غسان مسعود في لقاء حنين بطلاب المسرح في سوريا

ليس ثمة عائق في البوح عن الحنين والذكريات، فأماكن الدراسة ثم العمل لا تكون لكسب الرزق فحسب بل تصير جزءا من مسيرة الحياة بحلوها ومرها، تغلفها الكثير من الذكريات لأشخاص ومواقف تصير جزءا من الحياة. وهذا الحنين وتلك الذكريات كانا عنوانا للقاء طلابي جمع الفنان غسان مسعود وطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق ضمن فعاليات “ملتقى الإبداع”.
الحنين كان عنوان اللقاء الذي جمع غسان مسعود الفنان المسرحي السوري مع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، حنينه من طالب ثم أستاذ كان إحدى دعامات المعهد كما وصفه صاحب مشروع “ملتقى الإبداع” تامر العربيد عميد المعهد، وهو الذي تخرجت على يديه دفعات من الطلاب الذين صاروا فنانين كبارا في ساحات الفن السوري والعربي.
هذا الحنين قابله طلاب المعهد شغفا، حيث توافدوا إلى مدرج سعدالله ونوس ليشكلوا جمهورا محبا وراغبا في المزيد من المعرفة والخبرة من مكمن فني غني.
بدأ اللقاء في بهو المعهد حيث قدم الفنان وسام الشاعر عازف الأكروديون الشهير معزوفة أومن للأخوين رحباني، ثم احتفى طلاب قسم الرقص في السنة الثانية بالفنان بتقديم لوحة راقصة ليبدأ اللقاء بعدها على مسرح سعدالله ونوس بحضور جمهور ملأ كامل المدرج.
حنين إلى المكان
بالكثير من الحب، احتضن ملتقى الإبداع وطلبة المعهد غسان مسعود، بحضور المئات من المحبين وكاميرات إعلام وأصدقاء ومهتمين. ثم كانت اللحظة الفصل بعد تقديم هادئ من سعد القاسم مدير الندوة. فكان على مسعود أن يتحدث لأول مرة في اللقاء الحدث، وكان شجن حنين إلى المكان والكثير من الذكريات حاضرا وصاحب سطوة، فغلبت رهبة الحنين القدرة على الكلام، وانسابت الكلمات هاربة من اللسان لتحل مكانها دموع محببة من عينيه.

وفي بوح عميق يرد مسعود على الحب فيقول “كثيرا ما دعيت إلى تكريمات ولقاءات لكن ما كان اليوم غير مسبوق، وهو أهم تكريم لي في حياتي، فالمعهد يشعرني أني في بيتي، وهذا ما أشعر به الآن”.
ويبدو ملتقى الإبداع في ثاني لقاءاته مستمرا في ترسيخ حالة العلاقة الأكاديمية العميقة بين طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية وبين قامات الفن المسرحي في سوريا، فبعد اللقاء الأول مع الفنانة منى واصف رسخ اللقاء الثاني مع غسان مسعود التوهج ذاته في إضفاء روح الشغف المسرحي بين قامة فنية كبيرة وطلاب مستجدين في عالم الفن والمسرح.
وفي تقديمه للفنان مسعود يقول المسرحي تامر العربيد “كنا في المغرب قبل سنوات طويلة، فتوقفنا في استراحة على طريق سفر، وصادفنا فيها وفدا من فلسطين العربية، فتعرفوا عليه وجاؤوا للتحية، وعندما سمعت ما قالوا وكيف قالوه، شعرت بأن رأسي طاولت عنان السماء، لما تحدثوا به عن شخص وفن وبلد غسان مسعود”.
وتابع “هو ليس اسما عابرا في تاريخ المعهد العالي للفنون المسرحية بل هو دعامة فيه وركن أساسي، فهو قامة مسرحية كان لها تأثير كبير في تاريخ المعهد وتخرجت على يديه أسماء فنية شهيرة، وما لقاؤنا اليوم معه إلا محطة بسيطة في مسيرته الفنية الغنية، التي يجب على طلابنا الاستفادة منها جل استطاعتهم”.
وفي لقائه مع الطلاب حرص مسعود على تقديم عصارة تجربته الحياتية والمهنية في فن المسرح، يسأله طلاب عن مسؤولية حمل لقب فنان ومتى يحق لهم أن يقدموا رأيا فيجيب بنظرة الخبير “ليس الطالب معنيا في هذه المرحلة بأن يقدم رأيا، وليس مطلوبا منه ذلك، فالطالب في هذه المرحلة يستمع ويستزيد من المعرفة، وهي مرحلة يجب أن تمتد لسنوات يتلقى الطالب فيها الكثير من المسرحيات ويقرأ الكثير ليكتسب الخبرة اللازمة، وبعد مرور سنوات على ذلك يمكن أن يصير مؤهلا لإبداء رأي”. ويضيف “من يقدّم رأيا في بداية طريقه الفنية سيعرض نفسه للعديد من المطبات”.
وعن خصوصية العروض المسرحية وعلاقة الجمهور بالمسرح تحدث مسعود بشفافية مع الطلاب فقال “كنا محظوظين في سوريا أن أساتذتنا كانوا من دراسي المسرح في الشرق والغرب معا، فكنا مثلا ندرس ونتفاعل مع المسرح السوفيتي وكذلك الفرنسي. وقدم المسرحيون حينئذ مسرحيات من مزاج كلا الجانبين، وهذا جيد من حيث المبدأ، لكنهم قدموا المسرح الغربي كما هو، ضمن بيئته وشرطيته المكانية فكان غريبا عنا وعن جمهورنا، لذلك ابتعد الجمهور عنه في مرحلة زمنية محددة. هنا يبرز دور البعض منهم، ليقدم مسرحا أجنبيا لكن بشروط البيئة المحلية، كما في مسرح فواز الساجر الذي عمل على نقل هذه التجارب بعد دراسة بيئتها فيما سماها الخاصية القومية. التي تعني ضرورة تقديم هذا المسرح الأجنبي بشرطية البيئة المحلية”.
لم يشأ غسان مسعود الدخول في الحديث عن بعض المشكلات التي واجهته في عمله في المعهد كونها برأيه تترك أثرا سلبيا، وأكد أنه يفضل الحديث في الإيجابيات التي تحض على بذل المزيد من الجهد لتقديم ما هو أفضل.
تجربة فنان ومعلّم

