عهد ترامب.. واشنطن تتحسس خطاها من جديد على الساحة الدولية

تتجه أنظار العالم إلى البيت الأبيض حيث يتولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الخامس والأربعين، وبترقب كبير لملامح النظام العالمي في عهده، خاصة أن ملامح هذا النظام قد اتضحت لارتكازه أساسا على مبدأ الإقصائية والأولوية للمصالح الأميركية في تناقض لقيم الليبرالية التي انتهجتها الولايات المتحدة، فالعالم في عصر ترامب ينكفئ على ذاته وهو ما سيلقي بضلاله على الشرق الأوسط، إذ ينبئ بتواصل التوترات الإقليمية والنعرات الطائفية أمام رغبة واشنطن في اتخاذها الذريعة الملائمة كالإدارات السابقة في السيطرة وقيادة العالم.
السبت 2017/01/21
انتصار الشعبوية

واشنطن - يترقب العالم مسار السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة مع دخول ترامب المكتب البيضاوي الجمعة ومع توجس بتغيير في النظام العالمي، والتراجع عن القيم الحرة والليبرالية مقابل انكفاء العالم على ذاته وتوجه أميركا أولا بقيادة ترامب نحو الانعزالية.

وبرزت أسئلة عادة ما يسعى المؤرّخون وخبراء الاجتماع إلى الابتعاد عنها؛ إلى أي مدى يعتمد التغيير التاريخي على أعمال أفراد غير اعتياديين؟ يطرح ديفيد بيل هذا السؤال في مجلة “فورين بوليسي” مستندا إلى فكرة أن ترامب رجل يتفق مناصروه ومعارضوه على أنه استثنائي في سياق التاريخ الأميركي.

وكمطّلع على حال الأكاديميين، من مؤرخين وعلماء سياسة واجتماع، يقول بيل إنه «في الوقت الذي يبدأ فيه ترامب ولايته، التي تهدف إلى إعادة صناعة الولايات المتحدة، يجبر علماء الاجتماع والمؤرّخين على البحث في ما هو أبعد من أدواتهم التحليلية، بهدف شرح رئاسته”.، حيث أن غالبية الذين سعوا إلى تقديم وجهة نظر بشأن فوز ترامب ورئاسته المقبلة، يميلون إلى ترسيخ ظاهرة أساسية اكتسحت عام 2016، وهي الشعبوية، أي تصاعد العداء للنخبة.

ويذهب هؤلاء وغيرهم إلى توصيف فوز ترامب على أنه جاء نتيجة إدراكه عمق مخاوف الأميركيين بشأن مسار الولايات المتحدة، ودورها في العالم.

ووفق ستيوارت باتريك العضو في “مجلس العلاقات الخارجية”، فهِم ترامب أن هناك عددا متناميا من الأميركيين الذين لا يثقون بالعولمة، والقلقين من الالتزامات الأميركية في الخارج.

وهو أيضا وعد بـقيادة ولايات متحدة أكثر انفصالا عن العالم، وأكثر اهتماما بمصالحها الخاصة، الأمر الذي لاقى صدى لدى المواطنين الأميركيين الذين لا يريدون قبول تحمّل العبء العالمي كثمن للقيادة الأميركية للعالم.

وهو ما حفّز بروز تساؤلات أخرى عن مستقبل النظام الليبرالي، كشكل من أشكال التداعيات الكثيرة لانتخاب ترامب، سيما أن واشنطن هي التي تبنّت هذا النهج، ودافعت عنه على مدى أكثر من سبعة عقود.

وحتى المحلّلون الخاصون بالحكومة الأميركية يرون العصر الأميركي يتّجه إلى الأفول، بهذه العبارة يبدأ يوري فريدمان تقريرا نُشر في مجلة “ذي أتلانتك”، تعليقا على دراسة أعدّها مجلس الاستخبارات الوطنية (NIC)، وهي وحدة تابعة لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية، جاءت الدراسة هذه المرة صادمة ومخالفة للدراسات التي عادة ما يعدّها هذا المجلس، كل أربع سنوات، بهدف فهم مستقبل الولايات المتحدة والعالم، فقد توقّع هؤلاء المحلّلون الاستخباريون تحوّلا كبيرا في الشؤون الدولية، على مدار السنوات الخمس المقبلة، وإلى ما هو أبعد منها.

سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط لن تتغير كثيراً برحيل أوباما ووصول ترامب إلى المكتب البيضاوي

يتفق الكثير من الخبراء والمتابعين للشؤون الأميركية على أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط لن تتغير كثيرا برحيل أوباما ووصول ترامب إلى المكتب البيضاوى نظرا إلى خضوع السياسة الأميركية لمحددات وأسس ومبادئ ثابتة تحددها المؤسسات الأميركية، إلا أن البعض يجادل بوجود سياسة جديدة للولايات المتحدة فى عهد ترامب نتيجة لفشل سياسات أوباما فى الشرق الأوسط ، ونظرا إلى توجهات ترامب المعلنة ضد إيران وتعويله على الاستقرار على حساب التحول الديمقراطى، فيما يرى البعض أن تغير سياسة الرئيس الأميركي الخارجية ستنبع من عدم خبرته، ما يتيح إطلاق يد المؤسسات لرسم السياسة وتنفيذها.

الشرق الأوسط

توقع مجلس الاستخبارات الوطنية المضطلع بالتنسيق لأنشطة وكالة الاستخبارات الأميركية أن يحفل مستقبل الشرق الأوسط خلال العام 2017 وفي عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بالمزيد من الصراعات والعنف والتوترات، قائما أساسا على تهديد النموذج الليبرالي السائد عالميا وغلبة التيار الشعبوي.

إن رسم ملامح خارطة الشرق الأوسط في السنوات الأربع المقبلة، يرتبط مباشرة بطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية –التي تعد المحدد الرئيسي للتفاعلات الدولية- من جانب، وبين عدد من القوى الإقليمية الكبرى التي تؤثر على نمط تفاعلاتها سواء الصراعية أو التعاونية من جانب آخر؛ وهو ما يمنح توجهات ترامب نحو تلك القوى أمر بالغ الأهمية والتأثير.

وتناول مركز الشرق الأوسط للدراسات توجهات السياسة الأميركية في الشرق فعلى مستوى التقارب الأميركي المصري فقد عانى النظام المصري الحالي من اضطراب واسع في علاقته مع إدارة أوباما، التي كانت هيلاري كلينتون جزءا منها، وبالتالي انتخاب كلينتون كان يعني استمرار نفس النمط المضطرب من العلاقة. وعلي الجانب الآخر، فقد أبدى ترامب أثناء حملته الانتخابية إشارات إيجابية تجاه النظام المصري، ففي معرض حديثه عن تنامي خطر الإسلام الراديكالي في المنطقة، أكد على محورية دور الجيش المصري في إنقاذ مصر من براثن هذا الخطر، في إشارة إلى إسقاط حكم الإخوان المسلمين في يوليو 2013. لقد كان النظام المصري أكثر المتطلعين لفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، وقد تعزز هذا التطلع بعد اللقاء الودي الذي جمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالمرشح الرئاسي دونالد ترامب آنذاك في سبتمبر الماضي 2016، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ومن المرجح، وفقاً للعديد من الخبراء والدوائر السياسية والتحليلية، أن تسود علاقات التعاون بين مصر والولايات المتحدة خلال فترة حكم ترامب، حيث ستتجاهل الإدارة الأميركية مساءلة مصر في أي قضية تخص مجال انتهاك الحريات وحقوق الإنسان. وكذلك من المتوقع، أن يتخذ ترامب من مصر رأس حربته لتنفيذ أجندته.

