غابات الزياتين ملاذ مهاجرين أفارقة في تونس ينشدون "الحرقة"

ما لا يقل عن 20 ألف شخص ينتشرون في حوالى 15 مخيما مؤقتا بالقرب من بلدتي العامرة وجبنيانة الزراعيتين جنوب شرق تونس.
الأحد 2024/04/28
معضلة مزمنة

تونس- يمضي الآلاف من المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء يومهم في حقول زيتون بالقرب من صفاقس في تونس وهم يطبخون لحم دجاج قاسيا ويقيمون تحت شوادر بلاستيكية، بانتظار رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا بحرا، أو ما يسمى في تونس برحلات “الحرقة”.

وتذهب التقديرات إلى أن ثمة ما لا يقل عن 20 ألف شخص ينتشرون في حوالى 15 مخيما مؤقتا بالقرب من بلدتي العامرة وجبنيانة الزراعيتين في شمال محافظة صفاقس (جنوب شرق).

وشرع هؤلاء بإقامة أكواخ بأغصان الأشجار اعتبارا من منتصف سبتمبر الماضي بعدما طردوا ونقلوا بحافلات من وسط مدينة صفاقس.

◄ على الرغم من التوترات وهشاشة الوضع، لا يرغب المهاجرون في العودة إلى بلدانهم

والتحق بهم آلاف آخرون أتوا مشيا إلى حقول الزيتون حيث يتحينون الفرصة المناسبة للصعود إلى قوارب متهالكة والإبحار باتجاه الشواطئ الإيطالية بشكل غير نظامي.

إبراهيم (اسم مستعار) واحد من هؤلاء. وهو غادر غينيا منذ أكثر من عام للهجرة إلى أوروبا من أجل “توفير احتياجات والدته المريضة وأخيه الصغير”.

دخل تونس عبر الحدود مع الجزائر ووصل إلى حقول الزيتون قبل ثلاثة أشهر في خضم فصل الشتاء بعدما مشى مدة 20 يوما.

يقول إبراهيم الطالب الجامعي البالغ 17 عاما “الوضع صعب للغاية هنا، حتى بالنسبة إلى التسوّق، فنحن نتنقل سرّا. يمكننا الخروج للبحث عن عمل ولكن في نهاية الشهر عندما يتعين عليهم دفع الراتب يقومون بالاتصال بالشرطة”.

وأطلق الرئيس التونسي قيس سعيّد مطلع العام الماضي تصريحات تستهدف المهاجرين غير النظاميين من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء كان لها وقع شديد على تواجدهم في البلاد.

وفقد المئات منهم مصادر رزقهم غير الرسمية في قطاعات مختلفة كالبناء والمطاعم والمصانع الصغيرة وكذلك طردوا من مساكنهم.

وفي 2023، استقل عشرات الآلاف البحر مجازفين بحياتهم انطلاقا من صفاقس، مركز انطلاق هذه الرحلات في تونس.

◄ داخل أكواخ مؤلفة من شوادر بلاستيكية وأنابيب ريّ أخذت من الحقول، يمضي هؤلاء المهاجرون الليل على حصائر بالية في مجموعات من خمسة إلى عشرة أشخاص
داخل أكواخ مؤلفة من شوادر بلاستيكية وأنابيب ريّ أخذت من الحقول، يمضي هؤلاء المهاجرون الليل على حصائر بالية في مجموعات من خمسة إلى عشرة أشخاص

ويؤكد إبراهيم “نحن على بعد كيلومترات قليلة من أوروبا”، في إشارة إلى السواحل الإيطالية التي تبعد أقل من 150 كيلومترًا.

وبالقرب من منطقة العامرة الزراعية وداخل أكواخ مؤلفة من شوادر بلاستيكية وأنابيب ريّ أخذت من الحقول، يمضي هؤلاء المهاجرون الليل على حصائر بالية في مجموعات من خمسة إلى عشرة أشخاص.