هكذا استقبل الطلبة أستاذهم
كذلك عرج على موضوع النجاح والفشل فبيّن ردا على سؤال طالب “أن النجاح أصعب من الفشل لأن الفشل لا يحتاج إلى حماية، ففي مسيرة كل فنان محطات فشل وهي واضحة لا يمكن نكرانها ولا تحتاج إلى حماية، لكن النجاح هو الأهم، وهو ما يحتاج إلى حماية لأن الأخطار تتربص به، وعلى الفنان أن يقدم كل جهده في سبيل تحقيق النجاح ثم المحافظة عليه”.
أما عن مهنة وذكريات التدريس في المعهد بين مسعود أنه قرر في نهاية التسعينات أن يتوقف عنها، وأنه حادث بذلك أستاذه المسرحي المغربي محمد إدريس الذي طلب منه عدم ترك مهنة التدريس لما توفره من فائدة وقيمة كبرى في الحياة.

ويتابع مسعود “مهنة التدريس تعني التعرف على العديد من الطلاب الذين يمثلون بيئات وذهنيات مختلفة، وعلى الأستاذ مدّ جسور التواصل والتفاعل معهم ليكسب ثقتهم ومن ثم ليقدم المعرفة لهم، مهنة التدريس صعبة لكنها تجعل الإنسان في حالة تواصل دائم مع المعرفة والعلم، وهذا من أهم ما تقدمه”.
كذلك تحدث الفنان في مفهوم جدلية المتعة والفائدة، وهي الحالة المأزومة في الحوار الفكري المسرحي منذ ولادة المسرح القومي في سوريا، والتي كان رائداها الفنان نهاد قلعي مؤسس المسرح القومي في سوريا ورفيق الصبان صاحب المعرفة الكبيرة ونظريات تقديم المسرح العالمي فيه.
حول هذه الجدلية كثيرا ما ثارت نزاعات فكرية واستقطاب أيديولوجي جعل الحركة المسرحية في جانبي المسرح الملتزم والآخر التجاري. عن ذلك تحدث غسان مسعود للطلبة ليبيّن “أن المسرح يجب أن يحقق هذه المعادلة الكامنة في تحقيق المتعة والفائدة معا، فالمسرح التجاري يقدم نمطا يعتمد على الكوميديا والاستعراضات التي يقدمها غالبا بطل العرض مع ما يرافق ذلك من استعراض لمادة الجسد، بينما يقدم المسرح الآخر القيمة الفكرية العالية والتي تزيد من المعرفة لدى المتلقي. ولكن يجب ألا يذهب المسرح الجاد في تقديم حالة معرفية جافة بحيث يغدو العرض كما لو أنه يجلد المتلقي. وهنا تبرز أهمية أن يكون هنالك توازن بين المتعة التي يجب أن يحتويها العرض المسرحي إلى جانب القيمة المعرفية”.