غابت المحروقات في سوريا فعاد المحراث القديم إلى الزراعة

المحراث القديم كان الوسيلة الأكثر شيوعيا في عملية الحرث وهو مفيد جدا للأرض ويسهم في تحصيل ثمر طيب.
الجمعة 2022/04/08
زراعة ما قبل المكننة

السويداء (سوريا) - المحراث القديم قبل دخول الميكنة الزراعية في سوريا كان هو الوسيلة الأكثر شيوعيا في عملية الحرث، وكان المزارعون يقضون وقتا طويلا في حرث الأرض، لكنه كان مفيدا جدا للأرض، ويسهم في تحصيل ثمر طيب، وبسبب نقص الوقود الذي تشهده البلاد كان لا بد لهذا المحراث أن يعود من المتاحف التي ركن فيها وينخرط في العمل من جديد.

وروى أبوسليم (رجل ستيني من الريف الجنوبي لمحافظة السويداء، جنوب سوريا) كيف كان يحرث أرضه بالمحراث القديم، وفي الوقت ذاته لا ينسى أن يحدثك عن رائحة التراب المشبعة بالماء وأشعة الشمس التي تملأ المكان طيبا.

المزارعون أثناء حرث الأرض يرددون الأهازيج الشعبية التراثية للتعبير عن البهجة على أمل أن يكون الموسم خصبا

وقال أبوسليم، وهو يمشي وراء المحراث القديم الذي يجره حصان بني اللون نحيل، لوكالة شينخوا إن "المحراث القديم كانت له صولات وجولات قبل دخول الآلات الزراعية الحديثة، وأغلب المزارعين كانوا يحرثون أراضيهم مهما بلغت مساحاتها بهذا المحراث الذي يعد من التراث"، مشيرا إلى أنه مفيد جدا للأرض.

وتابع "اليوم، وبعد أن خرج هذا المحراث من الخدمة بسبب دخول الآلة الزراعية التي وفرت على المزارع الجهد والوقت، عاد إلى الاستخدام من قبل المزارعين، بسبب نقص الوقود في البلاد، وغلاء أسعاره في السوق السوداء، الأمر الذي أجبر غالبية المزارعين على العودة إلى هذا الأسلوب القديم".

وبين أبوسليم، الذي رسم عبر حرثه للأرض خطوطا متعرجة بنية اللون، أن هذا المحراث القديم يعد أكثر فائدة للأرض وخاصة لكروم العنب؛ فهو -حسب رأيه- يستطيع أن يصل إلى جذر دالية العنب، ويقتل الأعشاب الضارة التي تنبت على جذرها.

وأشار أبوسليم إلى أن "أجدادنا كانوا، إذا أرادوا أن يعلّموا شخصا ما حرث الأرض، يضعون في كفه خمس حصوات ثم يضغطون على يده التي وضعها على المحراث القديم كي تبقى سكة المحراث بداخل جوف الأرض عندما يجره الحصان"، منوها إلى أن هذا الألم الذي يشعر به الإنسان يجعله يعرف مدى تعلق الناس بالأرض.

وقال أبوسليم "نظرا لقلة المحروقات وندرتها ازداد الطلب على الحراثة بالمحراث القديم، الأمر الذي جعلني أطلب شبابا يعملون معي لتلبية حاجة أصحاب البساتين والحقول الذين استغنوا عن العزاقات والجرارات الآلية، واختاروا المحراث القديم".

عودة إلى صناعة الأجداد
عودة إلى حرفة الأجداد 

وبين أبوسليم أنه تعلم الحرث من والده الذي كان يعمل أكثر من 40 يوما متواصلا لحرث أرضه في إحدى قرى ريف السويداء الجنوبي، لافتا إلى أن المزارعين يفضلون هذا النمط من الحرث على الجرار الزراعي، لكن التطور الحاصل فرض نفسه على الزراعة، وباتت قلة قليلة تستخدم المحراث القديم، وأكد أن هذا المحراث استعاد اليوم ألقه، والكل ينتظر الحصول على دور.

وفي بلدة الكفر جنوب مدينة السويداء قال الشاب فيصل (35 عاما) إن والده علمه هذه المهنة، مشيرا إلى أن السبب في ذلك يعود إلى أن والده تقدم في العمر ولم يعد قادرا على العمل، ولفت إلى أن نقص الوقود الحاد أجبر الناس على استخدام المحراث القديم المصنوع من خشب الصنوبر أو غيره من الأخشاب خفيفة الوزن والمتينة.

ويشار إلى أن المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة منذ سنوات وأزمة المحروقات الحادة وساعات التقنين الطويلة، بسبب عدم توفر الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد، وجدت نفسها مجبرة على اتخاذ سلسلة من الإجراءات التقشفية.

أغلب المزارعين يحرثون أراضيهم مهما بلغت مساحاتها بالمحراث القديم الذي كانت له صولات ويعد من التراث

وقال فيصل "لم يعد بمقدور المزارعين حرث أراضيهم بالجرار الزراعي أو العزاقة (آلة صغيرة الحجم تستخدم لحرث الأرض أيضا)، بسبب ارتفاع أجور عمليات الحرث الذي ترافق مع ارتفاع أسعار مادة المازوت الذي توزعه الحكومة على أصحاب الآليات الزراعية، وقلة المادة أصلا، فأغلب المزارعين ينتظرون الحصول على دور لحرث أراضيهم"، لافتا إلى أن سعر ساعة الحرث بالمحراث القديم -أو الفدان كما يقال- تكلف 25 ألف ليرة سورية، بينما يأخذ صاحب الجرار الزراعي 17 ألف ليرة على الدونم الواحد (الدونم يساوي 1000 متر مربع)، ونوّه إلى أن المحراث القديم يهوّي التربة أكثر.

بينما رأى المزارع عدنان (48 عاما)، من نفس بلدة المزارع فيصل، أنه أمام ارتفاع أسعار مادة المازوت وأجور الحرث بالآلات الزراعية الحديثة كان لا بد من العودة إلى الأسلوب القديم، وهو أسلوب تقليدي معروف، ويعطي محاصيل زراعية جيدة.

وقال عدنان "عندي 30 دونم أرض، وهي على شكل مدرجات، ومن الصعب جدا أن يدخل إليها الجرار الزراعي، والعزاقة التي أملكها لا توجد لها كمية كافية من مادة المازوت، لهذا كان من الأفضل أن أحرث أرضي بالمحراث القديم، لكونه أرخص وأقل تكلفة، ويعطيني نتائج جيدة من حيث الإنتاج لاحقا"، مبينا أن المحراث القديم "أسلوب تقليدي، ونفرح عندما نراه يعود إلى الخدمة من جديد".

ويردد المزارعون أثناء حرث الأرض بالمحراث القديم بعض الأهازيج الشعبية التراثية للتعبير عن البهجة والفرحة على أمل أن يكون الموسم خصبا.

من التراث نحيا ونعيش
من التراث نحيا ونعيش 

18