عيد نوروز يوحد بين أكراد العالم احتفالا بحلول الربيع

بشرى الربيع أو بداية العام الجديد أو عيد الطبيعة كلها تسميات تحيل إلى عيد نوروز الذي يتزامن مع بداية فصل الربيع، وهو عطلة رسمية في الكثير من البلدان، تخصص للاحتفاء من قبل آلاف الأكراد حول العالم بموسم الخصوبة والاخضرار، معتمدين طقوسا احتفالية متقاربة.
لندن – احتفل مئات الملايين حول العالم، هذا الأسبوع، بعيد نوروز (اليوم الجديد) الذي يُعرف برأس السنة الفارسية، ويصادف 21 مارس من كل عام.
ونوروز هو أول يوم في شهر فروردين في السنة الشمسية الفارسية، والذي يتزامن مع بداية فصل الربيع. ويحتفل به حوالي 300 مليون في مختلف بقاع العالم منهم الإيرانيون والأكراد، والأتراك والتركمان والكازاخيون والألبانيون والأذريون والمقدونيون والسوريون وغيرهم.
ومن مراسم نوروز تجهيز مائدة خاصة تسمى «سفره ى هفت سين» أي سفرة السينات السبع، التي تحتوي على سبعة أشياء تبدأ بحرف السين. ومن العادات الأخرى ظهور الحاج فيروز في الشوارع، ويرتدي في العادة لباسا أحمر ويصبغ وجهه بلون أسود، وبعدها يقوم بإنشاد قصائد شعبية.
وقررت اليونسكو منذ فبراير 2010 إدراج هذا العيد في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، كما اعترفت بيوم 21 مارس بوصفه «يوم نوروز الدولي».
على جبل عقرة
عمت الاحتفالات مختلف الدول من بينها العراق وتركيا، حيث صعد رجال ونساء أكراد، بزيهم التقليدي، جبلا في مدينة عقرة في كردستان العراق وهم يحملون مشاعل موقدة، الأربعاء، للاحتفال بعيد نوروز القديم الذي يتزامن مع بدء فصل الربيع ورأس السنة الفارسية الجديدة.
وجذبت الأجواء الاحتفالية والموسيقى عائلات إلى جبل عقرة حيث حمل كثيرون المشاعل، بينما كان آخرون يطلقون ألعابا نارية في الهواء.
وقالت بسمه تاج الدين، وهي كردية سورية تعيش في كردستان العراق منذ خمس سنوات، “إنني حضرت إلى عقرة لأن الأجواء بها رائعة للغاية، واتسمت الاحتفالات بنوروز بالجمال، فعقرة من أكثر المناطق السياحية التي أقصدها وعائلتي للاحتفال بهذه المناسبة السنوية”.
وأعربت تاج الدين (19 عاما) عن سعادتها، مضيفة “أتمنى أن يتمكن الجميع من كافة أنحاء العالم من المجيء إلى هنا حتى يشهدوا روعة الاحتفال بنوروز في كردستان”.
ويحتفل الأكراد بعيد نوروز، الذي يعتبر عطلة هامة في الثقافة الكردية، كما يحتفلون برأس السنة الفارسية الجديدة في إيران.
ووقف رجال متجاورين وهم يمسكون بأياديهم للمشاركة في رقصة تقليدية. وحمل بعضهم السلاح وأطلقوا الرصاص في الهواء أثناء الاحتفال.
وقال عقيل رشيد، كردي مشارك في الاحتفال، “نحتفل في مثل هذا اليوم باعتباره يوما للديمقراطية، يوم الأكراد، وباعتباره يوم نوروز”.
وأضاف كردي آخر حضر الاحتفال بزي كردي كامل، ويدعى حسن كمال، “نحتفل كل سنة بأعياد نوروز، وككل سنة تتصدر عقرة قوائم الأماكن الواقعة بإقليم كردستان، فهي مدينة حلوة جدا، ونحن نحمل المشاعل ونصعد الجبل بالآلاف”.
ويُحتفل بمهرجان نوروز في اليوم الأول من فصل الربيع في دول بينها أفغانستان وإيران وتركيا والعراق وأذربيجان ومناطق من جنوب ووسط آسيا وبلدان جنوب القوقاز. ويُعتقد أن هذا اليوم جرى الاحتفال به بأشكال مختلفة منذ القدم.
ووسط ألوان علم كردستان العراق برزت كلمة “البيشمركة”، وهي قوات كردية في العراق، أعلى الجبل. ويرمز الاحتفال إلى انتهاء موسم الظلام ودخول موسم الضوء، كما يرمز أيضا إلى الدفاع عن آمال الأكراد في الحرية والحكم الذاتي.
وتتعدد أساطير قصة نوروز القديمة، إحداها قد دونها الفردوسي أبوالقاسم منصور في كتابه الشاهنامة، وتزعم أن الملك جمشيد، وكان يدعى جم، استطاع إنقاذ الجنس البشري من فصل الشتاء الذي كان مقدرا له أن يقتل كل الكائنات الحية، وقد قام جمشيد بتشييد عرش مرصع بالألماس، ثم رفعه الجن إلى السماء، وهناك جلس على عرشه كالشمس في السماء، ثم تجمعت جميع المخلوقات حوله، فسمي هذا اليوم بنوروز، وهي كلمة فارسية تعني اليوم الجديد، ولأن الشعاع يقال له في البهلويّة “شيد” أضيفت الكلمة إلى اسم الملك فأصبح جمشيد، وقيل بأن هذا أصل الاحتفال بهذا اليوم.
وتقول أسطورة كاوا الحدّاد إن هناك ملكا آشوريا قد لُعن هو ومملكته لظلمه الشديد حتى أن الشمس رفضت الشروق فكان من المستحيل نموّ أي غذاء.
