غلاء المعيشة يهوي بشعبية أردوغان

الأزمة الاقتصادية انعكست سلبا على حياة الأتراك.
الثلاثاء 2023/05/09
نصف الحاجيات تكفي

إسطنبول - لا يريد الأتراك سوى العودة إلى حياتهم الطبيعية قبل أن تبدأ الأزمة الاقتصادية التي انعكست سلبا على حياتهم، إذ لم يعد بمقدور أغلبية الشعب سوى شراء الضروريات في ظل الغلاء المتزايد بسبب التضخم وانهيار قيمة الليرة.

ويقول حكيم إكينجي وهو مصفف شعر من إسطنبول طالما أيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه لن يمنحه صوته في انتخابات الأحد المقبل، وهو ما يرجعه إلى السياسات الاقتصادية التي أتت على القدرة الشرائية للأتراك وتركت الكثيرين غير قادرين على تحمل شراء المواد الغذائية الضرورية.

وفي السنوات العشر الأولى له في السلطة تمكن أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) ذي الجذور الإسلامية من الحفاظ على قاعدة الناخبين المؤيدة لهما المكونة أساسا من الأتراك ذوي الدخل المنخفض والمسلمين المحافظين، عبر تسجيل نمو اقتصادي قوي.

استطلاعات الرأي تظهر أن نسبة تأييد أردوغان أقل من خصمه الرئيسي كمال قليجدار أوغلو قبيل الجولة الأولى من التصويت

لكن أزمة غلاء المعيشة التي أثارها برنامج أردوغان الاقتصادي غير التقليدي على مدار فترة عام ونصف العام حتى الآن أدت إلى تآكل شعبيته، ليواجه أكبر التحديات الانتخابية في 20 عاما قضاها في السلطة.

وتظهر بعض استطلاعات الرأي أن نسبة تأييد أردوغان أقل من خصمه الرئيسي كمال قليجدار أوغلو قبيل الجولة الأولى من التصويت المقررة يوم الأحد المقبل، على الرغم من أن الفارق تقلص في الآونة الأخيرة.

ولا يزال الغموض يكتنف السباق البرلماني، مع احتمال فوز المعارضة بأغلبية ضئيلة.

وقال إكينجي (63 عاما) بينما توقف مؤقتا عن قص شعر أحد العملاء في صالونه بمنطقة بشكتاش في إسطنبول “اعتدنا على ملء ثلاثة إلى أربعة أكياس من البقالة بمبلغ 150 إلى 200 ليرة (7.7 إلى 10 دولارات). لم نكن أنا وزوجتي نقدر على حملها. الآن بالكاد يمكننا ملء كيسين (بهذا المبلغ)”.

وأضاف “يمكنني أن أقول إن المسؤولين هم من يتحكمون فينا. أعتقد أن الأمر يتعلق بقرارات خاطئة اتخذوها. اعتدت أن أكون من مؤيدي حزب العدالة والتنمية، لكنني لا أفكر في التصويت لصالحهم”.

وتمثل آراء إكينجي الملايين من الأتراك الذين اضطروا للتعامل مع التضخم الجامح لسنوات. وزادت أسعار المواد الغذائية 54 في المئة على أساس سنوي في أبريل مع انخفاض التضخم إلى 43.7 في المئة بعد أن بلغ ذروته في أكتوبر عند 85.5 في المئة، وهو أعلى مستوى خلال حكم أردوغان.

وظل التضخم السنوي أكثر من 10 في المئة طوال خمس سنوات تقريبا منذ الانتخابات العامة في 2018. وبدأ يرتفع بشدة بعد أزمة العملة في أواخر عام 2021، والتي نجمت عن سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة وفقا للسياسة الاقتصادية غير التقليدية لأردوغان.

أنصار أردوغان لا ينكرون أن الاقتصاد لا يسير على ما يرام كما كان في وقت سابق من عهده
أنصار أردوغان لا ينكرون أن الاقتصاد لا يسير على ما يرام كما كان في وقت سابق من عهده

وأشار إكينجي إلى أنه بدأ يتشكك في دعمه للرئيس التركي ولحزب العدالة والتنمية لأسباب اقتصادية بعد فترة وجيزة من انتخابات 2018، واتخذ قرارا محددا بعدم التصويت لهما بعد أزمة العملة في عام 2021.

