عناصر حركة حماس غير مرغوب بهم في تركيا

أنقرة تطور علاقتها مع مصر وإسرائيل وجماعة الإخوان وحماس تدفعان الثمن.
الأربعاء 2022/05/04
أردوغان يسترضي إسرائيل بالابتعاد عن قادة حماس

القاهرة - قررت تركيا زيادة وتيرة التخلي عن الكوابح السياسية التي تعوق تطبيع علاقاتها الإقليمية وعدم ترك مساحة كبيرة لمنغصات تشكك في توجهاتها حيال العديد من دول المنطقة، فبعد أن كبلت وسائل الإعلام الداعمة لجماعة الإخوان بلائحة من القيود وطردت عددا من مقدمي البرامج بها إرضاء لمصر، رفضت قبل أيام استقبال عناصر من حركة حماس الفلسطينية أملا في استرضاء إسرائيل، والتنبيه على عناصر موجودة في أراضيها بعدم التمادي في الانتقادات الموجّهة إلى إسرائيل.

توظف أنقرة الورقة الإسلامية، السياسية والأمنية، لدعم تصوراتها الخارجية في حالتي الاحتواء والتنصل منها، ففي الأولى استخدمتها كوسيلة ضغط على بعض الدول التي دخلت معها في خصومة وحاولت الاستثمار فيها بطرق مختلفة، وعندما سقطت هذه الورقة أو لم تعد مجدية في تحقيق أغراضها لجأت إلى توظيفها في الحالة الثانية (عدم الترحيب) كي تتمكن من إثبات حسن نواياها في تصرفاتها الجديدة.

قامت السلطات التركية بإبعاد العشرات من الأشخاص المرتبطين بحركة حماس بوصفهم غير مرغوب في وجودهم على الأراضي التركية ضمن التغيّر العام الذي تبديه أنقرة في التعامل مع التيار الإسلامي، والذي كانت الكثير من قياداته قد استقرت على أراضيها خلال العقد الماضي في إطار سياسة الاستقطاب التي تخدم مشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتوحي بأنه أصبح خليفة للمسلمين.

جرى النظر إلى زيارة رئيس إسرائيل إسحق هرتسوغ إلى أنقرة في مارس الماضي وعقد قمة مع أردوغان على أنها زيارة دبلوماسية ولن تكون لها تأثيرات سياسية على عناصر حماس المقيمة في تركيا أو تلك التي تتردد عليها، خاصة أنها لم تقم من قبل بتحركات ضد أنشطة حماس تصب في صالح إسرائيل، ومنحت عناصرها الحرية.

كل تظاهر بالتخلي عن الإخوان وحماس يصعب تصديقه ما لم تقدم أنقرة على تبني سياسات تقصي هؤلاء من المشهد العام

ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية مؤخرا أن الحكومة الإسرائيلية لها ضلع في خطوة إبعاد عناصر حماس، حيث أرسلت قائمة بأعضاء الحركة الذين يترددون على تركيا ومعلومات عن تورط بعضهم في أنشطة عسكرية.

وأدت هذه القائمة إلى الربط بين المعلومات المتناثرة وبين ما اتحذته أنقرة أخيرا، والذي شعرت به حماس وتوقعته مبكرا عندما أصدرت بيانا نددت فيه بزيارات المسؤولين في إسرائيل لدول عربية وإسلامية متعددة، حيث راودتها شكوك في أن تكون الحركة ضحية لهذا التقدم السياسي.

نجت حماس عندما خرجت من سوريا عقب اندلاع الثورة على نظام الرئيس بشار الأسد منذ حوالي 11 عاما، إذ كانت تركيا مهيأة لاستقبال عناصر الحركة والكثير من المنتمين إلى التيار الإسلامي عموما، ولم تشعر حماس بأنها فقدت مركزا مؤثرا في ذلك الوقت، فقد عوضتها تركيا ببديل سياسي وإعلامي نشط مكنها من تجميع قياداتها هناك وعقد لقاءات ومؤتمرات بدرجة عالية من السرية.

في ظل التضييق المتوقع زيادته على حماس في تركيا ستواجه الحركة موقفا حرجا، فالأوضاع الداخلية في لبنان محرجة سياسيا ويصعب أن يستوعب هذا البلد تدفق المزيد من قيادات حماس، والعودة إلى سوريا محفوفة بالمخاطر فلم تنس دمشق غدر الحركة، وأنقرة على وشك أن تغلق أبوابها في وجوه حماس، أو ربما تجلعها مواربة نسبيا، غير أنها لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل.

وتريد تركيا تحسين علاقاتها الإقليمية، ولن تتمكن من تحقيق هذا الغرض ما لم تؤكد تغيير سياساتها للتعامل مع الحركات الإسلامية بأطيافها المختلفة، فهو التوجه الذي يؤكد أو ينفي حدوث تحول حقيقي في الممارسات التركية التي قامت في العقد الأخير على توظيف الورقة الإسلامية، ما أدى إلى وضعها في شبه قطيعة مع عدد من الدول.