السعودية نالت قسطا كبيرا من التصريحات العدائية للرئيس دونالد ترامب، وهو الأمر الذي اعتبره البعض مؤشراً على اتجاه العلاقات بين البلدين إلى المزيد من التوتر

ونالت السعودية قسطا كبيرا من التصريحات العدائية للرئيس دونالد ترامب إبان حملته الانتخابية، وهو الأمر الذي اعتبره البعض مؤشراً على اتجاه العلاقات بين البلدين إلى المزيد من التوتر وعدم الاستقرار، غير أن تاريخ العلاقات الأميركية-السعودية يشي بأن العصور الذهبية في هذه العلاقات كانت مع الرؤساء الجمهوريين، الذين حكمت المصالح البحتة تعاملهم مع السعودية، سواء على مستوى التعاون الأمني والاستخباراتي، أو التبادل التجاري، خصوصا صفقات التسليح، وهي المصالح التي من المُتوقع أن تستمر بغض النظر عن أي تطور سلبي قد يلحق بعلاقة البلدين. وبعيداً عن تصريحات ترامب السلبية تجاه السعودية، فإن الصدام الرئيسي المتوقع بين الطرفين ربما يتعلق بالملف السوري، ومع ذلك، فقد يتأجل هذا الصدام على خلفية تغير محتمل في الموقف الأميركي تجاهه.

وإن كان وصول ترامب للرئاسة يمثّل نذير سوء ينبأ بمزيد من التدهور في مسار القضية القضية الفلسطينية إلا أنه على صعيد آخر، قابل وصول ترامب تفاؤل مُفرط لدى الداخل الإسرائيلي وصل إلى حد تصريح نفتالي بينيت وزير التعليم الإسرائيلي واليميني المتطرف، بأن انتصار ترامب يُشكّل فرصة للتخلص من السعي نحو حل الدولتين مرة واحدة وإلى الأبد. وكذلك، فقد توقع أغلب السياسيين والمحليين في إسرائيل أن تشهد فترة رئاسة ترامب ازدهارا غير مسبوق في العلاقات الإسرائيلية -الأميركية.

العلاقات مع أوروبا

تتخوف أوروبا من منحى النظام العالمي في عهد الرئيس الشعبوي ذو الافكار الإقصائية، والذي عززت نجاحه الانتخابي حماسة اليمين المتطرف في القارة العجوز لتحقيق مكاسب في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.

ففيما يهدد ترامب بهدم ركائز النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، فإن قلة من مدن العالم مثلت تاريخيا رمزًا لقوة العلاقة بين جانبي الأطلسي مثلما مثلته عاصمة ألمانيا الموحدة التي عقد فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما أكبر تجمع في حملته الانتخابية في 2008.

ميدان الصراع في المستقبل

وكانت ميركل منعت أوباما من إلقاء كلمة عند بوابة براندنبورغ باعتبار أنه من غير الملائم أن يشكل هذا الرمز البارز لوحدة ألمانيا خلفية للسيناتور الشاب، إلا أنه تمكن من استقطاب 200 ألف شخص احتشدوا بالقرب من نصب “عمود النصر” القريب وألقى كلمة حول هدم جدران الانقسام لقيت ترحيبا من الحضور.

ورغم أن البداية بين الرئيس الأميركي باراك أوباما السابق والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لم تكن سلسة، إلا أن وداع برلين لأوباما في زيارته الأخيرة كرئيس للولايات المتحدة وصفها متابعون بموجة من الحنين إلى الماضي والخشية من القادم.

وكان رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر علق عقب انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية بالخطر على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن.