وخسرت الليرة التركية 44 في المئة من قيمتها في عام 2021 و30 في المئة في عام 2022. وتراجعت بإجمالي 76 في المئة في الولاية الرئاسية الثانية لأردوغان والتي شهدت عدة أزمات للعملة بسبب السياسات الاقتصادية غير التقليدية وتطورات جيوسياسية مثل حرب أوكرانيا والخلافات بين أنقرة وواشنطن.

وأضاف إكينجي “سعر الصرف خرج عن نطاق السيطرة. لا يمكننا تحمل أي شيء. لم ينفذوا أي شيء قالوه، وبالتالي فإنهم لا يستحقون أي ثقة”.

ويعمل مصفف الشعر بمفرده بعد أن اضطر إلى تسريح موظفين اثنين، وقال إنه لا يستطيع الحصول على أي قروض مصرفية على الرغم من تخفيضات أسعار الفائدة لأن السلطات تحد من القروض الاستهلاكية من أجل تثبيت التضخم.

لكن العديد من الناخبين المؤيدين لحزب العدالة والتنمية ما زالوا يعتقدون أن أردوغان وحده هو من يمكنه إصلاح الاقتصاد، أو يلقون باللوم على عوامل أخرى في الوضع الراهن. وقالت حليمة دومان وهي من سكان إسطنبول، إن من يزيدون الأسعار لتحقيق أرباح أكبر هم المسؤولون عن ارتفاع تكاليف المعيشة. وأضافت في سوق بوسط إسطنبول “أقسم أن أردوغان يستطيع حلها بإشارة منه”.

وترى دومان أن المعارضة، بما فيها تحالف المعارضة الذي ينتمي إليه كمال قليجدار  أوغلو، لا تقوى سوى على الأقوال. وقالت “إنهم لا يتخذون أي إجراء”.

التضخم السنوي ظل أكثر من 10 في المئة طوال خمس سنوات منذ الانتخابات العامة في 2018 وبدأ يرتفع بشدة بعد أزمة العملة في أواخر عام 2021

وقال بيرول باسكان وهو كاتب ومحلل سياسي لا ينتمي إلى أي حزب، إن أنصار أردوغان حتى “المتعصّبين” منهم لا ينكرون أن الاقتصاد لا يسير على ما يرام كما كان في وقت سابق من عهده.

وأضاف “السبب وراء استمرار هذا الحزب في الفوز هو أنه قدم للناخبين امتيازات مادية معينة. هذه هي المرة الأولى التي يبدو فيها أن هذا السحر ليس مجديا بسبب الاقتصاد وبسبب التضخم المرتفع وتكاليف المعيشة الكبيرة”.

وتابع “لقد أضر ذلك بمالية الناس بشدة، ولهذا أعتقد أن الفوز في هذه الانتخابات لم يعد مضمونا بهذا القدر”.

وبعض الناخبين ليسوا واثقين في أن المعارضة ستخفف على الفور المخاوف الاقتصادية أيضا. ويقول طلعت غول وهو عامل في مجال أحجار الرخام لم يصوت أبدا لحزب العدالة والتنمية أو حلفائه، إنه لا يرى حوله حاليا “سوى الجوع”، لكنه يشك في أن الأمور ستتغير سريعا إلى الأفضل إذا فازت المعارضة.

وأضاف وهو يتجول في سوق المزارعين “لقد أوجدوا على مدار 21 عاما ماضية تركيا لا يمكن تغييرها. سيستغرق الأمر 20 عاما لتتعافى بغض النظر عمّن سيصل إلى السلطة. لكنني أريد فقط أن يرحل (أردوغان)”.

ولم يقر إكينجي بعد لمن من المرشحين الثلاثة المنافسين لأردوغان سوف يمنح صوته. وقال “كمال قليجدار  أوغلو ربما يكون شخصا نزيها (…) لكنهم لم يعلنوا عن أي شيء يقنعني”.

وأكد “أريد أن ينخفض سعر الدولار (بعد الانتخابات). أريد أن ينخفض سعر البنزين. أريد أن ينخفض التضخم (…) أريد أن أعود إلى ما كانت عليه حياتي قبل خمس أو ست سنوات. أريد أن أكون قادرا على الخروج للنزهة، والسفر إلى الخارج”.

6