غياب البدائل يدفع حماس لاستعادة التقارب مع النظام السوري

لم يعد أمام حركة حماس منفذ لاستعادة البعض من قوتها المادية والعسكرية سوى إقامة تقارب جديد مع النظام السوري بعد قطيعة دامت لسنوات، همها في ذلك أن تستعيد متانة العلاقات مع إيران وتكتسب نفوذا في مواجهة الدول العربية التي باتت تضيّق عليها الخناق، في مقابل تقديم شرعية لنظام الأسد بمنحه صك النظام المدافع عن القضية الفلسطينية.
غزة - تتحرك حركة حماس الفلسطينية منذ أشهر، لمحاولة استعادة علاقاتها مع النظام السوري، بعد أن فشلت كل الأنظمة الإخوانية بالدول العربية في الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها ومواصلة دعمها للحركة، مستغلة الالتفات العربي الواسع نحو سوريا والمساعي الحثيثة لإعادة التطبيع مع نظام بشار الأسد الذي بإمكانه تعزيز تحالفاتها الإقليمية في مواجهة التحديات التي تواجهها بالمنطقة.
ورغم الفوائد التي قد تعود على الحركة من وراء استعادة العلاقات، أشار مراقبون إلى وجود العديد من التداعيات السلبية التي قد تلحق بها وخاصة على صعيد “حاضنتها الشعبية وعمقها العربي”.
لا بدائل لسوريا

أيمن يوسف: حماس ستخسر جزءا من قواعدها المناهضة للنظام السوري
يقول بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل، إن حركة حماس تسعى لاستعادة علاقتها مع النظام السوري “بعد يقينها بعدم وجود بديل يقدم لها الاحتضان والدعم الكامل”. كما أعرب عن اعتقاده بوجود ضغط إيراني على حماس، نحو استعادة العلاقة مع النظام السوري.
وكان مراقبون فلسطينيون قالوا في وقت سابق إن حماس كانت الأكثر تضررا بعد فشل خطة الإخوان والدول الداعمة لهم في السيطرة على موجة “الربيع العربي”، خاصة أنها فقدت ثقة إيران الحليف الرئيسي لها والداعم بالسلاح والمال، مشيرين إلى أن صعود إسماعيل هنية قد مهّد لعودة حماس إلى حلف إيران وحزب الله.
ويرى الشوبكي أن لعودة العلاقات بين حماس والأسد تداعيات سلبية في مقدمتها “استياء الحاضنة الشعبية التقليدية الفلسطينية والعربية للحركة”.
وقال بهذا الصدد “الانتقادات الشعبية الحالية هي أحد التداعيات السلبية لعودة العلاقة، كونهم يعتبرون أن النظام السوري مارس جرائم بحق الشعبين السوري والفلسطيني هناك، ومقاطعته خطوة أخلاقية بعيدا عن السياسة”.
وأردف “القاعدة الجماهيرية لحماس قد تُبدي استياءً من هذه الخطوة، وهو ما قد يتسبب بنوع من العزلة للحركة، فترميم علاقتها مع دمشق يعد انزلاقا خطيرا رغم تفهم الأسباب التي دفعتها إلى ذلك”.
ويتفق أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية وحل النزاعات في الجامعة العربية الأميركية، شمالي الضفة الغربية، مع الشوبكي، حول دوافع حماس نحو استعادة العلاقات، حيث قال إن “التحالفات الإقليمية وحالة الاستقطاب الدولية في المنطقة دفعت حركة حماس إلى إعادة حساباتها حول علاقتها مع النظام السوري”. لكنّه يرى أن لهذه العلاقة تداعيات سلبية “رغم المكتسبات الاستراتيجية التي قد تجنيها الحركة من هذه الخطوة”.
وتابع “حماس تُرمّم علاقتها مع نظام دكتاتوري، قاطعته سابقا بسبب دكتاتوريته، واليوم غيّرت موقفها بسبب التحالفات الإقليمية”.
