عن موضوع الفول واللحمة

لم يفكر الأثرياء في أن تربية الماشية تشكل مورد رزق لكثير من الأشخاص حول العالم، خصوصا الفقراء، وأن الانتقال إلى اللحم النباتي سيحرم هؤلاء من مورد رزقهم.
الجمعة 2023/09/22
بدائل نباتية جديدة بهدف إنقاذ الأرض

الأثرياء يبحثون عن بدائل نباتية عن اللحوم والحليب لإنقاذ كوكب الأرض. وبالطبع نسوا أو تناسوا أن علاقة الفقراء مع اللحم كانت ومازالت قائمة على المناسبات.

في سوريا، كان تناول اللحم شبه محرم بالنسبة إلى قطاع كبير من السوريين حتى عندما كان الكيلوغرام الواحد من لحم الخروف بـ2.5 ليرة سورية. ما بالك وسعر كيلو اللحم اليوم يفوق 100 ألف ليرة.

بديل اللحم كان طبق الفول والحمص، الذي أبدع في إعداده أهل المشرق والمصريون. البقول مدتهم ببديل “صحي” عن اللحم للتزود بالبروتينات التي يحتاجون إليها حتى لا يصابوا بأمراض فقر الدم. إلا أن اللحم، الأحمر خصوصا، بقي حلما يداعب خيالهم. وفي هذا كتب أحمد فؤاد نجم أغنية رائعة رددها المصريون والعرب على مدار أكثر من 60 عاما، عنوانها جميل وموح “عن موضوع الفول واللحمة”.

تقول الأغنية الساخرة والمليئة بالمرارة:

عن موضوع الفول واللحمة صرح مصدر قال مسؤول

إن الطب اتقدم جدا والدكتور محسن بيقول

إن الشعب المصري خصوصا من مصلحته يقرش فول

يديك طاقة وقوة عجيبة تسمن جدا تبقى مهول

ثم أضاف الدكتور محسن إن اللحمة دي سم أكيد

بتزود أوجاع المعدة وتعود على طولة الإيد

حسب الشيخ إمام ونجم، اللحم ليس فقط يزيد من أوجاع المعدة، ولكن أيضا يعلم السرقة و”طولة الإيد”. وفي هذا إشارة جميلة إلى أن الأثرياء، الحرامية منهم بالتحديد، بمقدورهم شراء اللحم والاستمتاع بأكله.

ويختمها الثنائي إمام ونجم بالتأكيد على أن الناس الذين يأكلون اللحم سيكون مصيرهم أن “يخشوا جهنم تأبيد”.

واضح أن الحيلة لم تنطل على إمام وعلى نجم، ليخاطبا الدكتور محسن قائلين:

يا دكتور محسن يا مزقلط يا مصدر يا غير مسؤول

حيث إن انتو عقول العالم والعالم محتاج لعقول

ما رأي جنابك وجنابهم فيه واحد مجنون بيقول

إحنا سيبونا نموت باللحمة وانتو تعيشوا وتاكلوا الفول

كلام الشيخ إمام لم يجد نفعا، استمر فقراء مصر في أكل الفول والطعمية، والفراخ والأرانب لمن استطاع إليها سبيلا. واستمر الأثرياء في التهام اللحم رغم تحذيرات الدكتور محسن.

بعد أن خربوها بأكل اللحم والاستمتاع بأصناف الجبن تعود “عقول العالم” لتطالبنا بالتوقف عن أكل اللحوم والامتناع عن الحليب ومشتقاته، هذه المرة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الزراعية ومن تدمير المساحات الطبيعية عن طريق خفض استهلاك اللحوم (هذه المرة تشمل أيضا الدواجن) ومنتجات الألبان، لصالح اعتماد بدائل نباتية جديدة بهدف إنقاذ الأرض.

بالطبع لا يحتاج الدكتور محسن إلى إقناع ثلاثة أرباع سكان العالم الثالث، هم فقراء أو دون خط الفقر، بضرورة الإقلاع عن تناول اللحوم ومشتقات الحليب والدواجن؛ الأسعار نار وهي خارج قدرتهم الشرائية.. الأثرياء والسراق فقط يمكنهم اليوم شراء اللحم، الباقي من البشر عليهم انتظار مرة في العام للاستمتاع برائحة الشواء.

لم يفكر الأثرياء في أن تربية الماشية تشكل مورد رزق لكثير من الأشخاص حول العالم، خصوصا الفقراء، وأن الانتقال إلى اللحم النباتي سيحرم هؤلاء من مورد رزقهم، ما همهم طالما أن اللحوم النباتية ستشكل بديلا مناسبا، حتى وإن جاء بكلفة باهظة.

18