غربان تسافر ذهنيا عبر الزمن لتأمين قوتها

فيينا- كشفت دراسة نمساوية حديثة أن غربان كاليدونيا تعرف كيف تحدّد مسبقا الأداة التي ستسمح لها لاحقا بالوصول إلى مصدر قوتها وذلك من خلال إتقانها “السفر الذهني عبر الزمن” والتمعّن في آلياته، وهو ما يقدم دليلا إضافيا على القدرات الإدراكية لهذا النوع من الطيور.
وكان من المعلوم أن هذه الحيوانات تستخدم “أدوات”، مثل أغصان دقيقة، للوصول إلى دودة متغلغلة في جذع شجرة. ولاحظ علماء في سياق تجربة أن في وسع الحيوانات أيضا استخدام غصن قصير جدّا للحصول على آخر أطول يتيح لها النفاذ إلى مكافأة.
وذهب البروفيسور ماركوس بوكله من جامعة فيينا أبعد من ذلك، مظهرا مع فريقه أن في مقدور غربان كاليدونيا التخطيط لعملية مقبلة، وهي إحدى القدرات المميّزة للذكاء البشري.
ودُرّبت الطيور على استخدام ثلاث أدوات، هي غصن وحصى وشنكل، يعمل كلّ منها حصرا مع آلية خاصة به تحتوي على قطعة صغيرة من اللحم، ثم دُرّبت الغربان على اتبّاع سلسلة محدّدة مع الآلية التي تعمل بالغصن لا غير، وهي كناية عن أنبوب من البلاستيك الصلب، وفق ما جاء في هذه الدراسة التي نشرت في مجلّة “بروسيدينغز أوف ذي رويال سوساييتي”.
وفي إحدى المقصورات، يُعرض عليها الأنبوب الذي يحتوي على قطعة لحم لمدّة دقيقة ثم يوضع الغراب في مقصورة محاذية تقدّم له فيها بعد خمس دقائق خمس قطع، هي الأدوات الثلاث وكرة لأغراض التلهية وقطعة صغيرة من البطاطا، وهي جزء من نظامه الغذائي.
وينتظر الغراب بعد اختياره قطعة واحدة من بينها، لعشر دقائق قبل إعادته إلى المقصورة الأولى حيث يوجد الأنبوب الذي يحتوي على قطعة اللحم التي يأخذها بواسطة الغصن.
واجتازت الغربان بنجاح ما يعرف بـ”تجربة مارشميلو” التي تقضي بعرض قطعة حلوى على طفل (هي قطعة البطاطا في حالة الغراب) مع الإشارة إلى أنه في حال امتنع عن تناولها سيحصل على عدد أكبر منها لاحقا (قطعة اللحم في حالة الغراب).
وأوضح بوكله، الباحث في قسم علم الأحياء الإدراكي، “تمتحن هذه التجربة المعروفة باسم ‘السفر الذهني عبر الزمن’ قدرة الفرد على استشراف المستقبل التي يكتسبها الطفل اعتبارا من الرابعة أو السادسة”.
لكن هذه التجربة تنطوي على “صعوبة إضافية، إذ ينبغي للطير أن ينجز مهمّة تقنية تقضي باختيار أداة ليتسنّى له بلوغ هدفه”.
وبرهنت أربعة من الطيور الستة التي خضعت لهذه التجربة عن قدرتها على استشراف المستقبل وهي اجتازت مرحلتين بنجاح قبل أن تتعقّد الأمور في المرحلة الثالثة. فبغية التأكّد من أن اختيار الأداة لا ينجم عن استراتيجية “التعلّم بالاقتران” من خلال ربط الغصن بالمكافأة، خضعت الطيور خمس مرّات وبالمداورة، لسلسلتين لم تجرّبهما من قبل. الأولى مع آلية تعمل بالحصى والثانية بشنكل.
وقال بوكله “وصلنا إلى المرحلة الحسّاسة، إذ إن الأدوات الثلاث تتمتّع بالقيمة عينها، لكن كلّا منها هو الحلّ في حالة واحدة وليس في الحالتين الأخريين”.
وقد تطلّب الأمر “نوعا من التمرين الذهني لما يمكن فعله في المستقبل” واجتاز ثلاثة من الغربان الأربعة الاختبار بجدارة. واختار البطل “نبتون” الأداة المناسبة تسع مرّات من أصل عشر، في مقابل سبع مرّات لـ”ترايتون” و”يورانوس”.
وتشكّل هذه النتائج دافعا للتعمّق في قدرة غربان كاليدونيا على إتقان “السفر الذهني عبر الزمن” والتمعّن في آلياته.