ويعتقد يوسف أن هذه العلاقة من شأنها أن “تُلقي بآثارها السلبية على القضية الفلسطينية برمتها”، حيث ستزيد من حدة الانقسام داخل الساحة الفلسطينية، مضيفا أن “حركة حماس موجودة ضمن تحالف إيراني، والسلطة الفلسطينية وحركة فتح بزعامة الرئيس محمود عبّاس موجودان ضمن التحالف المناقض له”.
كما يرى يوسف أن حركة حماس بسبب ترميم علاقتها مع سوريا “ستخسر جزءا من قاعدتها الشعبية المناهضة للنظام السوري”، مشيرا إلى أن وجود الحركة ضمن التحالف الإيراني، “ليس خيارا إجباريا، بقدر ما هو تعبير عن الواقعية السياسية”.
وأضاف “على المدى القريب يمكن لحماس النجاح في زيادة التأثير البراغماتي الواقعي داخل أروقتها، لكن على المدى البعيد ستكون لهذه الخطوة انعكاسات سلبية واضحة”.
الدوافع السورية

مصطفى إبراهيم: إعلان عودة العلاقات رسميا في حاجة إلى المزيد من الوقت
وعن دوافع سوريا نحو استعادة العلاقات مع حماس، يرى المحلل السياسي، تيسير محيسن، من غزة، أن دمشق ترغب في عودة “احتضان فصائل المقاومة وفي مقدمتها حماس”، معتبرا أن “سوريا تريد أن تصدّر نفسها كداعم لهذا النضال”.
وأردف “غياب سوريا عن المشهد النضالي الفلسطيني يرسم حالة من النقص – إن جاز التعبير – في موقفه السياسي، ويطعن في الكثير من المساحات التي كان يحتلّها تاريخيا في السابق”.
ويشير المحلل السياسي إلى أن حركة حماس بذلت خلال السنوات الماضية “جهودا حثيثة وجادة لجسر الهوّة مع النظام السوري”.
ورأى أن تدخّل بعض الأطراف التي لها ثقل في سوريا، كحزب الله اللبناني وإيران، نجح في استعادة التقارب بين الجانبين.
ويعتبر محيسن أن اتخاذ حماس هذا القرار يمثل “حالة من النضوج التي تقرأها حماس في البيئة الواقعية، نتيجة لعدة اعتبارات، من ضمنها القيادة الجديدة للحركة”.
وبيّن أن الحركة سعت لاستعادة هذه العلاقة من أجل “استثمار الواقع السياسي والجغرافي الذي تحتّله سوريا، لصالح القضية الفلسطينية”.
وساعد حماس في استعادة علاقتها، وفق محيسن، المتغيرات التي حصلت على “واقع النظام السوري وحالة الاستقرار النسبي في الأوضاع هناك”.
ويقول المحلل إن الحركة، مع استعادة علاقاتها مع سوريا، تحسم خياراتها في الاصطفاف مع المحور الإيراني، في ظل تشكّل محاور وأحلاف أخرى في المنطقة، كما أن “إنشاء التحالفات في المنطقة، يفرض على حركات المقاومة، ومجمل الفصائل بألا يكونوا خارج هذا السياق”.
وأشار إلى أن المحور الإيراني الذي يضم سوريا وحزب الله وفصائل عراقية ويمنية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، يأتي مقابل تحالفات باتت تشكل في المنطقة وتضم إسرائيل.
وفي نهاية مارس الماضي، أعلن وزراء خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب، إقامة منتدى دائم لتعزيز العلاقات بين دولهم.
كما أعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في الرابع والعشرين من يونيو الماضي في مقابلة لقناة “سي إن بي سي”، أنه يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على أن “يتم ذلك مع الدول التي لديها نفس التفكير”.
محاور وأحلاف

حسام الدجني: حماس حسمت خيارها لعدم وجود بدائل تمدها بالمال والسلاح
يتفق المحلل السياسي حسام الدجني، مع سابقيه في أن “إعادة تموضع دول الإقليم وإحيائها لسياسة المحاور والأحلاف”، دفعت حماس لاتخاذ خطوة التقارب مع سوريا.