وينقسم المهاجرون إلى ثلاث مجموعات. فالمتحدثون بالفرنسية في مكان والناطقون بالعربية والإنجليزية في مكانين آخرين. وهم بغالبيتهم رجال لكنْ ثمة نساء وأطفال وقد أتوا من غينيا والسودان وسيراليون ونيجيريا وغيرها.

وتقوم نساء بإعداد حساء بلحم دجاج قاس يشكل الطبق الرئيسي لغالبية المهاجرين.

ويروي إبراهيم “كان الشتاء قاسيا جدا هذا العام، لكننا تمكنا من الصمود بفضل التضامن بين الإخوة الأفارقة”.

ويتابع “إذا كان لدى شخص ما طعام بينما لا تملكه، يعطيك بعضًا منه، الغطاء البلاستيكي اشتريناه بأموالنا أو بعدما تسولنا”.

ووزعت منظمة “الهلال الأحمر التونسي” و”المنظمة الدولية للهجرة” على المهاجرين أوائل أبريل سلالا تحوي مواد غذائية استفاد منها 7 آلاف شخص.

ويفيد المتحدث الرسمي باسم منظمة “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” رمضان بن عمر بأن تونس “تتحول إلى مركز احتجاز فعلي بسبب اتفاقيات مراقبة الحدود مع الاتحاد الأوروبي”. ويطالب غالبيتهم بالمساعدة من أوروبا وإخراجهم من هذا الوضع.

ويعرب إبراهيم عن قلقه على الصعيد الصحي، ويقول “أنجبت الكثير من النساء هنا ويتواجد مرضى ولا نستطيع الوصول إلى صيدلية أو مستشفى”.

ويؤكد مصدر في محافظة صفاقس “يوميّا يولد طفل مهاجر في مستشفى جبنيانة، والكثير من النساء الحوامل من دون متابعة”.

ويهدد الوضع الصحي بالتفاقم مع قدوم فصل الصيف الحار.

وتقول سليمة البالغة 17 عاماً “أنا هنا للعبور مع ابنتي الصغيرة البالغة من العمر 4 أشهر، لا يوجد طعام ولا ماء ولا حفاضات للطفلة، نضع البلاستيك تحت أردافها”. وهي عازمة رغم كل شيء على “الانتظار حتى يفتحوا (المهربون)” أبواب المغادرة.

◄ ما لا يقل عن 20 ألف شخص ينتشرون في حوالى 15 مخيما مؤقتا بالقرب من بلدتي العامرة وجبنيانة في محافظة صفاقس

وقامت قوات الأمن في الأسابيع الماضية بحجز الخيام الصغيرة وتدمير بعضها إثر شكاوى تقدم بها سكان في المنطقة.

وشاهد فريق وكالة فرانس برس في المكان بقايا شوادر بلاستيكية ممزقة وقنابل مسيلة للدموع مرمية على الأرض.

ويقول سوكوتو (اسم مستعار) البالغ من العمر 22 عاما والذي غادر غينيا قبل ثلاث سنوات “الشرطة ترهقنا كثيرا، أمس تم طردي من المحلات التجارية (في العامرة)”.

ويحضر محمد البكري، التاجر الخمسيني وأحد سكان منطقة العامرة، بعض الماء والطعام للمهاجرين ويقول “إزالة الخيام ليس هو الحل، يجب على الدولة أن تجد حلا عمليّا. لم يكن حلا أصلا جلبهم إلى العامرة التي يسكنها 32 ألف نسمة ولدينا الآن 28 ألف شخص من جنسيات دول جنوب الصحراء”.

وعلى الرغم من التوترات وهشاشة الوضع، لا يرغب المهاجرون في العودة إلى بلدانهم.

ويؤكد سوكوتو “لقد خرجت لمساعدة عائلتي، وعانيت كثيراً للوصول إلى هنا، ولن أعود إلى غينيا حتى لو اضطررت إلى السباحة للعبور”.

7