عُمان تبيع نفط المستقبل لسد عجز الاقتصاد اليوم

تتجه سلطنة عمان لبيع نفط المستقبل الذي لا يزال في باطن الأرض لترتيب قرض من أجل مواجهة الأزمات المالية، بعد ارتفاع تكلفة اقتراضها من أسواق المال في ظل تكهنات باقترابها من أزمة مالية خطرة.
لندن – كشفت مصادر مطلعة أمس أن شركة جنفور لتجارة الطاقة تجري مفاوضات لترتيب قرض تجاري لسلطنة عمان، تصل قيمته إلى ثلاثة مليارات دولار، يكون مدعوما بعقود طويلة الأجل لتصدير النفط من البلد العربي الخليجي.
ويعني ذلك أن مسقط تبيع النفط الخام الذي لم يتم استخراجه بعد لتعزيز قدرتها على الاقتراض لمواجهة العجز المتفاقم في الموازنة وتنفيذ مشروعات لتنويع اقتصادها.
ولجأت سلطنة عمان، التي تضررت أوضاعها المالية بشدة منذ هبوط أسعار النفط في منتصف عام 2014، على نحو متزايد إلى جمع التمويل من خلال بيع السندات والقروض المصرفية على مدى السنوات القليلة الماضية.
واستخدمت السلطنة، وهي منتج نفط صغير نسبيا، ما يسمى بتمويل ما قبل التصدير في الماضي لجمع تمويل لشركتي النفط اللتين تسيطر عليهما الدولة، وهما شركة النفط العمانية وشركة تنمية نفط عمان.
ونسبت وكالة رويترز إلى ثلاثة مصادر تأكيدها أن القرض الجديد الذي ترتبه شركة جنفور سوف يتضمن مدفوعات سداد مرتبطة بشحنات مستقبلية من النفط الخام العماني. وأكد مصدران آخران قيام جنفور بترتيب القرض.
وقال أحد المصادر إن حجم التمويل الجديد يتراوح بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار، مضيفا أن الصفقة جرى تسويقها للبنوك العالمية.
وذكر مصدر مطلع على خطط الحكومة العمانية أن شروط الصفقة لم تُستكمل بعد، وأن شركات أخرى لتجارة السلع الأولية ربما تشارك فيها. لكن لم يصدر أي تعليق من وزارة النفط العمانية أو من شركة جنفور، التي مقرها جنيف.
وكانت حكومة السلطنة قد ذكرت في بداية العام أنها تتوقع عجزا في موازنة العام الحالي يصل إلى 7.3 مليار دولار، أي ما يعادل 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالمتوسط العالمي لعجز الموازنة.
وأشارت حينها إلى أنها سوف تغطي نحو 6 مليارات دولار من هذا العجز بالاقتراض من الأسواق المحلية والأجنبية.
وتمنح هياكل تمويل التجارة، مثل تمويل ما قبل السداد وما قبل التصدير، حيث يجمع المقترض الأموال بناء على أوامر إنتاج مؤكدة، المزيد من الأمان للمقرضين وسط هبوط أسعار النفط. ويقول محللون إنها تخدم أيضا مشتري النفط من خلال ضمان توافر شحنات في المستقبل.
ومن المتوقع أن تحصل سلطنة عمان من مشاركة شركة جنفور في ترتيب القرض، على خفض نسبي طفيف في التكلفة المرتفعة التي تواجهها البلاد في أسواق الدين، بسبب التصنيف الائتماني عالي المخاطر للشركة السويسرية.
وقال مصدر مصرفي مطلع إن من المرجح أن تكون صفقة جنفور لتمويل ما قبل التصدير لأجل عامين إلى ثلاثة أعوام.
وتزايدت المخاوف من نشوب أزمة ثقة بالتوازنات المالية للدولة الخليجية بعد أن دفعت أسواق الدين العالمية عوائد سنداتها السيادية إلى مستويات حرجة، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة الاقتراض وأعباء الديون.
فوائد محدودة لترتيب القرض بالاستعانة بشركة جنفور بسبب تصنيفها الائتماني عالي المخاطر
ورغم تصنيف سلطنة عمان في مستويات أعلى من البحرين من قبل وكالات التصنيف الائتماني إلا أن العائد على سنداتها التي تستحق في عام 2028 بلغ في فبراير الماضي 7 بالمئة وهو ما يزيد بنسبة 0.4 بالمئة على عائد السندات البحرينية المماثلة.
ويقول محللون إن مستثمري أدوات الدين السيادية يخشون تعرض سلطنة عمان لأزمة مشابهة للتي واجهتها البحرين في العام الماضي حين ارتفعت تكلفة اقتراضها والمراهنات على فك ارتباط عملتها بالدولار.
وخرجت البحرين من الأزمة بفضل حزمة مساعدات من السعودية والإمارات والكويت، كانت مشروطة بتنفيذ إصلاحات مالية وضريبية واسعة بينها تطبيق ضريبة القيمة المضافة. وقد نفذت بالفعل إصلاحات هيكلية واسعة واستعادت ثقة الأسواق.
لكن مراقبين يقولون إن مسقط قد لا تجد حبل إنقاذ مماثلا بسبب مواقفها البعيدة عن جيرانها الخليجيين خاصة في ما يتعلق بالقضايا الساخنة مثل حرب اليمن والموقف من السياسات الإيرانية المزعزعة لاستقرار المنطقة إضافة إلى الأزمة مع قطر.
كما أنها تنأى بنفسها حتى عن تطبيق السياسات الاقتصادية الخليجية، حيث لم تفرض حتى الآن ضريبة القيمة المضافة، التي طبقتها السعودية والإمارات منذ أكثر من عام، والتحقت بهما البحرين مطلع العام الحالي.
ويرى محللون أن التوازنات المالية لعمان لا تستطيع أن تبقى بمعزل عن السياق الإقليمي. وقد تواجه خيارات مالية صعبة في ظل مناخ عالمي يميل إلى تعزيز التحالفات السياسية والاقتصادية.
وكانت السلطنة التي تعاني من ضائقة مالية، بطيئة في تنفيذ الإصلاحات بعد انحدار أسعار النفط منتصف عام 2014. وتزايد إقبالها على الاقتراض خلال السنوات الأربع الماضية.
كما أن عجز الموازنة يعد من أكبر المعدلات في الجهات السيادية التي تراقبها وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، والتي خفضت تصنيف ديونها إلى مستوى عالي المخاطر في ديسمبر الماضي.