غرب سهيل.. قرية مصرية تروي حكاية نوبية للعالم

تنبض قرية غرب سهيل، في جنوب مصر، بروح النوبة وتقاليدها العريقة، حيث تحكي جدران البيوت الملوّنة قصصا من التاريخ والحياة، وتعكس دفء الإنسان، وسحر المكان، وبساطة المعمار المزخرف، وصولا إلى العادات اليومية المتوارثة.
القاهرة - إلى ضفاف النيل في محافظة أسوان جنوب مصر، يشدّ السيّاح الأجانب من مختلف الجنسيات رحالهم إلى قرية غرب سهيل، التي شقّت طريقها إلى العالمية بفضل عادات أهلها النوبية وتقاليدهم الأصيلة، وحرصهم على صون التاريخ المصري وتجسيده بالألوان الزاهية على جدران منازلهم وفي أزقة قريتهم.
وترتبط القرية بتاريخ النوبة، أحد أعرق الحضارات في مصر القديمة، التي عاشت على ضفاف النيل، فاستمدت من سخائه روح الكرم، ومن لون سمائه صفاء ينعكس على وجوه أهلها.
وبمجرد وصول الزائر إلى القرية، يمكنه أن يستنشق نسيمها العليل، ويستمتع بمشاهدة الرسومات الجدارية التي تزين بمهارة منازلها البسيطة، والتي تحاكي الحياة اليومية للنوبيين. كما تخطف الأنظار لوحات أخرى تجسّد مشاهد النيل والمراكب الشراعية، التي تمثل روح القرية، إلى جانب جداريات تحتفي بالنجم المصري محمد صلاح، لاعب نادي ليفربول الإنجليزي.
ولا تُترك زاوية من جدران منازل القرية دون أن تُزيَّن برسومات تراثية، تخلّد تاريخ النوبة، لاسيما مشاهد النيل والمراكب التي تُعد من أبرز وسائل التنقل لأهالي الضفاف.
من داخل منزله، قال نصرالدين عبدالستار، المعروف بـ”الحاج ناصر”، وهو أحد وجهاء القرية، “أذوب عشقا في قريتي،” مشيرا إلى أن غرب سهيل “تحظى بالنصيب الأكبر من حركة السياحة بين قرى النوبة في جنوب مصر،” لما تتميز به من جمال وتناسق في ألوان منازلها وزخارفها، فضلا عن المنتجات اليدوية والمأكولات التقليدية والتماسيح التي تحتضنها بعض البيوت.
وخلال لقائنا به، أشار الحاج ناصر إلى حوض داخل منزله مبني من الطوب، يحتوي على عدد من التماسيح الصغيرة. وأوضح أن قريته اشتهرت منذ عقود بتربية التماسيح، مشيرا إلى أنه بدأ هذه العادة منذ عام 1995.
أخرج ناصر أحد التماسيح الصغيرة، ممسكا به بمهارة من فكه بيد، ومن ذيله باليد الأخرى، بينما التمساح يفتح فمه ويُصدر صوتا حادّا.
وحول هذه التجربة، أوضح أن “التمساح يتغذى مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيا، ويحرص على تنظيف حوضه، الذي يبلغ مترا في مترين، بشكل منتظم”.
وأضاف، “مع حلول فصل الشتاء، يدخل التمساح في بيات شتوي، فلا يأكل شيئا من منتصف ديسمبر حتى مطلع مارس، ويعيش فقط على الماء”.
وأكد الحاج ناصر أن التماسيح يمكن أن تعيش معه سنوات طويلة، وذكر أنه أعاد أحدها إلى النيل بعد أن بلغ عمره عشرين عاما وكبر حجمه.
وقد أسهم تمسك أهالي غرب سهيل بحياتهم البسيطة وتقاليدهم اليومية، بدءا من الملابس والطعام حتى العمارة والتنقل، في اختيار منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة لقريتهم ضمن “أفضل القرى الريفية السياحية لعام 2024”.
وضمن منافسة ضمت 260 قرية حول العالم، وصلت غرب سهيل إلى قائمة الـ55 قرية النهائية التي تأهلت لهذا اللقب العالمي، تقديرا لما تقدّمه من تجربة سياحية بيئية أصيلة.
وتأسست القرية قبل أكثر من 100 عام، بالتزامن مع إنشاء خزان أسوان القديم عام 1902 وتعليته الأولى عام 1912. وسُمّيت غرب سهيل نسبة إلى موقعها غرب جزيرة سهيل، الواقعة على بُعد 4 كيلومترات جنوب غرب مدينة أسوان، والتي تعود أصولها إلى آلاف السنين، وتضم نقوشا تاريخية على صخورها.
وقد ساهمت جهود أبناء القرية في تحويلها إلى تجربة سياحية فريدة، وجعل منازلها مواقع تستقبل آلاف السائحين سنويا، الأمر الذي جعل محافظة أسوان قبلة بارزة للسياحة العالمية.
وقال خيري محمد علي، رئيس غرفة شركات السياحة ووكلاء السفر بأسوان في تصريحات سابقة، “نجحت القرية في تقديم نموذج جديد للسياحة في مصر، من خلال تحويل منازلها إلى أماكن إقامة بيئية تستقبل السيّاح الباحثين عن تجربة أصيلة مختلفة عن السياحة التقليدية”.
وأضاف أن أبرز ما يميز غرب سهيل هو الهدوء، واحتضانها لتجربة معايشة يومية حقيقية مع أهالي النوبة، بعيدا عن صخب الفنادق الفخمة والقرى السياحية.
وتمكّنت القرية بمفهومها الجديد من خلق تنوع سياحي فريد، من خلال اعتمادها على نمط السياحة البيئية، وتحويل مبانيها إلى لوحات فنية نابضة بالألوان والرسومات ذات الطابع النوبي، مما جعلها “أستوديو تصوير طبيعي مفتوح” يكسر النمط التقليدي للسياحة.