبرح.
وبعد سنوات، واصلت الهيئة العامة للآثار والمتاحف العثور على رفات المئات من الضحايا، التي تم التخلص منها في مقابر جماعية. كما تم تسجيل العديد من القنابل والألغام الأرضية في منطقة ترهونة – طرابلس.
وذكر أبوبكر أن هناك ما لا يقل عن 17 مقبرة جماعية أخرى في المنطقة، تحتوي على نساء وأطفال أيضا. ويُقدر أنه قد يكون هناك أكثر من 100 مقبرة أخرى لم يتم اكتشافها بعد. وبالإضافة إلى ذلك، أبلغت أكثر من 350 عائلة عن أقارب مفقودين.
وتم سجن المدنيين الذين تحدوا سلطات ميليشيا الكاني في أحد معسكرات الاعتقال الأربعة. وكانت الظروف المعيشية في هذه المرافق مزرية وكان السجناء يتعرضون بشكل روتيني للتعذيب الجسدي والنفسي.
وأوضحت هيومن رايتس ووتش هذه الظروف في تقرير صدر عام 2022، حيث كان المعتقلون محتجزين في زنازين صغيرة تشبه الصناديق يبلغ ارتفاعها حوالي 1.2 متر وعرضها 1.2 متر. وكثيرا ما كان المعتقلون معلقين ويجلدون بخراطيم بلاستيكية على باطن أقدامهم، وهي ممارسة تعرف باسم "الفلقة".
ولا يزال مرتكبو هذه القضايا في عملية طويلة لتحديد هويتهم ومحاسبتهم. ويرجع هذا في المقام الأول إلى ضعف نظام العدالة الجنائية في ليبيا. وتقول هيومن رايتس ووتش “ظل نظام العدالة الجنائية في ليبيا ضعيفا مع مخاوف خطيرة بشأن الإجراءات القانونية الواجبة. وظل القضاة والمدعون العامون والمحامون معرضين لخطر المضايقة والهجوم من قبل الجماعات المسلحة. واستمرت المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين".
وبالإضافة إلى ذلك، أثناء احتلال ميليشيا الكاني لترهونة، سيطرت على الشرطة المحلية والميليشيات، مما تسبب في عرقلة كبيرة للعدالة. وعلاوة على ذلك، سيطرت ميليشيا الكاني على الممرات الرئيسية إلى طرابلس، مما أدى فعليا إلى عزل ترهونة عن الوصول إلى الموارد الحيوية وموظفي المساعدات.
وقال محمد الكوشر عمدة ترهونة “للأسف، لم تتدخل الحكومات المتعاقبة في ليبيا في جرائم هذه الميليشيا. لو أرادوا، لكانوا قادرين على القضاء على الكاني. لكن كل حكومة غضت الطرف عن الجرائم، وفي المقابل، فعلت الكاني ما طلبته الحكومة منها".
◙ مرتكبو الجرائم لا يزالون في عملية طويلة لتحديد هوياتهم ومحاسبتهم ويعود ذلك إلى ضعف نظام العدالة الجنائية في ليبيا
ونتيجة لذلك، يعتقد مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل أنهم يتمتعون بالإفلات من العقاب وتستمر الدورة. وقد أدى عدم وجود الإجراءات القانونية الواجبة لمرتكبي هذه الانتهاكات إلى ظهور مناخ اجتماعي غير مستقر بشكل متزايد في ترهونة.
ويشير تقرير صادر عن مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أغسطس 2024 إلى أن “الافتقار إلى الحقيقة والعدالة، بما في ذلك المساءلة عن الجرائم التي لا تعد ولا تحصى المرتكبة، أدى في بعض الحالات إلى تجدد العنف والانتهاكات المتكررة التي أدت إلى المزيد من المظالم في ترهونة والمناطق المحيطة بها".
وتضيف ستيفاني كوري، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أن "ترك الأسباب الجذرية ودوافع الصراع دون معالجة لن يؤدي إلا إلى استمرار تأجيج دورات سامة من العنف والانتقام بين المجتمعات".
وحاليا، هناك عمليات قضائية جارية لتحديد ومقاضاة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في ترهونة. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، قُدِّمت في نوفمبر 2022 طلبات عديدة لإصدار أوامر اعتقال.
وأفاد النائب العام الليبي الصديق الصور بأن المحققين القضائيين فتحوا 280 قضية جنائية ضد أعضاء ميليشيا الكاني. ومع ذلك، لم تتم إحالة سوى 10 من هذه القضايا إلى المحكمة، ولم يتم تحديد موعد لإجراء هذه المحاكمات.
وتضيف مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن الأمم المتحدة حثت السلطات الليبية على السماح بـ"تعويضات فعالة" للضحايا، بما في ذلك "المساعدة القانونية ودعم الصحة العقلية وضمانات عدم التكرار، المصممة بالتشاور مع المتضررين بشكل مباشر".