غوردون مور.. صاحب نظرية مور ومؤسس أهم شركة لأشباه الموصلات

واشنطن - توفي رجل الأعمال والمهندس الأميركي الشهير غوردون مور، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لشركة إنتل، الجمعة الماضي عن عمر يناهز 94 عاما. وكان مور رائدا في صناعة أشباه الموصلات وصاحب نظرية “قانون مور” التي توقّعت استمرار مضاعفة أعداد الترانزستورات في المعالجات لعقود.
وقالت مؤسسة عائلة إنتل ومور الخيرية إنه توفي بين أفراد عائلته في منزله في هاواي.
شارك مور في إطلاق إنتل في 1968 ضمن مجموعة ثلاثية من الشخصيات البارزة في مجال التكنولوجيا، التي وضعت في نهاية المطاف معالجات “إنتل إنسايد” في أكثر من 80 في المئة من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في العالم.
ولاحظ في مقال نشره سنة 1965 أن التحسينات في التكنولوجيا ضاعفت عدد الترانزستورات على الرقائق الدقيقة سنويا منذ اختراع الدوائر المتكاملة.
وتوقع في العام 1975، أن يتضاعف عدد الترانزستورات مرة كل عامين. وقد أطلق رائد آخر في مجال الرقائق الدقيقة وهو كارفر ميد، على هذه النظرية اسم “قانون مور”.
وقد اتّبع تطوّر قدرات المعالجات الدقيقة “قانون مور” لعقود من الزمن، ما أدى إلى زيادة أداء الإلكترونيات والحوسبة مع خفض تكاليفها.
وبحسب تقديرات عدة، خُفضت تكلفة الترانزستور بمئات ملايين المرات منذ بداية ستينات القرن العشرين.
وأتاح هذا التطور نشر تقنيات الحوسبة والإلكترونيات على أوسع نطاق، أولا عبر أجهزة الكمبيوتر الشخصية، ثم الأجهزة المختلفة، وصولا إلى الهاتف المحمول.
كتب مور في مقال له قبل عقدين على ثورة أجهزة الكمبيوتر وأكثر من 40 سنة على إطلاق هواتف الآيفون، أن “الدوائر الإلكترونية المتكاملة ستخلق عجائب مثل أجهزة الكمبيوتر المنزلية، أو على الأقل المحطات المتصلة بجهاز كمبيوتر مركزي، وأدوات التحكم الآلي للسيارات، ومعدات الاتصالات المحمولة الشخصية”.
المتخصصون يتوقعون أن يتوقف تطبيق "قانون مور" قريبا بسبب القيود المادية المرتبطة بدمج الترانزستورات في المعالج الدقيق
وأشارت تنبؤات مور إلى مضاعفة الترانزستورات على أشباه الموصلات. ولكنها شملت على مر السنين محركات الأقراص الثابتة وشاشات الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية الأخرى، مما خلق جيلا جديدا من المنتجات كل 18 شهرا تقريبا. وأصبح القانون معيارا لتقدم صناعة التكنولوجيا وابتكارها.
وأصبحت الرقائق أكثر كفاءة وأقل تكلفة بعد مقال مور، مما ساعد على دفع الكثير من التقدم التكنولوجي في العالم لمدة نصف قرن، والسماح بظهور أجهزة الكمبيوتر الشخصية وعمالقة وادي السيليكون مثل أبل وفيسبوك وغوغل.
وقال مور في مقابلة في 2005 “من المؤكد أنه من الجيد أن أكون في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. كنت محظوظا بدخول صناعة أشباه الموصلات في مهدها، وأتيحت لي فرصة النمو من مرحلة لم نتمكن فيها من صنع ترانزستور واحد إلى مرحلة أصبحنا نضع خلالها 1.7 مليار منها على شريحة واحدة! لقد كانت رحلة استثنائية”.
إنتل اخترعت تحت قيادة مور ورفيقه نويس المعالجات الدقيقة التي فتحت طريق ثورة الكمبيوتر الشخصي
وقال كارفر ميد، عالم الكمبيوتر المتقاعد في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا الذي صاغ مصطلح “قانون مور” في أوائل السبعينات، إن “الروح الإنسانية هي التي بعثت وادي السيليكون”.
وأكد منافسو إنتل مثل “إنفيديا كورب” في السنوات الأخيرة أن قانون مور لم يعد ساريا، حيث تباطأت التحسينات في تصنيع الرقائق.
ويتوقع المتخصصون أن يتوقف تطبيق “قانون مور” قريبا بسبب القيود المادية المرتبطة بدمج الترانزستورات في المعالج الدقيق.
لكن تعثرات التصنيع التي تسببت في خسارة إنتل حصتها في السوق في السنوات الأخيرة لم تثن الرئيس التنفيذي الحالي بات غيلسنجر عن اعتقاده بأن “قانون مور” لا يزال ساريا، حيث تستثمر الشركة المليارات من الدولارات في جهود التحول.
وقال موريس تشانغ، مؤسس شركة “تيوان سيمكوندكتور مانفاكتشرنغ كو” (تي.أس.أم.سي)، وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، إن مور كان صديقا عظيما ومحترما لأكثر من 60 عاما. وتابع في بيان صدر عن “تي.أس.أم.سي” أن “مع رحيل غوردون، رحل جلّ زملائي من الجيل الأول في صناعة أشباه الموصلات”.
وأخبر مور مجلة فوربس أنه لم يمتلك جهاز كمبيوتر منزليا حتى أواخر الثمانينات، رغم توقعه حركة الكمبيوتر الشخصي.
