عودة جديدة ومختلفة للفكر القومي العروبي

العالم العربي يواجه صعوبة في التصالح مع ماضيه.
الاثنين 2022/09/12
قومية من نوع جديد

واشنطن - يواجه العالم العربي وخاصة المنتمي إلى الإسلام السني صعوبة في التصالح مع ماضيه وتخيل مستقبله، وهي صعوبة تنعكس على الوضع العام في الدول العربية ومدى رضاء شعوبها على سياسات حكامها.

ويرجح تقرير لمؤسسة عرب دايجست الاستشارية أن يكون هذا الوضع نوعا جديدا من القومية العربية الأيديولوجية ما سيدفع الثورة في المنطقة العربية إلى الأمام.

تشكل العالم العربي الحديث قبل مئة عام على أنقاض الإمبراطورية العثمانية ومؤامرات الاستعمار الغربي. ومنذ ذلك الحين، كان على العرب أن يتحملوا الحكام المستبدين.

ودافعت حركات المعارضة العربية في أوقات مختلفة على مر السنين عن رؤى مختلفة لمستقبل المنطقة لرسم مسار أفضل، بما في ذلك معاداة الإمبريالية والعروبة والحركات القومية والاشتراكية وأشكال مختلفة من الإسلاموية والرأسمالية. ولكن التجارب كانت مريرة أو مبهمة في أحسن الأحوال.

جاذبية القومية العربية تكمن في مفهوم الهوية القومية العربية والوحدة العربية التي طالما أعجبت المثقفين والنخب العربية

وجسّدت ثورات الربيع العربي التي اندلعت في 2011 آخر خيبة أمل في السعي إلى الحرية. وتراجعت الديمقراطية العربية سنوات إلى الوراء بسبب إخفاقات الإخوان المسلمين والانقلاب العسكري في مصر في 2013. كما أدى صعود الدولة الإسلامية، التي أوصلت الإسلاموية السنية إلى أقصى درجات التطرف والتعصب، وسقوطها إلى إلحاق الضرر بالجاذبية الأوسع للإسلام السياسي في المنطقة. وأدت هذه الكوارث إلى خيبة أمل واسعة النطاق من الديمقراطية والإسلام السياسي، وتركت فراغا أيديولوجيا في قلب الثورة العربية.

ومع ذلك، وكما قال ماو تسي تونغ، فإن الثورة ليست حفل عشاء. وبالتالي، لا ينبغي اعتبار هذه النكسات فشلا بل بداية خاطئة.

ويشير تقرير عرب دايجست إلى أن عودة الربيع العربي أمر لا مفر منه نظرا إلى التدهور المستمر في نسيج المنطقة الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والآفاق الاقتصادية القاتمة. ويثير هذا التساؤلات عن موعد الثورات القادمة، ونوع السردية أو الأيديولوجيا التي ستقودها.

ويرجح التقرير أن تكون إحدى الإجابات المفاجئة على هذا السؤال عودة القومية العربية. ولا نعني هنا الوحدة العربية لجمال عبدالناصر وحرب يونيو 1967، بل نسخة جديدة من القرن الحادي والعشرين، تشكّلت لعالم معولم ورقمي.

وأبرز تنظيم الدولة الإسلامية بالفعل كيف يمكن ذلك عندما استخدم تقنيات قيادية وروايات وتكنولوجيا جديدة لإعادة اختراع الجهاد. فكما هو الحال مع داعش، تسعى القومية العربية أيضا إلى تغيير المجتمع وإنشاء هوية عربية جديدة عابرة للحدود. ويقدم كلاهما فكرة رومانسية عن المستقبل تثير استجابة عاطفية وليست عقلانية. ويستند داعش إلى تفسير وحشي وإقصائي للإسلام بينما تحمل فكرة القومية القدرة على تقديم أيديولوجيا واسعة يمكنها استيعاب المجموعات الأخرى الموجودة بالفعل بسهولة.

