عين أفريقيا على الطاقة المتجددة لمنع الاحترار المناخي ودفع عجلة الاقتصاد

الكثير من الدول الأفريقية تكثف جهودها لتبنّي خطط الطاقة المتجددة والابتعاد عن الاعتماد على الوقود الأحفوري لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الأربعاء 2022/04/06
كنوز طبيعية متجددة

مومباسا (كينيا)- تتجه أنظار القادة الأفارقة نحو الطاقات المتجددة التي تزخر بها القارة السمراء، لتوظيفها في منع الاحترار المناخي وتنمية الاقتصادات المتعثرة وتجنيب دولهم كوارث تهددهم أكثر من غيرهم نتيجة التغيرات المناخية.

وسلط تقرير مناخي جديد للأمم المتحدة الضوء على إمكانات الطاقة النظيفة الهائلة في القارة الأفريقية، حيث قال إن مشاريع الطاقة المتجددة يمكن أن تخفّض حدة آثار الاحترار المناخي القاسية، وتدعم التنمية الاقتصادية المتوقعة في القارة، وتنتشل الملايين من براثن الفقر.

ويأتي تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، والذي صدر الإثنين الماضي، في وقت تزدهر فيه أعمال الطاقة المتجددة في القارة السمراء.

وتكثّف الكثير من الدول الأفريقية جهودها لتبنّي خطط الطاقة المتجددة والابتعاد عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، حيث تتصدر دول مثل كينيا وتنزانيا والمغرب ومصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا قائمة السياسات التي تتبنى الطاقة النظيفة على نطاق واسع.

◙ أفريقيا تتمتع بقدرة فائقة على إحداث مبادرات الطاقة الشمسية، فضلا عن الطاقة الشمسية الكهروضوئية

ومع ذلك لم تجذب أفريقيا سوى 2 في المئة (60 مليار دولار) من 2.8 تريليون دولار مستثمرة في مصادر الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم خلال العقدين الماضيين وتمثل 3 في المئة فقط من قدرة الطاقة المتجددة الحالية في العالم.

وقال تقرير الأمم المتحدة إن خفض الاحترار المناخي إلى 1.5 درجة مئوية أو درجتين مئويتين، بما يتماشى مع اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015، سيشمل تحولا أكبر في نظام الطاقة.

وهذا يعني أن هناك حاجة إلى المزيد من مبادرات الطاقة المتجددة، مثل بحيرة توركانا لطاقة الرياح في كينيا التي أطلقت في 2019 على بعد حوالي 600 كيلومتر شمال غرب العاصمة نيروبي وتشكل 18 في المئة من إنتاج الطاقة في البلاد. وقال مدير الشركة التنفيذي فيليب ليفرينك إن مشاريع كبيرة مثل هذه يمكن تكرارها، لكنها لا تزال تمثل تحديا لوجستيا.

وتعتبر ظروف الرياح في شمال كينيا فريدة من نوعها بالنسبة إلى القارة الأفريقية. وقال ليفرينك “سوف لن يكون من السهل على المرء أن يعثر على موقع آخر في أفريقيا به نظام رياح مماثل. لكن هذا لا يعني أنه لا توجد إمكانية لمشاريع طاقة الرياح الأخرى في القارة. ويتمتع الساحل الأفريقي على وجه الخصوص، من جيبوتي على طول الطريق جنوبا حول جنوب أفريقيا إلى الشمال مرة أخرى حتى الكاميرون، بإمكانيات جيدة للرياح ويستدعي بالتأكيد مبادرات في هذا الصدد”.

ويبدو المشروع بالفعل جيدا، حيث تساهم الطاقة الشمسية خارج الشبكة أيضا في إنتاج الطاقة داخل البلاد. وفي مقاطعة ناكورو الواقعة على بعد حوالي 167 كيلومترا شمال غرب نيروبي، اشترك جيمس كاريوكي في شركة إم كوبا للطاقة الشمسية كي يولّد لمنزله الطاقة الشمسية خارج الشبكة.

◙ دول أفريقية عديدة -مثل أنغولا والسودان وزامبيا- تستثمر في طاقة الرياح والطاقة المائية

وقال “عندما قررت تركيب الطاقة الشمسية في منزلي نجحت في تحقيق توفير كبير نتيجة عدم استخدام مصباح الكيروسين للإضاءة وعدم استعمال الفحم في منزلي. وانخفضت فواتيري منذ ذلك الحين ولدينا الآن الإنترنت ونشاهد الرياضة الدولية في منزلي”.