ومن لعنة الملك أنه كانت لديه أفعيان على كتفه فكلما جاعتا شعر بألم شديد ولا ترضيان طعاما إلا أدمغة الأطفال، فكان يقتل طفلين من القرى المحلية كل يوم لإطعامهما. الحدّاد كاوا كان قد فقد 15 طفلا من أطفاله الـ16 لإرضاء أفاعي الملك ولعنته. وعندما وصله الخبر بأن ابنته الصغيرة وهي آخر أطفاله سوف تُقتل قرر إنقاذها بأن يضحي بخروف ويعطي دماغ الخروف للملك ويقوم بتخبئة ابنته.
عندما علم أهل القرى أن خدعة كاوا نجحت بدأوا بتطبيقها وإرسال أطفالهم إلى الجبال مع كاوا. بعد مدة من الزمن صار عدد الأطفال مع كاوا عظيما فشكل من الأطفال جيشا ونزلوا من الجبال واقتحموا القلعة وقام كاوا بقتل الملك بيده.
ولإيصال البشرى إلى الأهالي قام كاوا بإيقاد نار عظيمة في مشعل كبير فأضاءت السماء وأشرقت الشمس من جديد وأزهرت الأرض، وكان يوم نوروز الذي يعني حرفيا “اليوم الجديد” أو “الضوء الجديد”.
وتحكي النقوش الأثرية والأدب الإيراني عامة عن احتفال الساسانيين، وهم من حكموا بلاد فارس قبل الإسلام، بيوم نوروز، حيث كانوا قد وضعوا تقويمها على أساس الحسابات التي أجراها الكهنة البابليّون والمجوس الإيرانيّون المقيمون في بابل عن طريق رصد النجوم، غير أن يوم نوروز لم يكن ثابتا في ذلك الزمان حيث لم يراع أصول الكبيسة وحدوث الاختلاطات.
باتجاه إسطنبول
شهدت مدينة إسطنبول أيضا العديد من الفعاليات بمناسبة عيد نوروز. ونظمت ولاية إسطنبول وبلديتها الكبرى ومديرية الثقافة والسياحة وغيرها من الجهات فعاليات بمناسبة عيد نوروز في حديقة “الثقافة” بحي “طوب قابي”.
وتخلل الفعاليات تقديم فرقة الجوقة العثمانية العسكرية (مهتران) عرضا، وإشعال النار والقفز من فوقها، وعزف مقطوعات من الموسيقى الشعبية، وعروض الرقصات الشعبية، وغيرها من الأنشطة.
وقال جوشقون يلماز، مدير الثقافة والسياحة بإسطنبول، “نوروز هو عرف وعادة وفرح وسعادة وحب يسود في منطقتنا وأفئدتنا”.
ويعد عيد نوروز رمزا للأخوة والثقافة المشتركة التي تجمع بين شعوب أوراسيا.
وتجدر الإشارة إلى أن أهالي شرقي تركيا يحتفلون بنوروز على سبع مراحل تتجلى مراسمها في “الصيام عن الكلام السيء” و”التنظيف” و”عيد الموتى” و”زيارة المسنين والمرضى” و”يوم الطفل” و”يوم الشباب” و”الألوان السبعة”.
أما في إيران فإن احتفالات نوروز التي تستمر ثلاثة عشر يوما فتنقسم إلى مراحل مختلفة، فقبل نحو أسبوعين من العيد يزرع الإيرانيون حبوب القمح والشعير أو العدس في صحن صغير وتترك حتى تنبت.
وتبدأ المرحلة الثانية في ليلة آخر أربعاء من السنة، حيث يتم في هذه الليلة التي تعرف باسم ليلة “جهارشنبه سوري” إشعال نار والقفز فوقها مع ترديد عبارة تقليدية “لك شحوبي ولي حمرتك” حيث يلقون بعيوب فصل الشتاء بما فيه من أمراض ويأخذون القوة من النار لاستقبال الربيع وهم يتناولون أفضل الأطعمة والمكسرات.
وفي يوم نوروز يجتمع الناس حول سفرة “السينات السبع”، يقرؤون من كتاب الفردوسي، الشاهنامة، أو من ديوان حافظ أو من القرآن الكريم وينتظرون حلول رأس السنة الجديدة، وعند اقتراب الموعد يبدأون العدّ التنازلي من عشرة إلى الصفر، حيث يرتفع دوي طلقة مدفع يرمز إلى حلول العام الجديد.
ويعدّ اليوم الثالث عشر بعد يوم رأس السنة الفارسية ذروة آخر احتفال ونهاية الاحتفالات بعيد نوروز.
ويعتقد الإيرانيون أن الرقم 13 يجلب الحظ السيء لذلك لا ينبغي البقاء في البيت، فتخرج أغلب العائلات الإيرانية في نزهة، حيث يتمتعون سوية بصحوة الطبيعة، وتقدّم الأطعمة اللذيذة ويلعبون الشطرنج والطاولة والكرة، ويمثل هذا اليوم نهاية الاحتفالات برأس السنة الجديدة وبداية العام الجديد.
وفي المدن السورية يتجمع الأكراد منذ ساعات الصباح الأولى انتظارا لموعد إيقاد الشعلة، التي تعد البداية الرسمية لانطلاق الاحتفالات، وتقام حفلات موسيقية ودبكات كردية، كما تستعد العائلات للذهاب إلى سفوح الجبال أو المنتجعات السياحية لقضاء أوقات ممتعة.
وعلى غرار الشعوب الأخرى في الاحتفال بقدوم الربيع وتقديس الطبيعة يحتفل الأمازيغ أيضا بعيد «ثافسوث» مع كل بداية فصل ربيع.