لكن الفارق الكبير هو أنه بينما استخدم تنظيم الدولة توعك المجتمعات العربية والغربية ودمج ذلك مع العنف الوحشي لتحقيق أهدافه الدموية، تبشر القومية العربية بتغيير إيجابي وفوائد اقتصادية. وتكمن جاذبيتها في المقام الأول في مفهوم الهوية القومية العربية والوحدة العربية التي طالما أعجبت المثقفين والنخب العربية، وفي جوهرها الإيمان بـ”الثقافة العربية الفائقة” التي تمتد عبر المنطقة من شمال أفريقيا إلى الخليج، وإن كان ذلك مع وجود العديد من الاختلافات تحت تلك المظلة الشاملة.

كما تعد العروبة بإعادة فلسطين إلى قمة جدول الأعمال، ويعدّ هذا عامل جذب مهم آخر. حيث طالما أظهرت استطلاعات الرأي العام العربي أهمية هذه القضية بين المواطنين العاديين حتى في البلدان التي وقّعت الآن على اتفاقيات إبراهام.

ووجد المؤشر العربي 2019 - 2020، وهو استطلاع للرأي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في الدوحة، أن 88 في المئة من جميع العرب الذين شملهم الاستطلاع يعارضون الاعتراف بإسرائيل. وأيّد 81 في المئة من المستجوبين الشعور بأن الشعوب العربية المختلفة تشكل أمة واحدة، مقابل 16 في المئة وافقوا على القول إن “الشعوب العربية أمم متمايزة، غير مرتبطة ببعضها البعض سوى بروابط واهية”.

متى تعود فلسطين إلى قمة جدول الأعمال
متى تعود فلسطين إلى قمة جدول الأعمال

وإلى جانب الرؤية الرومانسية للوحدة العربية، فإن القومية العربية تبقى غير أيديولوجية فيما يتعلق بكيفية تنظيم المجتمع، مما يترك الفراغ متاحا لأفكار ومدخلات أخرى. وتمنحها هذه البراغماتية النسبية صفة مميزة تمكّنها من أن تناسب رؤى الأشخاص المختلفين. ويجعل هذا من القومية العربية أيديولوجيا يمكن لكل مجموعات المعارضة اعتمادها، سواء كان أفرادها مثقفين أو فنانين أو جهاديين أو إخوانا مسلمين أو ليبراليين أو يساريين، وهذا ما يمنحها قوتها السياسية.

وفي ستينات القرن العشرين، تبنى القادة العرب أنفسهم الوحدة العربية لأنهم اعتقدوا أنها ستساعدهم على البقاء في السلطة، رغم أنهم لم يفعلوا ذلك من الناحية العملية لأن ذلك كان سيعرض مواقعهم للخطر. ولا يزال القادة العرب اليوم يتحدثون عن العروبة ولكنهم يستثمرون في محاولة مواجهة جاذبيتها برواياتهم الخاصة ونوع القومية المتشددة التي ترعاها الدولة كما رأينا مؤخرا في أحداث مثل يوم التأسيس السعودي ويوم الشهيد الإماراتي وأحداث السيسي الفرعونية.

ولم تبرز إزالة الحدود التي قسمت الدول العربية عن بعضها البعض في مطالب محتجي الربيع العربي. وبالنظر إلى الوراء، يبدو الآن أنه كان خطأ، حيث أصبح واضحا منذ ذلك الحين أن الدكتاتوريين العرب والاحتلال الإسرائيلي مترابطان، مما يجعل من المستحيل مواجهة أي منهما بشكل فردي.

فعلى سبيل المثال، تقول مؤسسة عرب دايجست إن الديمقراطية تراجعت في مصر بمساعدة إسرائيل والخليج، بينما تواصل إسرائيل احتلالها وحصارها لفلسطين بدعم مصري.

وتضيف أن بعض القادة المستبدين يعتمدون على قمع مصر للديمقراطية والإسلام السياسي للحفاظ على قاعدة قوتهم المحلية، بينما تعتمد الدكتاتورية العسكرية المصرية على أموال النفط الخليجية. إن هذه هي العقدة الغوردية التي هزمت ثورات الربيع العربي، وتبدو القومية العربية قادرة على حلّها.

7