ومنذ 2012 غطّت إم كوبا أكثر من 225 ألف منزل في كينيا وأوغندا وتنزانيا بالطاقة الشمسية خارج الشبكة. وتعمل كينيا أيضا على توسيع قدرتها على إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الحيوية لعدة سنوات.

وتعتبر هذه المبادرات خطوة ثابتة في الاتجاه الصحيح، وفقا لمؤلفة التقرير وخبيرة الطاقة يمينة ساهب التي قالت إن “مصادر الطاقة المتجددة هي بالتأكيد استراتيجية تخفيف مهمة لأفريقيا، حيث تقدم لمواطنيها مستويات معيشية لائقة من خلال تطوير البنية التحتية والمباني التي لا تتطلب حلولا كثيفة الكربون. ويمكن للقارة بأكملها استخدام الطاقة الشمسية بما في ذلك الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية الحرارية، ويمكن أيضا أن تتجه بعض البلدان إلى استخدام طاقة الرياح”.

وظهرت مبادرات الطاقة الشمسية -مثل مجمع نور ورزازات في المغرب، ومنتزه بنبان للطاقة الشمسية في مصر، ومحطّة ريدستون للطاقة الشمسية في جنوب أفريقيا- في جميع أنحاء القارة. وجذبت الدول الأربع 75 في المئة من جميع تدفقات استثمارات الطاقة المتجددة في المنطقة.

وقال التقرير إن أفريقيا تتمتع بقدرة عالمية فائقة على إحداث مبادرات الطاقة الشمسية، فضلا عن إمكانات الطاقة الشمسية الكهروضوئية التي تصل إلى 7900 جيغاوات. وتوجد خطط جارية لاستكشاف إمكانات الطاقة الحرارية الأرضية في نظام الوادي المتصدع بشرق أفريقيا، وتستثمر دول أفريقية عديدة -مثل أنغولا والسودان وزامبيا- في طاقة الرياح والطاقة المائية.

◙ هناك حاجة إلى المزيد من مبادرات الطاقة المتجددة، مثل بحيرة توركانا لطاقة الرياح في كينيا التي أطلقت في 2019

وذكر تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الانتقال إلى الطاقة النظيفة يعد “جذابا من الناحية الاقتصادية” في بعض الظروف. وتقدر الأمم المتحدة أن استمرار استيعاب أفريقيا للطاقة المتجددة سيشهد خلق أكثر من 12 مليون وظيفة جديدة. ولا تزال الصين أكبر مقرض لاستثمارات الطاقة المتجددة في أفريقيا، يليها بنك التنمية الأفريقي والبنك الدولي وصندوق المناخ الأخضر.

وقال ماكس بانكول جاريت، خبير الطاقة والمدير الإقليمي السابق لأفريقيا في وكالة الطاقة الدولية، “يجب أن تكون مصادر الطاقة المتجددة الواسعة في أفريقيا أولوية للقارة وللعالم الذي يتسابق على تحقيق طموح الصفر الصافي”.

وقدّمت 53 دولة أفريقية بالفعل مساهماتها الوطنية الطوعية المحددة بموجب اتفاقية باريس للمناخ التي توضح بالتفصيل خطط الطاقة وتحدد أهدافا للحد من انبعاثات الكربون. وأدرجت 40 من تلك البلدان أهدافا للطاقة المتجددة.

وتعاني أفريقيا من بعض الآثار الأشد خطورة والمترتبة على تغير المناخ ، بالرغم من كونها القارة الأقل بعثا لغازات الاحتباس الحراري وذات القدرة الأقل على التكيف. ولا تزال مساحات شاسعة من القارة تفتقر إلى الكهرباء ووقود الطهي، إذ تقدر وكالة الطاقة الدولية أن حوالي 580 مليون شخص كانوا دون كهرباء في 2019، وتقول منظمة الصحة العالمية إن حوالي 906 ملايين شخص بحاجة إلى وقود وتقنيات طهي أنظف. لكن التقرير حذر من أن إتاحة الوصول الشامل باستخدام مصادر الطاقة غير المتجددة من شأنها أن تؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون العالمية. وقال إن “العمل المناخي يعدّ عنصرا رئيسيا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة”.

 

7