وقال الدجني إن “الأصل أن تتموضع في المنطقة ضمن محاور وأحلاف، وهذا يتجسد بمحور المقاومة”، موضحا أن هذا التموضع الذي اضطرت الحركة لأن تحسم خياراتها باتجاهه كان إجباريا، لاسيما في ظل حظر بعض الدول العربية للحركة.
ولفت المحلل إلى أن حسم حماس خياراتها باتجاه تموضعها مع هذا المحور، يأتي في ظل “عدم وجود بدائل كافية لمد الحركة بالمال والسلاح”.
وأضاف “في ظل تضييق الخناق على حماس من قبل بعض الدول العربية، فإن سوريا أحد أفضل البدائل، التي يمكن لقيادة الحركة نقل ثقلها إلى هناك”.
أما عن دوافع النظام السوري لرفع الحظر الذي فرضه سابقا على عودة علاقته مع حماس، فيرى الدجني أن القرار في دمشق في ظل حالة الاستنزاف التي تعرّضت لها، خلال السنوات الماضية، لم يعد ذاتيا، كما أن “هناك اعتقادا بوجود مدخلات في صناعة القرار السوري، وهذه المدخلات متعلّقة بعدة مواقف منها روسيا وإيران وحزب الله”.
وأشار إلى أن عودة العلاقة مع النظام السوري، لم تكن خيار حركة حماس لوحدها في المنطقة، إنما سبقها في ذلك عدد من الدول، حيث “تأتي هذه التحولات ضمن جهود عربية تُبذل لمحاولة إنهاء الأزمة السورية”.
ولعودة العلاقة بين الطرفين جملة من التداعيات، منها إيجابية حيث تعتبر سوريا “من دول الطوق لفلسطين وتساعد حماس في إعادة ترتيب أوراقها وتموضعها”، بحسب الدجني، أما التداعيات السلبية، فإنها تتمثل بوجود انعكاسات سلبية على علاقة حماس مع عمقها الشعبي العربي.
وفي الأشهر الأخيرة، تسارعت وتيرة تطبيع دول عربية مع نظام بشار الأسد، عبر عقد اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري، في ظل تباين المواقف العربية من عودة دمشق إلى الجامعة بين مؤيد ورافض وصامت. وجاءت هذه التحركات بعد نحو عشر سنوات من تعليق جامعة الدول العربية عضوية سوريا، جراء اعتماد نظام الأسد الخيار العسكري لقمع احتجاجات شعبية اندلعت في مارس من العام ذاته، للمطالبة بتداول سلمي للسلطة.
ويعتقد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن عودة العلاقة رسميا بين حماس وسوريا، في حاجة إلى المزيد من الوقت.
وقال إن “توجّه الحركة بات واضحا بعودة العلاقات مع سوريا في ظل ما تتطلبه المرحلة الحالية والأوضاع العربية المتشابكة وسياسة التطبيع العربي مع إسرائيل وعقد الاتفاقيات معها”.
وأضاف “هناك اتصالات جارية بين مستويات عليا من الحركة وأقطاب النظام السوري، لكن الخروج بإعلان عن عودة رسمية لهذه العلاقة في حاجة إلى المزيد من الوقت والنضوج”، موضحا أن سوريا “تاريخيا تعتبر القضية الفلسطينية محورا للصراع العربي – الإسرائيلي، وقضية مهمة لدى محور المقاومة؛ التي تعتبر نفسها جزءا منه”.
وقال “كأن القضية الفلسطينية تمنح الشرعية لبعض الأنظمة العربية، لذا تسعى سوريا لاسترداد دورها فيها من خلال دعم حماس”.
ويعتقد إبراهيم أن عودة العلاقة مع النظام السوري ستكون مفيدة لحماس، من حيث الدور السياسي الذي من الممكن أن تلعبه سوريا لدعم مواقف الحركة لدى الدول، خاصة في ظل حالة الانفتاح العربي على دمشق.