ورأى المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية بأن سياسة ترامب الخارجية مع أوروبا تقوم على مبدأ تتحمل فيه أوروبا عبء الدفاع عن نفسها وتكاليفه المادية، وأن الولايات المتحدة ليس عليها أن تنفق تلك المبالغ الهائلة لتأمين أوروبا وإنشاء القواعد العسكرية على الأراضي الأوروبية، فالاتحاد الأوروبي عليه أن يتحمل تكلفة الأمن التي يريدها، لذا فإن من يعترض على تحمل الولايات المتحدة النصيب الأكبر من ميزانية حلف الناتو الذي يضم الكثير من دول أوروبا والتي لا يصل معدل إنفاقها العسكري من إجمالي الناتج المحلي إلى 22 بالمئة، سوى أربع دول من 28 دولة بجانب الولايات المتحدة. ومن هذا المنطلق يشير صراحة إلى ضرورة الابتعاد الأميركي عن تحالفاته مع الدول الأوروبية إذا لم تلتزم بتحمل نصيبها من الإنفاق العسكري، بل ويهدد بالانسحاب من الناتو إذا لم يلتزم أعضاؤه بالحد المتفق عليه للإنفاق العسكري. لكن هذا لا يتعارض من وجهة نظر ترامب مع ضرورة الحفاظ على التفوق العسكري الأميركي بل الحفاظ على معدل الإنفاق العسكري الذي يضع الولايات المتحدة في المرتبة الأولي عالميًا، بل ويتجاوز حسب قوله مجموع إنفاق الدول الست التالية لها.

وفي مستوى العلاقات مع روسيا، ينادي ترامب بتعزيز التقارب مع الدب الروسي من موقع قوة بإعادة العلاقات مع موسكو مرة أخرى، والتعامل معها من منطلق أن هناك خلافات بينها وبين الولايات المتحدة وليس من منطلق العداء.

ويرى أن في التنسيق مع روسيا مكاسب كبيرة يمكن تحقيقها لأميركا، فهو يرى في نفسه القدرة على عقد الاتفاقيات التي تحقق المصلحة الأميركية وهو ما يتعارض ورؤية الرئيس السابق الذي اتهم موسكو بالتدخل بالمسار الانتخابي في البيت الأبيض، أما في ما يتعلق بالسياسات الروسية الأخيرة سواء في أوكرانيا أو في سوريا، فإنه أشار إلى أن ألمانيا على وجه التحديد، عليها أن تتولي الأمر بخصوص أوكرانيا.

التعامل مع الصين

تترقب الصين كما دول العالم، تولي الرئيس الجديد دونالد ترامب مقاليد إدارة الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، وسط تخوفات من معقبات اقتصادية يضعها الرئيس المنتخب أمام التجارة مع الصين على وجه الخصوص.

واتهم ترامب الصين، الشهر الماضي، في تصريحات صحافية لقناة فوكس الأميركية، بعدم تعاونها في مجال أسعار العملات بقوله “نحن نتأثر بخفض العملة الصينية التي من شأنها تحفيز الصادرات الصينية إلى الخارج”.

وفي المقابل حذر الإعلام الصيني الرسمي الولايات المتحدة من إمكانية وقوع مواجهة عسكرية بين البلدين في بحر الصين الجنوبي، ردا على ما صرح به ريكس تيلرسون وزير الخارجية في إدارة دونالد ترامب بانه ينبغي منع الصين من الوصول غلى الجزر الاصطناعية التي شيدتها في المنطقة.

وفي مذكراتها التي كتبتها عقب الخروج من إدارة أوباما، وحملت اسم “خيارات صعبة”، اعتبرت هيلاري كلينتون أن ملف الصين يمثل أهم تحد قادم للولايات المتحدة الأميركية، وهو ما جعلها تخصص فصلا كاملا في كتابها للحديث عن الصين، ويبدو أن هذا التحدي سيكون الأخطر خلال إدارة ترامب.

ويقول محمد جمعة، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن ترامب يرى أن من مهامه إصلاح العقد الاجتماعي مع الشعب الأميركي عبر زيادة الضرائب المفروضة على الواردات من دول أخرى، خاصة الصين، واستعادة الوظائف التصنيعية للولايات المتحدة، خصوصا بعد توجه الكثير من الشركات وأصحاب العلامات التجارية الأميركية المشهورة للتصنيع في بلدان جنوب شرق آسيا والصين تحديدا بهدف الاستفادة من العمالة الرخيصة.

7