رائد أعمال عرضي
ولد مور في سان فرانسيسكو في الثالث من يناير 1929، ونشأ في بلدة بيسكاديرو الساحلية الصغيرة. كان مغرما بالكيمياء عندما كان طفلا. والتحق بجامعة ولاية سان خوسيه، ثم انتقل إلى جامعة كاليفورنيا ببيركلي. وحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في 1954، وعمل لفترة وجيزة باحثا في جامعة جونز هوبكينز.
انطلقت مغامرته في عالم الرقائق الدقيقة عندما انتُدب للعمل لدى ويليام شوكلي الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء مع جون باردين ووالتر براتين سنة 1956 لاختراعهم الترانزستور.
وغادر مور وسبعة من زملائه مختبر شوكلي لأشباه الموصلات بعد أقل من عامين، بعد أن سئموا ممارسات الإدارة.
وغرس انشقاق “الثمانية الخونة” بذور الثقافة المتمردة في وادي السيليكون، حيث لم يتردد المهندسون الذين اختلفوا مع زملائهم في أن تحولوا إلى منافسين لهم في السوق.
أنشأ المنشقون عن شوكلي شركة فيرتشايلد في 1957 التي أصبحت واحدة من أولى الشركات التي صنعت الدائرة المتكاملة. وزودت فيرتشايلد رقائق أجهزة الكمبيوتر الأولى التي استخدمها رواد الفضاء.
مور أكد أنه لم يمتلك جهاز كمبيوتر منزليا حتى أواخر الثمانينات، رغم توقعه حركة الكمبيوتر الشخصي
غادر مور وروبرت نويس شركة فيرتشايلد في 1968، وأسسا شركة إنتل مع 500 ألف دولار من أموالهما الخاصة ودعم صاحب رأس المال الاستثماري آرثر روك.
كان آندي غروف أول تعيين في الشركة. وقادها خلال الكثير من نموها الهائل في الثمانينات والتسعينات.
وتعدّ إنتل اليوم أهم شركة مصنّعة لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة، والثالثة في العالم من حيث حجم الأعمال، بعد “سامسونغ” الكورية الجنوبية و”تي.أس.أم.سي” التايوانية.
ووصف مور نفسه لمجلة فورتشن بأنه “رائد أعمال عرضي لم يكن يحمل رغبة ملحة في إطلاق شركة، لكن شراكته كانت قوية مع نويس وغروف”.
وبينما تبنّى نويس نظريات حول كيفية حل مشاكل هندسة الرقائق، كان مور الشخص الذي قضى ساعات لا حصر لها في تعديل الترانزستورات وتنقيح أفكار نويس، في جهود كانت تؤتي ثمارها في الكثير من الأحيان. وكان غروف خبيرا في العمليات والإدارة في إنتل.
ألهمت موهبة مور الواضحة المهندسين الآخرين الذين يعملون لديه. واخترعت إنتل تحت قيادته ورفيقه نويس المعالجات الدقيقة التي فتحت طريق ثورة الكمبيوتر الشخصي.
إنتل تعدّ اليوم أهم شركة مصنّعة لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة، والثالثة في العالم من حيث حجم الأعمال
كان مور الرئيس التنفيذي حتى 1975 على الرغم من أنه والمدير التنفيذي نويس كانا يعتبران نفسيهما متساويين. وكان مور من 1979 إلى 1987 رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي وبقي في منصب رئيس مجلس
الإدارة حتى 1997. وقدرت مجلة فوربس ثروته الصافية في 2023 بـ7.2 مليار دولار.
كان غوردون صيادا رياضيا منذ فترة طويلة، ومارس هوايته في جميع أنحاء العالم. وأطلق في 2000 مع زوجته بيتي مؤسسة تركز على القضايا البيئية. وتبرع مور بحوالي 5 مليارات دولار من أسهم شركة إنتل لتمويل المؤسسة، التي تولت مشاريع مثل حماية حوض نهر الأمازون وتيارات السلمون في الولايات المتحدة وكندا وروسيا.
وقال رئيس المؤسسة هارفي فاينبرغ في بيان إن “أولئك الذين التقوا بغوردون وعملوا معه سيستلهمون إلى الأبد حكمته وتواضعه وكرمه”.
كما قدم مئات الملايين إلى جامعته، معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، لإبقائها في طليعة التكنولوجيا والعلوم، ودعم مشروع البحث عن ذكاء خارج الأرض.
ثوري هادئ
وصف مدير إنتل فرانك ييري الراحل مور بأنه عالم لامع ورائد أعمال أميركي. وقال إنه يستحيل تخيل العالم الذي نعيش فيه اليوم دون مساهمات غوردون مور.
وقال المؤلف ديفيد بروك في كتابه “قانون مور: حياة غوردون مور، ثوري هادئ في وادي السيليكون” إنه كان “أهم مفكر وفاعل في قصة إلكترونيات السيليكون”.
وكتب الرئيس التنفيذي لشركة “أبل” تيم كوك في تغريدة عبر تويتر “فقد العالم عملاقا برحيل غوردون مور، أحد مؤسسي سيليكون فالي وصاحب رؤية حقيقية مهّدت الطريق للثورة التكنولوجية”.
حصل مور على الوسام الوطني للتكنولوجيا من الرئيس جورج إتش. بوش في 1990 وميدالية الحرية الرئاسية من الرئيس جورج دبليو بوش سنة 2002.
كان مور معروفا بتواضعه رغم ثروته. وأشار في 2005 إلى قانون مور على أنه “تخمين محظوظ نال دعاية أكثر مما يستحق”.
وقضى ساعاته الأخيرة مع زوجته منذ 50 عاما بيتي ومع أبنائه كينيث وستيفن وأحفاده الأربعة.