تتوقف التغيرات التي تتبناها السياسة التركية على مدى تمسكها بنوع الدعم الذي تقدمه لكل من عناصر الإخوان وقيادات حماس، فكل خطوة نحو تحللها منهما تؤدي إلى تجاوب مصر وإسرائيل مع اتجاهها لتحسين العلاقات معهما، والعكس صحيح، ولذلك ستكون أنقرة مضطرة لتوسيع نطاق تهميشها للعناصر الإسلامية خلال الفترة المقبلة.

السلطات التركية قامت بإبعاد العشرات من الأشخاص المرتبطين بحركة حماس بوصفهم غير مرغوب في وجودهم على الأراضي التركية

ويقول مراقبون إن النظام التركي ينحني للعواصف السياسية التي ألمت به ولن يتمكن من القذف بعيدا بالعناصر التي استقبلها السنوات الماضية وقدم لها أشكالا مختلفة من الدعم لأنها ضمن مشروعه الكبير، وكل تظاهر بالتخلي عن الإخوان وحماس يصعب تصديقه ما لم تقدم أنقرة على تبني سياسات تقصي هؤلاء من المشهد العام.

وتكمن صعوبة هذه المسألة في أن النظام التركي يقوم على هوية إسلامية عقائدية، يحمل التنصل منها غمزا أو لمزا من نافذة الجماعة والحركة مردودات سلبية لحزب العدالة والتنمية الذي سيخوض انتخابات مصيرية العام المقبل.

وكل ما تقوم به أنقرة حاليا أو لاحقا لا يعدو كونه من المسكنات السياسية للحفاظ على علاقات ودية وهادئة مع كل من القاهرة وتل أبيب، وإرسال تطمينات لهما ولدول خليجية، تفيد بأن النظام التركي لم يعد يرتدي عباءة إسلامية متطرفة.

ويؤكد المراقبون أن هذا التفسير لا ينطلي على أي من الدول التي تضررت من إيواء تركيا للعناصر الإسلامية، وقد يتم قبوله كخطوة مرحلية، لكنه غير كاف للاقتناع بأن النظام الحاكم في أنقرة غيّر جلده لمجرد أنه طلب من قيادات إخوانية وعناصر حمساوية عدم البقاء في تركيا، وسيتم التعامل مع كل خطوة، كبيرة أم صغيرة، تخطوها أنقرة بالمثل، ما يعني أن هناك جولات سوف يتم خوضها قريبا.

ربما تقتفي عناصر حماس أثر التنظيم الأم (الإخوان) في الهجرة نحو دول مثل ماليزيا وإندونيسيا، لكنها لن تستطيع أن تتجه إلى كثير من الدول الغربية التي ذهبت إليها قيادات الجماعة، لأن وضع حماس مختلف، فهي مصنفة على لوائح العديد من الدول كتنظيم إرهابي.

Thumbnail

كما أن الذهاب جماعات أو فرادى بكثافة إلى إيران يؤثر على علاقة الحركة ببعض الدول العربية التي تخوض غمار خلاف حاد مع طهران، وكل تطوير في العلاقة معها له تداعيات قاتمة على ما تتلقاه حماس من دعم مادي ومعنوي من دول عربية.

ناهيك عن الارتماء كثيرا في أحضان إيران والذي يمكن أن يتسبب في إزعاج مصر التي تبعد عن قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس بضعة كيلومترات، ما يفتح الباب لتكهنات بشأن تحول القطاع إلى مركز جذب جديد لإيران على غرار جنوب لبنان، وما يستتبع ذلك من سيناريوهات غامضة.

دخل الإخوان تيها سياسيا جديدا، وهو الثاني في أقل من عقد بعد عزلها عن الحكم في مصر، ولا تعرف قيادات الجماعة آليات الخروج منه إذا طالت فترة الممانعة التركية لاستقبال قيادات ودعم الجماعة بالطريقة السابقة، فوضع الإخوان في خضم العلاقة الشرطية بين تقارب أنقرة والقاهرة يصعب من مهمتها في الفرار الجديد.

ودخلت حماس تيها ثانيا بعد خروجها من سوريا، ولن تتمكن تركيا من تطوير علاقتها بإسرائيل إذا حاولت الأولى المناورة بالحركة بطريقة تغضب الثانية وتؤثر على مصالحها السياسية، وتتوقف فترة رفض أنقرة لاستقبال المزيد من عناصر حماس على مدى ما تصل إليه من تفاهمات مع تل أبيب وحجم الفوائد التي يمكن أن تتحصل عليها منها، فالعلاقة بين تركيا والعناصر الإسلامية يتفوق فيها المكون البرجماتي على الأيديولوجي، ما يجعل التضحية مطروحة إذا كان الثمن المدفوع مرتفعا.

7