"عين الغراب": معرض يروي حكايات الناس زمن الحرب

المعرض تضمّن اثنتين وعشرين صورة فوتوغرافية وكتابا بصريا حمل صورا توثق الحياة اليومية للناس وهم غارقون في همومهم.
السبت 2022/09/24
هكذا يرى الغراب الحياة

دمشق - لم تمض حرب السنوات العشر الماضية على الفنانين السوريين دون أن تخلف أثرها العميق والكبير، فبينما دفعت بعضهم إلى العزلة والهجرة، استفزت آخرين للمزيد من الإبداع، بتوثيق مجريات الأحداث وتداعيات الحرب على حياة الناس، أو حتى نقلهم لنظرتهم الخاصة للواقع.

وتوثق عين الفوتوغراف السوري عمر ملص الحرب في كتاب بصري ومعرض ضوئي احتضنته صالة الخانجي بمدينة حلب تحت عنوان “عين الغراب”.

وتضمّن المعرض الذي استمر لمدة ثلاثة أيام وينتهي السبت، اثنتين وعشرين صورة فوتوغرافية فضلاً عن كتاب بصري حملت صفحاته الثمانون صورا توثق الحياة اليومية لمجموعة من الناس وهم غارقون في همومهم المعيشية بمدينة دمشق.

وأوضح عمر ملص أن المعرض يوثق ويسرد معاناة الناس في زمن الحرب مبيناً أن اختياره للغراب كان لما يمتلكه هذا الحيوان من قوة وذكاء وما ينقل عنه من دلالات ورموز وأساطير.

فكرة المعرض فيها تفرد لتروي حكايات حياة عدد من الناس البسطاء والفقراء وهم منشغلون في همومهم اليومية

وسعى الفنان من خلال الكتاب والمعرض لرؤية الأمور والأوضاع في سوريا بعينين مختلفتين: الأولى ترصد ما يراه الغراب وتتحدث بلسانه، والثانية ترصد الغراب بحد ذاته، من خلال مجموعة بورتريهات له، يظهر فيها محلقاً في سماء دمشق، أو واقفاً على سطح منزلي دمشقي، متفرجاً على البشر وعلى تفاصيل حياتهم التي هي نتاج أفعالهم وأفكارهم.

وعبر التاريخ، تعددت أنماط التعامل مع طائر الغراب لدى الشعوب القديمة، غير أن ما يجمعها هو اعتبار هذا الطير، دون غيره من الطيور، صلة الوصل ما بين العالم بحاضره وحقائقه الملموسة من جهة والغيب المجهول من جهة أخرى. وهناك بينهم من يراه “نذير شؤم” كما تفعل الأمم العربية والإسلامية.

والغراب في الموروث الإسلامي هو المختار من بين الكائنات ليكون “المعلِّم الأول” للإنسان في أول دروسه الكبرى، درس التعامل مع الموت والحياة بطريقة تحفظ للإنسان كرامته، حتى بعد خروجه من جسده، درس مواراة الجسد الذي أداه الغراب على أكمل وجه أمام ناظري قابيل قاتل أخيه هابيل.

لكن حتى اليوم، لا يزال الغراب محاطاً بالتصور السلبي الملتصق به منذ آلاف السنين. تصور ينطلق من الربط غير العقلاني ما بين سواده وأحوال البشر من حوله، بعد أن ربطته المجتمعات القديمة ودياناتها الوثنية بالسحر والشعوذة والخوف من الموت.

ولا يتناول الفنان السوري الغراب من هذه الزاوية، لكنه يتخيل نفسه غرابا ينظر إلى الحياة من علو شاهق، فيرى ما لا يراه السائرون فوق الطرقات ولا المهمومون من صعوبة العيش ولا حتى الهاربون من جحيم الحرب. وفي بعض صوره، يركز على الغراب فينقل مشاهد له، من مناطق وأماكن مختلفة.

المعرض يوثق ويسرد معاناة الناس في زمن الحرب مبيناً أن اختياره للغراب كان لما يمتلكه هذا الحيوان من قوة وذكاء

وفي تقديمه للكتاب وللمعرض، يكتب ملص “دمشق، تلك المدينة الوادعة، القديمة والمهترئة، تسكنها مجموعة من البشر، يفصلهم عن الجنون جدار رقيق، لا يتمزق بسهولة. أحد هؤلاء السكان وهو مصور، استطاع العبور، فوجد نفسه قد تحول إلى غراب، يلتقط صوراً للناس ويطير هارباً، تماماً كما يلتقط الغراب طعامه، فهو يطير عالياً بكل حرية فوق المدينة، يراقب الناس وهم غارقون في همومهم اليومية، ويبقى خائفاً من أن يمسكه أحدهم”.

ويوضح الفنان عمر ملص على لسان الغراب ما أراده من المعرض ومن ثمة الكتاب الذي يختزله، فيقول “أرغب في هذا الكتاب أن أعبّر عن الحياة اليومية للإنسان في هذه المدينة بما فيها من معاناة. هذه المعاناة التي لا يبدو أن أحداً يهتم بها أو ينتبه لها من الأساس، وكأن الغراب هو الوحيد الذي يلاحظها. عندما أحمل الكاميرا يجذبني تصوير من لم يخطر له في حياته أن أحداً ما يرغب بتصويره. معظم صوري هي لأناسٍ منسيين على هامش الحياة. أكره التجميل. أحب الأشياء على حقيقتها، الحياة جميلة حتى بقسوتها”.

من جانبه، بيّن الفنان التشكيلي إبراهيم داوود أن فكرة المعرض فيها تفرد لتروي حكايات حياة عدد من الناس البسطاء والفقراء وهم منشغلون في همومهم اليومية.

ومن الزوار، رأى مصطفى عبدالرحمن أن الصور المعروضة تميزت بترابط الأفكار وانعكاس واضح وبديع للحياة في زمن الحرب.

وقالت نتالي بحادي “إن المعرض تميز بأنه مختلف عن المعارض الأخرى التي تقام في مدينة حلب وأن ملص استطاع عكس مشاهد من الحياة اليومية فكانت اللقطات عميقة وواقعية”.

يذكر أن عمر ملص هو من مواليد دمشق سنة 1983 ودرس الإخراج السمعي البصري في باريس وصور العديد من الأفلام السينمائية والوثائقية وأقام معرضه الفوتوغرافي الأول “منزل مع إطلالة” عام 2018 في الدنمارك و”عين الغراب” هو المشروع الفوتوغرافي الثاني وافتتح في دمشق عام 2021.

14